هامش على متن خطاب العرش 2023..
هوية بريس- أحمد نورالدين*
بعد الخطاب الذي ألقاه العاهل المغربي في الذكرى الرابعة والعشرين لجلوسه على العرش، يمكن القول أن موقف العاهل المغربي من العلاقات مع الجزائر لم يتغير خلال ربع قرن، فهو موقف ملك ينظر إلى المستقبل بعمق زمني لا يقدر بعمر جنرالات الجزائر وإنما بعمر الملكيات العابر للقرون، وينظر إلى عواقب الأمور ومآلاتها لا إلى الشطحات السلطوية لحديثي العهد بالسلطة ومزايداتهم السياسوية والعسكرية، والملك يقيس في ذلك تبعات الحروب التي تخلف من جهة ملايين الضحايا ما بين قتيل ومعطوب، في ظل قوة النيران الرهيبة للاسلحة الحديثة، وتحدث من جهة أخرى دمارا مهولا في البنيات التحتية، وتفضي في النهاية إلى فقدان السيادة الوطنية لفائدة مراكز القرار الدولي كما نشاهده بأم أعيننا في العراق وسورية وليبيا واليمن والصومال والسودان ولبنان وغيرها من الاقطار العربية حتى لا نتعداها الى ما سواها.
ثم إن العاهل المغربي مثله مثل أي عقل استراتيجي يعلم ان الحروب، سواء أكانت اقليمية او دولية، دائما ما تنتهي إلى مائدة المفاوضات، ولذلك هو يعمل على تجنيب المنطقة ويلات الحرب من خلال دعواته المتكررة في خطاباته إلى الحوار مع الجزائر حول كل القضايا الخلافية دون طابوهات ودون سقف او شروط.
وهو متيقن في هذه المقاربة بان الشرعية والحق إلى جانب المغرب وان النظام الجزائري ظالم ومعتد على شعب المغرب. واذا شئنا أن نذكر بعضا من جرائم الجارة الشر_قية فيمكن أن نبدأ بطرد هواري بومدين لحوالي 350 الف مغربي في عيد الأضحى سنة 1975 بسبب المسيرة الخضراء، ومصادرته لأموالهم الثابتة والمنقولة دون أحكام قضائية ودون جريمة او جريرة. ويمكن أن نذكر أيضا خرق النظام الجزائري لكل الاتفاقيات الموقعة مع المملكة سنوات 1961، 1963، 1969، 1972، وصولا إلى خرق معاهدة الاتحاد المغاربي سنة 1989. ولا يمكن أن نقفز على العدوان العسكري الذي شنه النظام الجزائري على أراضي المغرب في تنجوب وفكيك ويش مما تسبب في حرب الرمال سنة 1963، ثم عدوانه الغادر على الجيش المغربي في أمغالا سنة 1976، وصولا إلى عدوانه الاخير على أراضي ومزارع واحة العرجا ضواحي مدينة فكيك في مارس 2021. وأخيرا فالنظام الجزائري يواصل اعتداءه منذ نصف قرن على المغرب باحتضانه تنظيما انفصاليا في الصحراء وتسليحه وتدريبه وفتح اراضيه لشن هجماته الارهابية ضد المغرب، ودعمه دبلوماسيا واعلاميا وبكل الوسائل، ولائحة الاعتداءات الجزائرية على المغرب طويلة ولا يسع المجال لحصرها…
وبالتالي فالعاهل المغربي مطمئن لنتائج أي حوار او مفاوضات مباشرة او بوساطة عربية او افريقية او دولية، فالحق يعلو ولا يعلى عليه. وفي المقابل نجد الجزائر في موقف الرافض لأي مفاوضات ولاي وساطة، والذي يرفض المفاوضات او يخشى من الحوار إما أنه مدرك تمام الإدراك أنه على خطأ ومجانب للشرعية ومخالف للحق والقانون الدولي، وعلى يقين أنه لا يملك أي ورقة للاقناع والتفاوض.
وإما أنه نظام أخرق يحكمه أغرار ومراهقو السياسة والحكم، يدفعون بلدهم نحو الهاوية والخراب ورهن مؤهلاتها وقدراتها ومستقبلها للقوى الاجنبية دون اي مبرر عقلاني يقبله المنطق او السياسة.
وإما أنه نظام اولغارشي تحكمه مافيا تفضل مصالحها الشخصية وتضخيم حساباتها البنكية في اوربا، عاى حساب مصالح شعبها ووطنها.
وإما أنه نظام مخترق من جهات خارجية، ويسعى المتحكمون في قراره إلى خدمة اجندات خارجية لا علاقة لها بالمصالح الوطنية.
واترك للقراء استنباط التوصيف الذي ينطبق على النظام العسكري الجزائري الذي يمعن في رفض كل مبادرات المغرب للحوار والسلام وتنقية الأجواء منذ 2018 إلى اليوم، ويتعنت في رفض كل المبادرات العربية والوساطات الدولية، وقد اعلن عن رفضه الحوار والوساطة في تصريحات رسمية للرئيس الجزائري وفي بلاغات رسمية للخارجية الجزائرية ومن خلال مندوبه في الجامعة العربية.
وهذا هو الجوهر الفرد في معنى اليد الممدودة للعاهل المغربي الذي يمثل ملكية لها امتداد زمني في الماضي والمستقبل، ولا يريد الدمار لبلده ولشعبه ولا حتى لجيرانه، ولا يريد رهن سيادة وطنه لمراكز القرار الخارجية. بل العكس تماما هو ما يسعى اليه، كما اكد في خطابه الأخير حين قال بأنه يريد خدمة شعبه، وخدمة الشعب كما يوضح هو نفسه لا تقتصر فقط على القضايا الداخلية، وإنما أيضا تمتد الى إقامة علاقات وطيدة مع الدول الشقيقة والصديقة، وخاصة دول الجوار .
فالملك يقود مشروع نهضة اقتصادية واجتماعية ومشروع إقلاع صناعي وتكنولوجي ومشروع تحقيق السيادة المغربية في القطاعات الاستراتيجية التي تحدث مطولا عنها في هذا الخطاب وفي خطابات سابقة.
وهذا المشروع النهضوي يقتضي الجدية في عدم مسايرة من يريد جرنا إلى الجحيم، اولئك الذين لا يملكون مشروعا آخر غير هدم وحدة المغرب وتمزيق اوصاله، وشتان بين من له مشروع للبناء ومن له مشروع للهدمم.
لذلك كله سيظل المغرب متشبثا بالدعوة إلى عين العقل والصواب، إلى المصالحة بكل جدية، دون أن يعني ذلك عدم الاستعداد بالجدية المطلوبة ايضا لكل الفرضيات كما تقتضيه الحكمة والعقل أيضا، فمن يريد السلام عليه أن يستعد للحرب، وهذا ما يقوم به المغرب فعلا من خلال تعزيز وتحديث قواته المسلحةالملكية، ومن خلال عقد التحالفات الاستراتيجية اللازمة، بهدف ردع المعتدين كل المعتدين، وليس بهدف إلحاق الشر بالجار. خاصة إذا كان الجار تجمعنا به الأنساب والدماء والأرحام والكفاح المشترك ضد الاستعمار والتاريخ والجغرافيا واللغة والثقافة.. /
*أحمد نورالدين، متخصص في العلاقات المغربية الجزائرية