هدر مدرسي بمئات الآلاف سنويا.. مسؤولية من؟
هوية بريس – بوسلهام عميمر
الهدر المدرسي أو التسرب المدرسي أو الانقطاع المبكر عن الدراسة، كلها عناوين دالة على معضلة تعليمية منذ سنوات وهي تتفاقم، حتى اتسع اليوم خرقها على راقعها، فأضحت مستعصية على الحل. فأن يغادر أكثر من ثلاثمائة ألف طفلا (331 ألف تلميذا) مقاعد الدراسة سنويا، والأفظع نسبة كبيرة منهم أطفال الابتدائي، ينقطعون بدون أن يكتسبوا حتى الكفايات القرائية الأساس في حدودها الدنيا، فيلتحقون مباشرة بطابور الأمية المتفشية في مجتمعنا مع ما يرتبط بها من جهالات، وصمة عار على جبين الجميع ونحن في القرن الواحد والعشرين زمن الثورة التكنولوجية والطفرة المعلوماتية. إنها أم المعضلات في منظومتنا التعليمية المفروض أن تقوم قيامة كل مؤسسات الدولة و ليس التعليم لوحده ولا تقعد، وإلا فما الجدوى منها و هذا النزيف في ازدياد مطرد سنة بعد أخرى. دمار شامل يفتك بالآلاف المؤلفة من أبناء هذا الوطن، زهرة حاضره وثمار مستقبله؟
فأين مكاتب الدراسات التي تستنزف ميزانيات خيالية في مختلف القطاعات؟
ألم تهدها أبحاثها ودراساتها للتنبؤ بهذا المصير الخطير، و بمآلات السياسات المتبعة، فترسم على ضوء خلاصاتها مخططات من شأنها وقف النزيف أو على الأقل الحد منه؟
معضلة الهدر المدرسي، من السذاجة بمكان حصرها في قطاع التعليم لوحده كما يروج له البعض بحسن نية أو بسوئها، ومن تم حصر البحث في حل لها داخل دائرة منظومة التعليم لوحدها. إنها أعقد بكثير مما يتصور. يتداخل فيها ما هو اجتماعي بما هو سياسي بما هو اقتصادي بما هو فهومات دينية خاطئة الدين منها براء. ففي مجتمعنا للأسف هناك من لا يزال يرى في متابعة البنت تعليمها بعيدا عن عينه عار وشنار، على جثته يسمح لها بذلك، ومنهم من يضحي بتعليمها عند أول فرصة زواج حتى وهي قاصر، اعتقادا منه أن الفتاة مكانها الطبيعي هو بيت الزوجية والإنجاب ليس إلا، جاهلا أو متجاهلا أنه لا مجال للمقارنة بين زواج متعلمة وإنجابها وزواج أمية خاصة والعصر اليوم عصر علم ومعرفة.
وكم منهم من ذوي الدخل المحدود، أو ممن لا دخل له، لا يرى في أبنائه غير مداخيل، يستعين بها على متطلبات الحياة الضرورية، مما يجعل مسألة تعليمهم خارج اهتماماته ولا مكان لها في سلم أولوياته، فيدفع بهم على حداثة سنهم إلى سوق الشغل، غير مكترث لا هو ولا من يشغلهم بالقوانين الوطنية و الدولية تمنع بقوة القانون تشغيل القاصرين. فكيف يمكن إقناع هؤلاء المعوزين، يعدون بالملايين، بالحرص على تعليم أبنائهم، بدون إيجاد حل لفقرهم وحاجتهم؟ فهل تنفع معهم دريهمات برنامج “تيسير”. فما يمكن أن يحصل عليه أطفالهم في بضعة أيام أكثر بكثير ما ينتظرونه لمدة شهر بأكمله. فما لم يتم معالجة الداء من أصله لا يمكن انتظار أية نتيجة على درب محاربة هذه الظاهرة الخطيرة. يتداخل في تزويد نسبته أيضا ما يتعلق بالبنية التحتية لجل المؤسسات التعليمية، وخاصة بالوسط القروي. عدد منها لا يزال يفتقر للربط بشبكة الماء الصالح للشرب والكهرباء، و انعدام المرافق الصحية من مراحيض وغيرها. دون الحديث عن نوعية الإطعام المدرسي الهزيل و الظروف البئيسة التي يقدم فيها. يزود نسبة الهدر المدرسي أيضا نوعية البرامج، فما المنتظر من متعلمين لا يجدون ذواتهم ضمنها، ولا ضمن طريقة التدريس التي للأسف لا يزال بعض المدرسين يصرون عليها، فالحديث اليوم عن بيداغوجيا الحب والرغبة وبيداغوجيا اللعب وغيرها.
فما لم يتم التفعيل الحقيقي للأنشطة الموازية بتوفير لوازمها الأساسية، وتجهيز المدارس بالملاعب والمراسم وقاعات متعددة الوسائط وكل ما من شأنه أن يجعل المدرسة قطب جذب، يصعب الحديث عن وقف نزيف الانقطاع المبكر عن الدراسة في جميع الأسلاك الدراسية، وخاصة أطفال الوسط القروي. وما لم يتم تصحيح المعتقدات الخاطئة بخصوص تعليم الفتاة، وما لم يتم مساعدة الأطفال وخاصة بالوسط القروي على تحديات قساوة الظروف الطبيعية من ثلوج وفيضانات وغيرها بتعميم المدارس الجماعاتية وتوسيع وعاء الداخليات ودور الطلبة والطالبات وتجويد الإطعام، وتوفير النقل المدرسي بالتنسيق مع الجماعات المنتخبة والسلطات المحلية، ففي ظل غياب هذه الإمكانيات وغيرها، لا يمكن الحديث عن أي وقف لنزيفها.