هذا نص خطبة “صفقة القرن” التي عزل بسببها خطيب مسجد ابن حزم بوجدة
هوية بريس – عابد عبد المنعم
بعد عزل أحمد التوفيق، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، خطيب الجمعة بمسجد ابن حزم بوجدة بسبب اتهامه بالتطرق في الخطبة لموضوع “صفقة القرن”، نشر الخطيب محمد شركي نص الخطبة ضمن رسالة مفتوحة وجهها لوزير الأوقاف.
وفيما يلي نص الخطبة التي كانت ذريعة لإنهاء مهمة الخطيب بالمسجد المذكور:
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه وتعالى حمدا كثيرا دائما موصولا يليق بعظمته وجلاله وقدّوسيته، ونشكره الشكر الموافي لسابغ نعمه، ووافر آلائه، ونثني عليه الخير كله ولا نحصي له ثناء، فهو كما أثنى على ذاته جل جلاله، وتقدس اسمه، وعز سلطانه.
وعليه نتوكل ونعتمد، وبه نستعين ونستجير، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، وموبقات أقوالنا.
من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له بارك المسجد الأقصى، وجعله مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال وهو أصدق القائلين في محكم التنزيل:
((سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير)).
وأشهد أن سيدنا وعظيمنا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وحبه ومصدقاه تذاكر صحابته عنده ذات يوم مستفسرين أيهما أفضل مسجده عليه الصلاة والسلام أم المسجد الأقصى؟ فقال لهم: “صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلى، وليوشكن أن يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعا” وفي رواية “خير من الدنيا وما فيها”.
صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الطاهرين، وصحابته الخيّرين، وأتباعه الصالحين، وعلينا معهم فضلا ونعمة من رب العالمين.
أما بعد، عباد الله
من المعلوم أن أفضل ما تعبّد به الله عز وجل عباده المؤمنين عبادة الصلاة، وهي صلة بينه سبحانه وتعالى وبينهم لا تنقطع ليل نهار، يناجونه فيها، ويسألونه فيعطيهم، ويستغفرونه فيغفر لهم، ويكونون أقرب منه وهم ساجدون.
ولمّا كان لهذه العبادة كل هذا الفضل، فقد جعل الله عز وجل لها أماكن خاصة تؤدى فيها، وهي بيوته التي سماها مساجد، وجعل لها قدسية، وهي أفضل بقاع الأرض عنده، وجعل أفضلها ثلاثة مساجد هي: المسجد الحرام بمكة المكرمة، والمسجد النبوي بالمدينة المنورة، والمسجد الأقصى بالقدس الشريف. وهذه المساجد قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى “. وشد الرحال إلى هذه يكون لحرمتها وقدسيتها، ومن يقصدها يكون غرضه التقرب إلى الله عز وجل والفوز بما أودع فيها من أجر وبركة تتمثل في مضاعفة أجر الصلاة فيها أضعافا كثيرة مقارنة بأجر الصلاة في غيرها من مساجد المعمور.
ولقد ورد في كتاب الله عز وجل ما يدل على مباركة هذه المساجد حيث ذكر حرمة المسجد الحرام، وأشاد بمسجد المدينة، وبارك المسجد الأقصى.
ولقد شرف الله عز وجل المسجد الحرام والمسجد الأقصى بصلاة أنبيائه ورسله صلواته وسلامه عليهم أجمعين فيهما، كما شرف المسجد النبوي بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم فيه، وهو ما زاد المساجد الثلاثة شرفا وتعظيما وقدسية.
ولما كان لها كل هذا القدر عند الله عز وجل، فإن الأمة الإسلامية ملزمة شرعا بصيانتها لتكون مقصدها الذي تشد إليه الرحال. ولقد تعبّد الله عز وجل عباده المؤمنين بعبادة الحج التي تكون في بيته المحرم، وحواليه. كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رغب أمته في زيارة مسجده بمهجره في المدينة المنورة، والمسجد الأقصى بالقدس الشريف حيث كان مسراه. والقصد من زيارتها الصلاة فيها حيث الأجر المضاعف. وإذا كان المؤمنون أقرب ما يكونون وهم ساجدون حيثما سجدوا في بيوت الله عز وجل، فهم أشد قربا منه وهم ساجدون في المساجد الثلاثة التي عظمها وشرفها، وجعل الرحال تشد إليها. ولهذا تعتبر هذه المساجد الثلاثة وقفا إسلاميا يجب على الأمة الإسلامية أن تصونها وتحفظها وتدافع عنها إذا ما استهدفت بما يهددها كما هو الشأن اليوم بالنسبة لأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وقد صار مهددا بالزوال من طرف اليهود المحتلين لأرض فلسطين، والذين يزعمون أنه أقيم مكان هيكل النبي سليمان عليه السلام.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( لما فراغ سليمان بن داود من بناء بيت المقدس سأل الله ثلاثا: حكما يصادف حكمه، وملكا لا ينبغي لأحد من بعده، وألا يأتي هذا المسجد أحد لا يريد إلا الصلاة فيه إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما اثنتان فقد أعطيهما، وأرجو أن يكون قد أعطي الثالثة”
ومعلوم أن رجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يرد أو يخيّب، وهو الذي قال له ربه سبحانه وتعالى: ((ولسوف يعطيك ربك فترضى))، ويفهم ضمنيا من رجائه عليه الصلاة والسلام أنه يرغّب في زيارة المسجد الأقصى لنيل المغفرة التي سألها نبي الله سليمان عليه السلام لمن يقصده لا يريد إلا الصلاة فيه.
ولقد ذكر بن تيمية رحمه الله أن ابن عمر رضي الله عنه كان يأتي المسجد الأقصى يصلي فيه، ولا يشرب فيه ماء ليصيب دعوة نبي الله سليمان عليه السلام. ومن فضل الله عز وجل أنه كما استجاب فيه لنبيه سليمان عليه السلام في دعوتين أن يستجيب له الدعوة الثالثة.
عباد الله
لقد كان المسجد الأقصى مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنه كان معراجه إلى السماء حيث كشف له رب العزة جل جلاله حجب الغيب، فأخبرنا بما رأى لتثبيتنا على الإيمان، ولنستيقن بما أعد الله تعالى في الآخرة بعد زوال الدنيا من جزاء أو عقاب.
نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبأحاديث سيد الأولين والآخرين، وغفر لي ولكم، ولجميع المسلمين آمين.
الخطبة الثانية:
إن الحمد لله تعالى
شهدت بأنه رب وحيد = إذا فني الورى فله الدوام
وأن محمدا عبد رسول = عليه صلاة ربي والسلام
أما بعد، عباد الله
لقد أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسجد الأقصى حين سئل عن الصلاة في مسجده، والصلاة فيه فقال: “صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلى، وليوشكن أن يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعا” وفي رواية: “خير من الدنيا وما فيها”.
ففي هذا الحديث الشريف إشادة وتنويه من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسجد الأقصى بقوله: “نعم المصلى “وهو الذي بارك الله تعالى ما حوله، وجعل أجر الصلاة فيه أكبر من أجر الصلاة في غيره من بيوت الله باستثناء المسجد الحرام، والمسجد النبوي. ومن اللافت للنظر في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل مجرد رؤية بيت المقدس خير من الدنيا وما فيها بقوله: “ليوشكن أن يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميع”. وفي هذا إشارة إلى أهمية المسجد الأقصى الشريف، فإذا كانت مجرد رؤيته فيها كل هذا الفضل العظيم، كيف يكون الحال إذا صلي فيه، وكيف لا يكون له هذا الشأن العظيم وقد أمّ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم جميع الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليه أجمعين؟
عباد الله
إن مناسبة حديث هذه الجمعة هو الإعلان عن مؤامرة كبرى في الولايات المتحدة الأمريكية أطلق عليها اسم صفقة القرن، والصفقة لغة هي ضرب الأيدي عند البيع. ولقد نقلت لنا وسائل الإعلام كيف صفق الرئيس الأمريكي يد رئيس الوزراء الصهيوني في عملية بيع تستهدف بيت المقدس، وأكنافه وعموم أرض فلسطين. وهذا الحدث اقتضى الحديث عن مكانة هذه الأرض عند المسلمين، فهي بمثابة وقف إسلامي لا يباع ولا يشترى، كما اقتضى أن يذكّر المسلمون بواجبهم تجاه هذا الوقف كل حسب قدرته، وحسب موقعه. وأكثر الناس مسؤولية عنه حكام المسلمين الذين قلدهم الله عز وجل أمر المسلمين، وأمر الدين، وكل ما يتعلق به بما في ذلك الأماكن المقدسة.
عباد الله
من المؤسف أن تغفل الأمة عن خطورة هذه الصفقة المشئومة مع أن الحدث جلل، والمصيبة عظمى لأن اليهود أرادوا مقايضة المسلمين في مقدساتهم بأرض فلسطين بالمال، وكلفوا الإدارة الأمريكية بتمرير هذه الصفقة، وقد توعدت هذه الأخيرة المسلمين في فلسطين بالويل والثبور وعواقب الأمور إن هم لم يقبلوا بهذه الصفقة المذلة لهم ذلا كبيرا، وفي إذلالهم إذلال للمسلمين جميعا في مشارق الأرض ومغاربها.
عباد الله
إن اليهود الذين يريدون اليوم السطو على مقدسات المسلمين في أرض فلسطين وصفهم الله عز وجل في القرآن الكريم بأبشع النعوت. وما كثر الحديث عنهم في الذكر الحكيم إلا لتحذير المسلمين من مكرهم وكيدهم وشرهم، ولم يستثن منهم إلا القلة القليلة التي آمنت بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم. أما الذين كفروا بدعوته وكذبوه فقد حذر الله تعالى المؤمنين منهم فقال: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين).
والسر في النهي عن اتخاذهم أولياء هو أنهم يكرهون المؤمنين أشد الكراهية لقوله تعالى: (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا). ونظرا لهذه الكراهية الشديدة فإنهم يؤذون المسلمين ولا يرقبون فيهم إلا ولا ذمة، ولا يرضون عنهم إلا إذا تبعوا ملتهم لقول الله تعالى: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير). وهذا خطاب موجه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولعموم المسلمين في كل زمان ومكان إلى قيام الساعة.
عباد الله
إن اليهود الذين تجاسروا على رب العزة جل جلاله بنسبة الولد له تعالى عما يصفون، ونسبوا له الفقر ولأنفسهم الغنى، وجعلوا يده مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا، والذين حرفوا ما أنزل الله على موسى عليه السلام، والذين قتلوا الأنبياء، والذين وصفهم الله عز وجل بإشعال نيران الحروب وبالفساد في قوله تعالى: (كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين) لا يمكن أن يؤمنوا، ولا يجوز أن تعقد معهم الصفقات خصوصا تلك التي تبيّن أنها تريد تهويد بيت المقدس، وطرد المؤمنين منه.
عباد الله
لقد توعد الله عز وجل هؤلاء اليهود بالهلاك عند علوهم كما جاء في سورة الإسراء حيث قال جل شأنه: (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدنّ في الأرض مرتين ولتعلنّ علوا كبيرا فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسئوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا).
عباد الله
إن الله عز وجل سيجعل نهاية علو اليهود في أرض فلسطين على يد الفئة المؤمنة، ولن يتحرر بيت المقدس بالصفقات بل بالعودة إلى دين الله عز وجل كتابا وسنة والتمسك بهما، والعض عليهما بالنواجذ.
فاتقوا الله عباد الله في أمانة المسجد الأقصى التي جعلها الله تعالى في أعناق الأمة المؤمنة حكاما ومحكومين، وانصروا إخوانكم المؤمنين المستضعفين في أرض فلسطين كل على قدر استطاعته، واسألوا لهم الثبات والنصر والتمكين عسى أن يستجيب الله عز وجل لكم، فيفكّ أسر المسجد الأقصى وما حوله لتشد إليه الرحال كما شدت إليه في أيام عز الأمة الإسلامية، والتي نسأل الله تعالى أن تعود من جديد.
اللهم عجل بتحرير بيت المقدس من أسر الصهاينة المحتلين، وثبت المجاهدين المرابطين فيه، وأمددهم بمددك وعونك، وانصرهم نصرا تعز به الدين، وارحم شهداءهم يا أرحم الراحمين.
اللهم وحد صفوف المسلمين ورد بهم إلى كتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم. اللهم من أراد بالإسلام والمسلمين خيرا فوفقه، ومن أراد بهم شرا فدمره.
اللهم كما وليت أمير المؤمنين أمر الأمة المغربية المسلمة في هذا البلد الأمين، وشرفته برئاسة لجنة القدس، فاجعل اللهم له شرف تحريرها، اللهم احيي على يديه السنة، وأمت على يديه البدعة، واحفظه في نفسه وفي أسرته الشريفة، واجعل اللهم له بطانة خير تعينه على الخير، وتدله على الخير، وتشير عليه بالخير، واجعل هذا البلد بلد خير، وسائر بلاد المسلمين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.اهـ
هل كان عليه أن يسكت كما سكت المتصهينون؟
ربنا افرق بيننا وبين القوم الظالمين
والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله
اللهم آمين
بارك الله فيك
اللهم امين انك سميع الدعاء