هذه هي الحقيقة
د. رشيد نافع
هوية بريس – الإثنين 15 فبراير 2016
قال تعالى: “وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ” (الحج:65).
تأمل قوله “إِلَّا بِإِذْنِهِ“، أي: إذا شاء الله ذلك اختلَّت هذه القوانين فانهار الكون وانفرط عقده، ولكن الله برحمته ورأفته جعل ذلك كائنًا إلى يوم القيامة.
ذكر ابن كثير رحمه الله عند تفسير هذه الآية: “ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه” ما مختصره: “أي لو شاء لأذن للسماء فسقطت على الأرض فهلك من فيها، ولكن من لطفه ورحمته وقدرته يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه؛ ولهذا قال: “إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ” أي: مع ظلمهم”.
فهل ثمة خطر يهدد الأرض أكبر من أن تقع السماء عليها؟..
نعم؛ أخطار كثيرة وكبيرة تحدق بنا كل وقت ويستمر حفظ الله لنا منها دون أن نشعر، فضلا عن أن نشكر.. الهواء لو زاد لدمر كل شيء، لكن الله يجعله متحركا بالقدر المناسب لهنائنا وراحتنا، الحرارة والبرودة وزنها الله على قدر احتمالنا، فلو زادت أو نقصت عن حد الاحتمال لهلكنا..
قل مثل هذا عن الطعام والشراب والبحار والجبال و…، فالأحداث التي تجري في هذا الزمان وفي كل زمان لا تجري إلا بإذن الله ولا تقوم قائمة ولا تقعد قاعدة إلا بإذن الله، فلنوقن بذلك.
حتى غلاء الأسعار وانخفاضها بتقدير من الله، فقد غلا السعر في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فجاء الصحابة رضوان الله عليهم قائلين: يا رسول الله: غلا السعر فلو سعَّرت “أي وضعت تسعيرة ملزمة يا رسول الله، فقال: “إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ وَإِنِّى لأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يُطَالِبُنِى بِمَظْلَمَةٍ فِى دَمٍ وَلاَ مَالٍ” رواه أحمد والبيهقي وصححه الألباني.
فالذي يخفض الأسعار هو الله، فكل ما يجري في الكون بإذن الله وتقدير الله سبحانه وتعالى، خلق كل شيء فقدره تقديرا، خلق كل شيء بقدر، قال تعالى: “مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ” (الحديد:22).
هذه الوقفة تقلل من تضخيمنا لبعض الأخطار التي نكثر التخوف منها كالفقر، والمجاعات، والأمراض، والحروب… إن الله هو الذي يحفظنا دوما من الشرور، فليس هناك شر خارج عن قدرة الله وإرادته، فاﻷمر إذن إنما هو مرتبط في حقيقته بحفظ الله وليس بضخامته أو ضآلته، قد نهلك من محتقر لا نخافه، وكم سلمنا من أعظم اﻷخطار..
فلندع تضخيم الخوف من اﻷسباب ذاتها لنتجاوزها إلى مسبب الأسباب.. فما دام حفظ الله فلا خوف، وإن زال حفظ الله فلا أمن.. هذه هي الحقيقة.