هكذا يمسح “ولاد يزة” بالمعلم الأرض
هوية بريس – د. ليلى السّبيعي
طالما سمعنا أوصافًا نمطية عن رجل التّعليم تنعته مرة بالبُخل ومرات، بأوصاف تتفق في كونها تحمل صفات سلبية تحط من قيمته في المجتمع وتضرب صورته المثالية التي كانت عليه فيما مضى.
قد يكون طرح هذه الأوصاف من باب الضحك، لكن حين يصل الأمر أن تؤدى شخصية الأستاذ بهذه الصّفات التي تصل حد الوقاحة في الإعلام ويُشاهدها ملايين المغاربة، فيضحكون منها، فهنا يصبح الأمر أشبه بالمقصود، ونفهم أن بعض ما يدور في الإعلام السّمعي البصري يريد أن يرسخ في العقول أن الأستاذ شخص معتوه، فقير، “مسطي” كما جاء في سلسلة “ولاد يزة”، في ضرب صارخ لا بالمعلم ولكن بالعلم وطريق المعرفة.
هذه السّلسلة الفكاهية الرمضانية التي تعرض مباشرة بعد أذان المغرب، في وقت يكون فيه جل المغاربة مجتمعين على مائدة الإفطار صغارًا وكبارًا يشاهدون “أستاذًا” محط سخرية السّلسلة بأكملها، بدءا من لباسه المضحك وشعره الأشعث إلى طريقة كلامه وتصرفاته البلهاء إلى غير ذلك مما لازالت ستجود به الحلقات المقبلة من هذه السّلسلة “الفكاهية” من مغالطات يمكن إجمال بعضها فيما يلي:
-مظهر الأستاذ الذي يوحي أنه لا يعرف كيف ينسق بين ملابسه، فتجد في لباسه ألوانا لا تتناسب فيما بينها، ويرتدي مقاسات أكبر من حجمه الضئيل كما تصوره السلسلة.
-اهتمامه بنفسه الذي يبدو منعدما في صورة رجل بشعر أشعث غير مصفف ولا منظم مع ربطة عنق في غير محلها توحي باللامبالاة خاصة مع لحية لا هي محلوقة ولا هي متروكة بل هي لحية رجل لا يهتم بحاله ويهمل شكله الخارجي.
-عند مقارنة مظهر “ولد يزة” الأستاذ مع مظهر أخيه العائد من المهجر يبدو الشرخ عميقا، حيث أن أخاه يظهر في أناقة واضحة وتناسق بين بنيته ولباسه وكذا شعره المصفف ولحيته المحلوقة بعناية كأنها مقصودة ليتبين الفرق بينه وبين مظهر أخيه رجل التعليم في السلسلة.
-في مشهد مقارنة بين الأستاذ “ولد يزة” وأخيه المهاجر إلى إيطاليا يتحسر البطل (الأستاذ) على كونه أصبح رجل تعليم في بلده بينما أخوه أصبح أفضل منه حين قال “شي عطاتو وشي زواتو” وكأن مهنة التعليم شيء مهين ومشين.
-أول كلام يسمعه المشاهد في السلسلة هو لرجل التعليم وهو يحتفل بعيد ميلاد أمه يغني لها بإنجليزية ركيكة محرفة “حابيباي زاي تو يو” كأنه أمي لم يدرس اللغات في حياته وحتى إن درسها فهو لا يجيد نطقها بالمرة.
-وصف الأم الدائم لابنها رجل التعليم ب “المسطي” وهو ما جاء على لسان أخيه في الحلقة الأولى.
-استهزاء الأم من ابنها “الأستاذ” حين أخبرها أنه يريد أن يتزوج فقالت له: “عندك فلوس الزواج” في إشارة واضحة إلى أن مهنة التعليم لا تكفي لفتح بيت وأن ابنها الأستاذ بعد سنوات طويلة من العمل تمكن من جمع “مليون” فقط لا تكفيه لا في مهر ولا جهاز العروس ولا ذبيحة على حد قول الأم.
كل هذه الملاحظات وغيرها كثير مر مرور الكرام في الحلقتين الأولى والثانية فقط من السلسلة، لكن هذا المرور المتكرر كثيرا يصفه المختصون في علم النفس بأنه تكريس لصورة يراد لها أن ترسخ في الأذهان، وتصور خاطئ لمجموعة من الصفات الذهنية لشخصية رجل التعليم. هذا التصور أثار حفيظة ليس نساء ورجال التعليم بالمغرب فقط، بل كل غيور على وطنه وأبناء وطنه، وكمثال على ذلك فقد أرسلت بيانات استنكارية من هيئات وطنية أبرزها نقابات تعليمية راسلت ال “هاكا” بالأمر وبطلب توقيف عرض هذه السلسلة.
هذه الصور هي بالطبع صور خاطئة، فلا نساء ورجال التعليم بهذا المظهر المشين ولا بتلك اللامبالاة المقصودة في السلسلة، وحتى تمكنهم من اللغات ليس بذاك المستوى المتدني الذي ظهر به الأستاذ “ولد يزة” في السلسلة. ففضلا عن أساتذة اللغات، يعلم الجميع أن المواد العلمية أصبحت تدرس بالفرنسية والانجليزية، فكيف لأستاذ أن يدرس بلغة أخرى وهو لا يجيدها؟؟
وأما أن يظهر الأستاذ فقيرا معدما لا يملك حتى مهرا يقدمه لعروسه فهو تصور خاطئ بالمرة، فلو قمنا بدراسة بسيطة عن عدد الأساتذة الذين هم في الدرجة الأولى والدرجة الممتازة، بمعنى آخر رواتبهم تتجاوز المليون محط سخرية أم رجل التعليم منه، نجدهم بعشرات الآلاف، تنضاف إليهم آلاف أخرى كل سنة، وحتى أولئك الذين لا زالوا في بداية مشوارهم المهني فإن كان هناك تدني لرواتبهم فليسوا هم المسؤولون عنه بل هي الوزارة التي جعلت مجازا يتوظف أستاذا في التعليم راتب 4800 درهم بينما يتوظف مجاز في وزارة الصحة أو العدل أو الأوقاف أو غيرها من القطاعات برواتب تتجاوزها بكثير.
رغم كل ما يتعرض له رجال ونساء التعليم من هجمات لا ندري أيقصدون بها هم بالضبط أم المقصود منها هو التعليم عموما في المغرب، فإن الأستاذ المغربي أعطى ولا يزال صورة محترمة عنه، ونال جوائز عالمية آخرها جائزة أفضل مدرس بالعالم والتي نالتها الأستاذة الفاضلة فاطمة الزهراء المهدون، ناهيك عن براءات اختراع عديدة لأساتذة وأستاذات مغاربة، ومشاركات مشرفة في محافل عالمية.
صورة الأستاذ يجب أن تبقى عالية مشرفة، ليس تقديرا لشخصه بالضبط ولكن تقديرا للتعليم ككل وتشجيعا للتلاميذ على احترام معلمهم وللمجتمع على الوعي والرقي والمعرفة والانفتاح والتي لا يمكن أن تكون إلا بتعليم جيد نحترمه ونضعه فوق رؤوسنا وليس تحت أرجلنا.