هل أصبحت إيران أحد أدوات الفوضى الخلاقة؟!
هوية بريس – قاسم علوش
لقد صرح الرئيس الإيراني حسن روحاني “الإصلاحي” في “خطاب النصر” الذي ألقاه بمناسبة سقوط حلب بيد النظام السوري المدعوم من الروس والإيرانيين والمليشيات الشيعية التابعة لإيران عن امتعاضه من عدم فرح الدول الاسلامية بـ”تحرير حلب”، بعدما تم هدمها حجرا حجرا فوق رؤوس سكانها، من “الإرهابيين” قوات المعارضة، كما زعم. إنها السخرية في أكبر تجلياتها تلك التي كان يبديها الرئيس الإيراني من دول المنطقة العربية ككل. وكيف لا يفعل ذلك و بلاده تجتاح العاصمة تلو الأخرى لدول عربية كانت تعتبر في الماضي القريب عمقا استراتيجيا عربيا صرفا.
بعد سقوط بغداد الثاني عام 2003 على أيد التحالف الغربي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، وفي غضون عشر سنوات تقريبا، وبسبب تجمع عوامل عدة، استطاعت إيران، وبدعم من “أعدائها” الذين كانت تسبهم، ولا زالت، هي والمليشيات الموالية لها في كل من لبنان والعراق واليمن، وتدعوا عليهم بالويل والثبور، من قبيل عبارات (الموت لأمريكا والموت لإسرائيل)، أن تضع يدها على أربع عواصم عربية وهي على التوالي صنعاء وبغداد ودمشق وبيروت محققة بذلك سيطرة فعلية على ما يسمى ب مناطق “الهلال الشيعي”.
يمكن القول، أنه فعلا كان للتجمعات الشيعية، في دول تلك العواصم، دورا حاسما في تنفيذ تلك السيطرة على أرض الواقع بعد سنوات من الإعداد والتعبئة والتربص، الأمر الذي يدفعنا إلى طرح أكثر من علامة استفهام حول حقيقة ولاء التنظيمات والتجمعات الشيعية في الوطن العربي لأوطانها الأصلية. وحقيقة ودرجة وعمق ارتباطها بنظام ولاية الفقيه في الجمهورية الإيرانية.
كما يمكن القول، أن الشكوك التي تبديها، الجماعات الإسلامية السلفية، بخصوص حقيقة ولاء نظام ولاية الفقيه في إيران، والمليشيات الشيعية التابعة له، لقضايا الأمة المصيرية تبدو أكثر من وجيهة. خاصة وأن تلك الشكوك يبدو أنها تجد ما يسندها على أرض الواقع من خلال الحروب العنيفة والدموية الجارية الآن في دول المشرق العربي، والتي تم إلباسها لبوسا طائفيا صرفا مع ما يترتب عن تلك الحروب من مآسي لشعوب المنطقة في ظل سعي النظام الإيراني إلى المزيد من بسط السيطرة وتقويتها على تلك الدول بدعم دولي غربي وشرقي. دعم غربي من خلال نهج سياسة النأي بالنفس غير المألوفة التي تبنتها الدول الغربية بزعامة أمريكا عن الحرائق المشتعلة هناك. ودعم شرقي من خلال الانخراط الفعلي لروسيا في الحرب السورية دعما لنظام بشار الأسد الطائفي.
تاريخيا، كان قيام الدول الشيعية، ذات المعتقد الباطني المنحرف، في الجغرافيا الإسلامية الممتدة شرقا وغربا مرتبطا بحدوث انكسارات ومآسي تتبعها داخل الدولة الإسلامية .وكانت تستمر تلك الانكسارات والمآسي في الزمن استمرار تلك الدول .ويحضرنا هنا نموذجي الدولة (العبيدية الإسماعيلية) (ق3 الهجري / 9 الميلادي) نسبة إلى “المذهب الشيعي الإسماعيلي” إضافة إلى الدولة الصفوية (ق 10 الهجري / 16 الميلادي) نسبة إلى (صفي الدين الأربيلي) ذات المذهب الإمامي الاثناعشري.
باختصار يمكن أن نقول: أن قيام الدولة العبيدية بداية في المغرب الأوسط (تونس والجزائر) واتساعها غربا (المغرب الأقصى) أدى إلى تقويض حكم الدولة الإدريسية الشريفة السنية وتدميرها فيما بعد. كما كان عاملا حاسما في إضعاف حكم دولة الخلافة في العاصمة بغداد حين انتقل (العبيديون) إلى مصر بعد سيطرتهم عليها. وهذا يعطينا بعض الدلائل على أن ادعاء دولة (العبيديين) النسب إلى آل البيت النبوي الشريف لم يكن سوى ذريعة وغطاء للتمكين لدولتهم وليس شيئا آخر. إذ لو كان الأمر كذلك لكان على دعاة (العبيدين) الالتفاف حول حكام الدولة الإدريسية حينها، الذين لم ولن يجادل أحد في صحة نسبهم الشريف إلى آل بيت النبي صلى الله عليه وآله، وبيعتهم والدخول تحت سلطانهم وتقوية شوكتهم، وهم الدولة المستقلة عن بني العباس مع ما يعني ذلك من ضمان الملجأ والحرية لكل من فرّ من الشرق هربا من بطش حكام الدولة العباسية.
كما أن تعرض الأمة للغزو الخارجي كان في كثير من الأحيان مرتبطا بخيانة و تعاون التجمعات الشيعية مع قوى الغزو الخارجي و يحضرنا هنا نموذج الغزو المغولي لعاصمة الخلافة الإسلامية. وقد كان يتولى قيادة تلك الخيانة والتعاون علماؤهم ووجهاؤهم الذين كانوا يحظون بمكانة مجتمعية وسياسية داخل أروقة الحكم السلطاني مثل الوزير(ابن العلقمي) والعالم الشيعي (نصير الدين الطوسي) اللذان عملا فيما بعد تحت إمرة هولاكو المغولي.
واليوم، ها نحن نرى كيف أن التاريخ يعيد نفسه من خلال الأحداث التي تجري في المنطقة العربية، خاصة في الشرق الأوسط، وبعد سقوط قناع دولة الملالي الإيرانية، نرى كيف أن قيام دولة شيعية مذهبية في العصر الحديث لم يكن في صالح خدمة قضايا الأمة الإسلامية المصيرية، كما لم يكن قيام سابقاتها في الماضي في صالح الأمة الإسلامية. بل على العكس من ذلك فإنه يمكن القول :أن إيران اليوم منخرطة بكل قوة في تنفيذ مخططات أصحاب (نظرية الفوضى الخلاقة) لأجل تفكيك وإعادة تركيب خريطة المنطقة العربية وفق النظرية “التقسيمية” المعروفة بتقسيم المقسم وتجزيء المجزئ.