هل أنت مع الحق؟
هوية بريس- د.أحمد اللويزة
منذ أن خلق الله آدم وأمر الملائكة أن تسجد له ورفض الشيطان، كانت ذلك إشارة إلى بداية صراع بين الخير والشر، وبعد ذلك وما وقع من إغواء الشيطان لآدم وخروجه من الجنة حيث أنزلهم الله إلى الارض لتبدأ رحله الصراع الحقيقي الذي كان من قدر الله عز وجل في خلق آدم عليه السلام وذريته، ومنذ ذلك الحين أعلن القرآن الكريم حقيقه هذا الصراع في قوله تعالى (قال اهبطوا منها جميعا بعضكم لبعض عدو ولكم في الارض مستقر ومتاع إلى حين).
فبدأ الصراع بين الحق والباطل ولا زال مستمرا إلى أن تقوم الساعة، الأنبياء والرسل وما جاءوا به من الرسالات السماوية والشرائع الربانية ومن آمن بهم وصدقهم وسار على دربهم واهتدى بهديهم فهو في صف الحق، وفي مقابل إبليس وذريته وأوليائه من الإنس كل هؤلاء في صف الباطل.
ومنذ أن بعث الله سيدنا نوح عليه السلام تجلت حقائق هذا الصراع، فمنذ أن دعا إلى توحيد الله عز وجل واتباع شرعه ونبذ الشرك ومظاهره حتى وجد معارضة قوية من قومه يؤزهم إبليس في ذلك أزا، ويسندهم بحججه وأدلته الواهية التي قال الله عز وجل فيها (وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) وفي قوله تعالى (وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ) وقوله تعالى (وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق)، إن إبليس وأعوانه من ملل الكفر والإلحاد والنفاق والزندقة والفسوق والفجور ودعاة الإباحية لا يملون ولا يكلون، وقد قال سبحانه وتعالى (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم وإن استطاعوا)، ولذلك تراهم لا يتركون سبيلا ولا وسيلة ولا طريقا يوصلهم إلى الغاية التي هي دحض الحق ومحاربته والقضاء عليه وعلى أهله إلا سلكوه وضحوا من أجله بالغالي والنفيس والأموال الطائلة، ومن ذلك نشر الشبهات وطرح التساؤلات والإشكالات، وأحيانا ببت الإشاعات، ومرة بإلصاق التهم الجاهزة وأخرى بالتهديد والوعيد -وهذه قصه أخرى-..
بعد هذا فالسؤال المطروح على أهل الحق أمام أهل الباطل الذين نرى جهدهم وتضحياتهم وآثارهم ونتائجهم، لكن أهل الحق الذين آمنوا بالله ورسله وكتبه وشرائعه، أين جهودهم؟ وأين عملهم؟ وأين تضحياتهم؟
قلة قليلة هي التي تناضل وتكافح وتجاهد لمواجهة سيل الباطل الجارف وأهله… بينما هناك فئة تنتسب للحق وهي الكثرة الكاثرة تتفرج على هذا الصراع ولا يهمها أن تتخندق في صف الحق وتكثر سواد المجاهدين الذين يضحون في سبيله ونصرته، كثير منهم لا يبالي ولا يعبأ بذلك، ويظن أنه غير معني بهذا الصراع، كل ما يهمه أن يصرح بإيمانه بالله ورسوله وأنه يحب الله ورسوله، ويقيم بعض الشعائر، وخاصة ما يوافق هواه أحيانا، لكنه منغمس في كثير من المحرمات ولا يبالي.
إن كل إنسان يزعم الانتساب إلى الإسلام فهو يعلن بذلك اصطفافه في صف الحق وأهله، فإما أن يخوض هذه المعركة الكونية المصيرية الحتمية ليكون أهلا لهذا الانتماء، وإما أنه يرجع القهقرى، ويعلن الحياد أو يعلن عدم قدرته على خوض هذا الصراع، إما خوفا أو جهلا أو توهما منه أن هذا الأمر يخص العلماء والدعاة فقط، وكونه من عامة المسلمين لا يهمه الأمر في شيء، ونقول لهؤلاء إما أن تقف في صف الحق فتتبناه وتعلن به وتجهر به وتناصره بأي نوع من أنواع النصرة التي تناسبك ومقامك، وإما أنك ستكون في صف الباطل لا محالة، فليس هناك منطقة رمادية ولا منطقة وسط، إما أنت مع الحق وإما أنت مع الباطل؛ لأن سكوتك وتفرجك وحيادك هو اصطفاف مع الباطل في حقيقته، فاعلم هذا وتنبه.
إن انغماس المسلم في الشهوات والملذات والمحرمات من زنا وربا وقمار ومخدرات وخمور وتبرج وسفور وعري وأغاني وموسيقى واختلاط في الشواطئ والمسابح ومجاهرته بألوان المعاصي… وغير ذلك من الموبقات التي همت وطمت وانغمس فيها المسلمون انغماسا رهيبا كل هذا يشكل دعما وسندا لأهل الباطل، وعليه يتخذون القرارات ويبنون المواقف ويجادلون به في تبرير آرائهم وأفكارهم وتصوراتهم.
إن المسلم الذي يدمن على الزنا وهو يعلم أن هناك من يريد إباحتها وتحصين ممارستها هو شريك لأهل الباطل، وكذلك الذي يشرب الخمر ويأكل الربا والتي تخرج عارية سافرة والذين يملؤون الحانات والمراقص والعلب الليلية مع وجود من يريد أن يقننها ويشرعنها، فهذه لا شك أنها أفعال الباطل، وممارستها بكل أريحية في لحظات فارقة في معركة حاسمة بين الحق والباطل هو دعم للباطل ووقوف في صفه.
فليحذر كل مسلم يعتقد أنه مسلم بينما هو جندي من جنود إبليس، وداعم رئيسي لكتيبة الباطل يمدها بالعدد ويسندها بالمدد، وهو عن ذلك غافل لا يشعر ولا يدري، وها قد بينا لك الحقيقة وبينا موقفك من معركة الحق والباطل، فتأكد مع من أنت وأين وقوفك؟ واتخذ القرار فإن كل فئة ستبعث يوم القيامة مجتمعة، قال تعالى: (يوم ندعو كل أناس بإمامهم)، فأهل الحق وأنصاره ودعاته والمنافحون عنه يبعثون مع الأنبياء رمز الحق وأئمته، وأهل الباطل الذين حاربوا الحق، والذين ناصروه بأي شكل من الأشكال، إما بفعله والدعوة إليه، أو عدم إنكاره والسكوت عنه، أو خذلان أهل الحق، كل هؤلاء إمامهم إبليس يوم القيامة ومعه يحشرون، فاختر لنفسك أي الفريقين تريد، وبه وجب الإعلام والصلاة والسلام على شفيع الورى وسيد الأنام.