هل انتهى عصر العمل 5 أيام في الأسبوع؟
هوية بريس – متابعات
تدرس كثير من دول العالم وشركاته إمكانية جعل أيام العمل 4 أيام في الأسبوع بدلًا من 5، إدراكًا منها بأن الأشخاص لا يحتاجون إلى إجبارهم على العمل من مكاتبهم 5 أيام أسبوعيا كي يكونوا فعالين ومنتجين. وخيارات العمل المرنة هذه التي بدت ذات يوم غير عملية غدت تحظى بالقبول في دول عدة.
فهل يمكن أن تكون هذه نهاية أسبوع العمل كما نعرفه منذ عشرات السنين؟
وهل العمل 4 أيام أسبوعيا يُضعف الإنتاجية أم يزيدها؟
وكيف سيؤثر ذلك على صحة الموظفين ورفاهيتهم وتحقيق التوازن بين العمل والحياة، ومنحهم وقتًا أكثر للاهتمام بأطفالهم وعائلاتهم، وممارسة هوايتهم، وتمضية وقت أكثر مع أهلهم وأصدقائهم؟
وهل سيكون لكل هذا تأثير سلبي أم إيجابي؟
هولندا وألمانيا تملكان أقصر أسابيع عمل في أوروبا، وهما مع ذلك من بين أكثر الدول إنتاجية. وعندما قامت شركة “مايكروسوفت اليابان” (Microsoft Japan) بتجربة 4 أيام عمل في الأسبوع ارتفعت الإنتاجية بنسبة 40%، وكان الجميع أيضًا أكثر سعادة.
الكاتب البريطاني ريتشارد غودوين يتناول هذا الموضوع بشكل موسع في تقرير له نشرته صحيفة “ذا غارديان” (The Gaurdian) البريطانية قبل أيام، معدّدًا فوائد العمل 4 أيام أسبوعيا، معتبرًا أن ذلك هو الحل لكل شيء بدءًا من مشكلات الإنتاجية المزمنة في بريطانيا، وأمراض الصحة العقلية المنتشرة في البلاد، وصولًا إلى قطاع الرعاية الصحية المعطل، وذلك بشرط عدم خفض الأجر.
ويرى الكاتب أن هذا النظام أفضل لكوكب الأرض أيضًا “فعندما نكون مرهقين، فإننا نقود سياراتنا أكثر، ومن ثم نزيد من تلوث البيئة، ونأكل مزيدا من الأطعمة المصنّعة، ونشتري مزيدًا من العناصر والأشياء التي يمكن التخلص منها، وكل هذا يؤثر على صحتنا وصحة كوكبنا”.
عمل أقل إنتاجية أكثر
ويشير غودوين إلى تجربة حديثة، إذ خفّضت 70 شركة بريطانية ساعات العمل بنسبة 20% من دون أي خفض في الأجور، وستُنشر نتائج هذه التجربة الشهر المقبل. ولكن في منتصف المرحلة، قالت 95% من الشركات إنها حافظت على الإنتاجية أو حسّنت إنتاجيتها، وأفادت 88% منها بأنها ستستمر بعد انتهاء التجربة.
وقال أحد المديرين الإداريين “نحن بالتأكيد نحب يومًا إضافيا خارج المكتب كي نعود منتعشين… لقد كان أمرًا رائعًا لرفاهيتنا، ونحن بالتأكيد أكثر إنتاجية الآن”.
وهناك تجارب مماثلة تحدث الآن في أسكتلندا وويلز. وفي أكتوبر الماضي، قدم نائب عمالي بريطاني مقترَحًا لتقليل الحد الأقصى لأسبوع العمل من 48 إلى 32 ساعة.
وفي هذا السياق، يقول جو رايل، أحد الناشطين في حركة 4 أيام عمل في الأسبوع، “تظهر جميع الأدلة أنك أكثر إنتاجية في 4 أيام، بدلًا من 5″، مضيفًا أن “الناس يصبحون أكثر كفاءة بشكل طبيعي، ولدينا كثير من الأدلة الآن، ونأمل أن يكون عام 2023 هو العام الذي نتجاوز فيه المراحل التجريبية، وتعميم تطبيق هذا الأمر في أرجاء البلاد”، وفق صحيفة الغارديان.
أما مجلة “فوربس” (Forbes) الاقتصادية الأميركية فتشير في تقرير لها إلى أول دراسة من نوعها في آيسلندا حيث أجريت تجربتان شملتا أكثر من 2500 موظف حكومي، يمثلون أكثر من 1% من إجمالي السكان العاملين في البلاد، انتقلوا من 40 ساعة عمل أسبوعيا إلى 35 ساعة في الأسبوع، وما وجدته الدراسة هو أن العمل ساعات أقل لا يضر بالإنتاجية، وفي الواقع كان الناس أكثر إنتاجية.
وأبلغ الموظفون عن شعورهم بتوتر أقل، وقالوا إن كلا من صحتهم ورفاهيتهم وتوازنهم بين العمل والحياة قد تحسّن تحسنا ملحوظا. كذلك أفادوا بتوفر مزيد من الوقت والطاقة للنشاطات الأخرى مثل ممارسة الرياضة والهوايات التي أهملوها طويلًا بسبب الإرهاق، ولقاء الأصدقاء، وتمكنوا من تمضية مزيد من الوقت مع عائلاتهم وأطفالهم.
وتُجرى حاليا تجارب مماثلة من شركات وأرباب عمل في أنحاء مختلفة من العالم، بما في ذلك شركات في نيوزيلندا والولايات المتحدة، كما تجرى تجارب معمقة بالأمر في إسبانيا وأيرلندا وأسكتلندا وكندا والسويد، وأعرب السياسيون في اليابان ونيوزيلندا عن دعمهم لهذا التوجه.
منصة “إم إس إن” (MSN) تناولت الموضوع ذاته من زاوية أخرى، وهو نموذج العمل الهجين الذي يطبق على نطاق واسع الآن في الولايات المتحدة ودول أخرى في العالم. ووفق هذا النظام، يعمل الموظفون 3 أيام فقط في المكتب، من الثلاثاء إلى الخميس، بينما يصبح لديهم 4 أيام حرة قد يمارسون في بعضها العمل إذا تطلب الأمر ذلك، ولكنهم عمومًا خارج المكاتب، ولديهم حرية واسعة في التنقل والسفر وممارسة أنشطة حياتهم الأخرى.
وحسب البروفيسور نيك بلوم، أستاذ الاقتصاد في جامعة ستانفورد، فإن “هذا النموذج من الجمعة إلى الاثنين خارج المكتب جذاب للغاية للموظفين الجدد، وأصبح سلاحًا رئيسًا للشركات”، مضيفًا “لا يعني ذلك أن الجميع يحصل على عطلة نهاية أسبوع لمدة 4 أيام، ولكنه يمنحهم المرونة للسفر مع الاستمرار في العمل إذا تطلب الأمر”.
ويقول بريان تشيسكي، الرئيس التنفيذي لشركة “إير بي إن بي” (Airbnb)، إن “يومي الاثنين والثلاثاء هما أسرع أيام السفر نموًّا في الأسبوع، إذ يتعامل كثير من الأشخاص مع عطلات نهاية الأسبوع العادية مثل عطلات نهاية الأسبوع الطويلة”.
وباختصار، قد يتحول أسبوع العمل المعتاد المكون من 5 أيام إلى شيء غريب، وسيُستبدل في النهاية إلى أسبوع عمل مكوّن من 3 أيام فقط، وفق ما ذكرت “إم إس إن” في تقريرها.
(عن: الجزيرة.نت)