هل تخرج العلاقات المغربية الألمانية من النفق؟
هوية بريس – عادل بنحمزة
قبل أيام، نشر موقع وزارة الخارجية الألمانية تصريحاً في شكل مقالة عن العلاقات الثنائية الألمانية المغربية، وقد حرصت الوزارة أن تتضمن المقالة مجموعة من التوضيحات التي تتعلق بمواضيع كانت في صلب الخلاف المستمر بين البلدين منذ آذار (مارس) الماضي، إذ عرفت العلاقات المغربية الألمانية منذ بداية هذه السنة أزمة حادة بلغت درجة استدعاء المغرب سفيرته في برلين، ووقف أي اتصالات بسفارة ألمانيا في الرباط، ومع مجموع المؤسسات الألمانية التي تشتغل في المغرب.
لقد كان واضحاً حجم الغضب الذي عبر عنه المغرب جراء ما أسماه حينها بالمسّ غير المقبول بالمصالح العليا للمملكة، وكان السلوك الألماني، بخاصة في مجلس الأمن نهاية سنة 2020، مؤشراً دالاً الى أن برلين بصدد إحداث تحول جذري في علاقاتها مع المغرب، تحديداً في موضوع الصحراء الذي كان موضوع طلبها عقد اجتماع مغلق لمجلس الأمن بعد الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على الصحراء.
يبدو أن صانع القرار الألماني نهاية سنة 2020 كان متأثراً بعدد من الدراسات التي نشرتها مراكز أبحاث ألمانية مرموقة، هذه الدراسات أوضحت كيف تنظر مراكز “تينك تانك” الألمانية إلى طموح المغرب الأفريقي وانزعاجها من تفوقه على محيطه في المغرب الكبير وفي غرب أفريقيا، وريادته على مستوى القارة في عدد من المجالات.
يظهر ذلك بوضوح من خلال الدراسة الألمانية التي أنجزتها الباحثة السويسرية إيزابيل فيرينفيلز، وهي زميلة أولى في قسم الشرق الأوسط وأفريقيا في Stiftung WissenschaftundPolitik (المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية) ومقره برلين، وقد صدرت في ثماني صفحات تحت عنوان “المنافسات المغاربية حول أفريقيا جنوب الصحراء: الجزائر وتونس تسعيان إلى اتّباع خطى المغرب”.
أظهرت الدراسة حجم الانزعاج من التفوق المغربي في سياسته تجاه أفريقيا ومنطقة الصحراء والساحل. غاب النفس العلمي عن الدراسة، وعوض ذلك بدت تقريراً سياسياً يجسد رؤية مسبقة، هي أقرب إلى حكم قيمة من كونها دراسة تستند إلى معطيات تبرر الخلاصات التي انتهت إليها، والتي ترتكز على “ضرورة تحجيم الدور الاستراتيجي للمغرب في غرب أفريقيا، وذلك عبر الحد من الشراكة الأوروبية المغربية لفسح المجال لكل من تونس والجزائر للحاق بالمغرب… “.
“الدراسة”، أيضاً، لم تكتفِ باستعراض واقع التنافس بين الدول المغاربية في سياستها الأفريقية، بل تحوّلت إلى ما يشبه تحريض صانع القرار الألماني على المغرب، تقول إيزابيل فيرينفيلز إن “المغرب هو الدولة المغاربية ذات السياسة الأكثر تطوراً في جنوب الصحراء، دوافع الرباط في ذلك تقوم على وجود أسواق نمو جذابة في أفريقيا، في ظل التعقيدات التي تحيط بالوصول إلى الأسواق الأوروبية، يضاف إلى ذلك واقع الجمود وضعف الاندماج الذي تعرفه منطقة المغرب العربي، وما يلعبه موضوع النزاع المفتعل في الصحراء المغربية في تعزيز دينامية المغرب على الساحة الأفريقية”.
وتخلص الباحثة بعد ذلك، ومن دون تقديم تفسيرات منطقية، إلى أن “الحضور المغربي المتصاعد يساهم في تصعيد التوترات مع الجزائر وإيقاظ الطموحات في تونس”، ولم تكتف بذلك، فقد أوصت بأن “يتعامل الاتحاد الأوروبي مع التجاذبات والاتجاهات التي تعرفها المنطقة المغاربية بأفق بناء التكامل الأفريقي والتعاون الثلاثي بين الاتحاد الأوروبي والمغرب العربي وجنوب الصحراء، وذلك لإبطال شعور الجزائر بتزايد عدم الأهمية، ومن أجل تعزيز الاقتصاد التونسي، وأساساً لوضع حد لطموحات الهيمنة المغربية في المنطقة كحل وحيد لدينامية التنافس بين البلدان الثلاثة”.
المقالة المنشورة على موقع وزارة الخارجية الألمانية قبل أيام، صدرت بعد تكذيب عممته السفارة الألمانية في الرباط عن تقرير مزعوم للمخابرات الألمانية، يعبّر عن رفض ألمانيا ظهور تركيا جديدة في شمال أفريقيا، والقصد ما يعرفه المغرب من تطور، وبخاصة الطموح المعبر عنه بالتحول إلى دولة صاعدة، والأمر يتعلق مرة أخرى بدراسة للباحثة نفسها التي تقدم نفسها متخصصة في الشؤون المغاربية، لذلك يمكن اعتبار تكذيب السفارة الألمانية استباقياً وللتبرؤ من خلاصات تلك الدراسة، وما يمكن أن تضيفه من تعقيدات للعلاقات بين البلدين، غير أن وزارة الخارجية الألمانية في إطار الإدارة الجديدة كانت أكثر وضوحاً من خلال التصريح/المقالة المنشورة على موقع وزارة الخارجية، فقد حرصت الخارجية الألمانية على تأكيد ما يأتي:
أولاً: اعتبار أن المغرب، سياسياً وثقافياً واقتصادياً، يمثل حلقة وصل بين الشمال والجنوب، فهو شريك أساسي للاتحاد الأوروبي وألمانيا في شمال أفريقيا.
ثانياً: عراقة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين والتي تعود إلى سنة 1956.
ثالثاً: الاعتراف وتقدير الإصلاحات التي عرفها المغرب على عهد الملك محمد السادس، والدور الذي يلعبه المغرب في المنطقة كعامل استقرار، بخاصة دعم عملية السلام في ليبيا، كما أن المغرب أيضاً يلعب دوراً مهماً في التنمية المستدامة.
رابعاً: التذكير بأن الموقف الألماني من قضية الصحراء لم يتغير منذ عقود، أي دعم جهود الأمم المتحدة.
ولم تكتف المقالة بهذا التذكير فقط، بل عبرت بصراحة عن دعم المبعوث الشخصي للأمين العام ستيفان دي ميستورا تحقيق نتيجة سياسية عادلة ومستدامة ومقبولة للجميع، على أساس قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 2602 (2021)، والذي كان موضوع اعتراض ورفض من الجزائر والجبهة الانفصالية، واعتبار مبادرة الحكم الذاتي المغربية مساهمة مهمة لإنهاء النزاع.
خامساً: التذكير بعمق العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، فقد احتلت ألمانيا المركز السابع في الميزان التجاري المغربي سنة 2019، وفي العام نفسه استوردت من المغرب بضائع بقيمة 1.4 مليار يورو، وصدّرت ما قيمته 2.2 مليار يورو.
سادساً: التذكير بحجم الاستثمارات الألمانية في المغرب، حيث تم إنشاء ما يقرب من 300 شركة برأسمال ألماني، كما مثل السياح الألمان نسبة 6 في المئة من مجموع السياح الذين توافدوا الى المغرب سنة 2019.
سابعاً: التذكير بحجم الدعم والتعاون الثقافي بين البلدين.
هذه المضامين تشكل تحولاً في مقاربة الإدارة الألمانية الجديدة للعلاقة مع المغرب، فهل يمكن اعتبار ذلك مقدمة لفتح صفحة جديدة بين البلدين؟ أم أن تعقيدات العلاقات الثنائية قد لا تسعف مقالة على تجاوزها، رغم الترحيب الرسمي المغربي باستئناف العلاقات الطبيعية بين البلدين…؟