هل تزودنا من رمضان بما يعيننا على الخروج من تداعيات جائحة كورونا النفسية؟
هوية بريس – بدر الدين الحميدي
بسم الله الرحمان الرحيم، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله صلى الله عليه وعلى وآله وصحبه وسلم تسليما.
لا شك أن الحجر الصحي المطبق في المغرب باعتباره واحدا من أنجع التدابير لمواجهة تفشي وباء كوفيد-19 ستكون له تداعيات نفسية متفاوتة الأثر على نفوس الأسر المغربية بمختلف عناصرها ومكوناتها جراء الرهاب والقلقمن المستقبل. فعالم ما بعد كورونا ستتغير ملامحه الاجتماعية وستتبدل معالمه الاقتصادية، الشيء الذي يزيد من حدة القلق لدى المواطنين. فخلال الحجر الصحي، ظهرت آثار سلبية نفسية متعددة أدت إلى تأزيم الوضع الاجتماعي والضغط النفسي، مما جعل الأمن الأسري يهتز على وقع الجائحة. بالإضافة إلى هذه التوقعات حول مستقبل العالم اجتماعيا واقتصاديا، وأخلاقيا، ومعرفيا، فإن هناك من يلوّح في الأفق باستمرار موجات تفشي فيروس كوفيد-19 القاتلفي ظل عدم وجود لقاح فعال، خاصة وأن المختبرات حول العالم ما زالت تتسابق وتسابق الزمن لإيجاده.
وبما أن رمضان هو شهر التزود بالقيم الإسلامية الأصيلة من التقوى والصبر والإنفاق في سبيل الله التي تحقق الطمأنينة والسكينة والتآزر والتكافل الاجتماعي نتيجة التعلق بالله والارتباط بمنهجه سبحانه وتعالى الذي بينته الشريعة الإسلامية قرآنا وسنة وآثارا، فإنه يحق لكل مسلم ومسلمة طرح سؤال تقويمي على نفسه يتمثل في مدى قدرته على استثمار القيم الشرعية المستخلصة من أحكام وفقه شهر رمضان المعظم في حياته المستقبلية لتجاوز الآثار السلبية التي خلفتها نتائج الجائحة العالمية التي خلفت رهابا عجيبا في نفوس البشرية.
سؤال يجد مشروعيته في الطرح والمناقشة بعد قضاء المسلم والمسلمة معظم أيام شهر رمضان، شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار والتدبر في كتاب الله تعالى والتأمل في الكون وما يجري فيه من مظاهر الرحمة والعظمة الإلهية. فالمسلم(ة) مطلوب منه أن يتأمل في مجريات الأحداث والمصائب التي تنزل به أو بالآخرين من حوله في العالم لأخذ العبرة والاتعاظ وللانخراط بفعالية في البحث عن الحلول المناسبة لنوازل الدهر وصروفه الثقيلة على البشرية والمخيفة للإنسانية.
وأعظم قيمة يمكن أن تساعد على الخروج من الآثار السلبية ذات الأبعاد النفسية العميقة لجائحة كورونا المستجد والتي جاء الصيام لتركيزها وتثبيتها في نفوس الصائمين هي قيمة التقوى، قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” (183).
فالتقوى أسمى مرتبة يحصل عليها الصائم(ة) نتيجة التمرن الكثيف على مدار شهر كامل على سلوك قلبي تظهر آثاره على الجوارح، والذي يدعى مراقبة الله تعالى. هذه المحاسبة الداخلية التي يٌخضع العبد نفسه لها على مدار الوقت تعتبر المدخل الأساس لتزكية النفس وتطهيرها من الأدران والأوساخ المعنوية التي تًحدث أزمات نفسية التي قد تدفع النفس البشرية إلى الهلاك المنهي عنه في الشريعة الغراء، قال تعالى: “ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا” البقرة: 194.
والمتأمل الناظر في آية الصيام تستوقفه الجملةالقرآنية العظيمة التالية “لعلكم تتقون” التي تفيد فيماتفيده تهيئة وإعداد الصائمين لمراقبة الله تعالى ومحاسبةأنفسهم قبل أن يحاسبوا. ثم إن هذ المراقبة –كما يرى –الإمام ابن كثير هي التي وردت الإشارة إليها في قوله تعالى “ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون“. وفي هذا الإطار، علّق صاحب تفسير المنار على هذه الجملة القرآنية الكريمةبقوله: “هذا تعليل لكتابة –فرضية– الصيام ببيان فائدتهالكبرى وحكمته العليا، وهو أنه يعدّ نفس الصائم لتقوى الله.ففي هذه الآية من سورة البقرة يعلن الله تعالى للمؤمنينالصائمين عن الغاية المثلى والمقصد الأمثل من صيام شهررمضان المتمثلة في التقوى لتحفيزهم على هذه العبادة العظيمة التي ترقى بالعبد إلى مقام تحقيق العبودية الكاملة لله تعالى؛ لأن التقوى هي تلك الوسيلة الإيمانية التي تقيالعبد من الارتباك في المعصية والوقوع في مخالفة الشريعةالغراء. فالتقوى –كما يحدد علماء الشريعة مفهومهاومدلولها–هي امتثال الأوامر الإلهية واجتناب أضدادها فيالظاهر والباطن وهذا هو روح مراقبة الله. فهذه المراقبة–كمايشرح صاحب تفسير المنار– “تؤهل النفوس لسعادة الآخرةكما تؤهلها لسعادة الدنيا.”
فتحقيق مقام التقوى والاندراج في سلك المتقين منخلال عبادة الصيام لهو الفوز المبين الذي يحقق سعادة الدارين. فالوصول إلى هذه المنزلة العظيمة من التعبد هو في حد ذاته نجاح وانتصار على نزعات النفس الأمارة بالسوء والداعية إلى مخالفة المقتضيات الشرعية والقانونية، وخاصة تلكم المقتضيات التي جاء بها المرسوم رقم2.20.293 الصادر في 23 مارس 2020 المتعلق بفرض حالة الطوارئ الصحية بمجموع التراب الوطني حفظا للصحة العامة في هذا الوطن العزيز لمنع تفشي وباء كوفيد-19. فمن مقتضيات التقوى -أقول- الاهتمام بالآخرين وعدم تعريض حياتهم للخطر؛ وذلك بعدم الخروج على مقتضيات المرسوم المشار إليه آنفا والتزام التدابير الوقائية التي يبقى أهمها الالتزام بالحجر الصحي والتقيد بالتباعد الاجتماعي -كما يؤكد على ذلك خبر الصحة في العالم-الذي ينظر إليه البعض -للأسف الشديد- نظرة سلبية على أنه حبس وسلب لحرية التنقل المكفولة في الدساتير الوطنية والمواثيق الدلية. هذا التفكير السلبي يدفع هؤلاء إلى إقناع أنفسهم بعدم خطورة الوباء ومن ثم خرق حالة الطوارئ الصحية الشيء الذي يطيل مدة الحجر ويتسبب في مزيد من الاحتقان وتعميق الأزمة النفسية لدى الأسر الملتزمة بالحجر، وخاصة الأطفال.
ثم إن التقوى تشكل تلكم الجرعة الناجعة لتهدئة النفوس البشرية وجعلها مطمئنة هادئة مؤمنة بقضاء الله وقدره وهي تقضي الحجر الصحي في احترام تام لحالة الطوارئ الصحية. وتزداد النفس اطمئنانا بالاطلاع على ما وعد الله تعالى المتقين من عباده بتحقيق عدد لا يحصى من البشارات المتعلقة بالمستقبل الحقيقي للنفس البشرية المتمثل في الحياة الأخروية. قال تعالى وإن تومنوا وتتقوا يوتكم أجوركم” (سورة محمد/36) وقال تعالى: “ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب” (سورةالطلاق/2) وقال جل من قائل: “ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا” (سورة الطلاق/4). بهذه البشارات الربانية المرتبطة بمستقبل النفوس البشرية تجعلها مستأنسة بمستقبلها غير متوجسة منه لكونه يعدها بنعيم دائم.وقياسا للشاهد على الغائب، وبهذه النفوس الطيبة المفعمة بإيجابيات التقوى والتعلق بالله الراضية بقضاء الله وقدره يمكن للأسر المغربية أن تتجاوز الرهاب الذي خلفه داء كورونا المستجد في النفوس البشرية حول مستقبلهم الدنيوي الناتج عن الخوف من فقدان الشغل، أو عدم القدرة على تحصيل القوت اليومي، أو فقدان عزيز وغير ذلك من التخوفات التي تخالج نفوس المواطنين. هؤلاء -للأسف- يجهلون أنهم بخرقهم للتدابير الوقائية والاحترازية من الإصابة بالفيروس يسهمون في تأخير التعافي للاقتصاد الوطني ويدفعونه بكل قوة نحو سكتة قلبية لا قدر الله. كما أنهم يجهلون بسلوكهم هذا أنهم يتسببون في الهدر الاقتصادي ويضيعون على الناس احتفاظهم بمناصبهم ويفوّتون على آخرين فرصا كثيرة للشغل.
وبما أن الاستجابة لأحكام الشريعة تعتبر المعيار الحقيقي لإخلاص العبد في تقواه، فإنه يمكن القول بأن الالتزام بتدابير الوقاية واحترازات الحماية من الإصابة بفيروس كوفيد-19 Covid- ليعد القول الفصل في استثمار الصائم(ة) القيم الشرعية المستفادة من صيام شهر رمضان، قال تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَرَسُولِ اللَّهِ أولئك الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ ۚ لَهُم مَّغْفِرَةٌوَأَجْرٌ عَظِيمٌ“ (الحجرات/3). انطلاقا من هذه الآية الكريمة الواردة في سياق جملة من الآداب الإسلامية الراقية الواجب التحلي بها بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، نفهم أن المتقي هي الذي يستجيب لأحكام الله تعالى. ومن هذا القبيل الاستجابة للأحكام القانونية الواردة في المرسوم المنظم لحالة الطوارئ الصحية التي تهدف إلى حفظ الصحة العامة التي تعد المركز الأساس والقلب النابض للتعافي الاجتماعي والإقلاع الاقتصادي في أسرع وقت ممكن. ينبغي أن نعيش على هذا البصيص من الأمل بالرغم من إجماع خبراء الاقتصاد وعلماء الاجتماع وعلماء النفس وغيرهم من مختلف المشارب والثقافات على أنه يعد من الوهم البين الاعتقاد بأن العالم سيعود بعد انطفاء وتلاشيهذا الوباء إلى حالته الأصلية ما قبل الجائحة؛ بل عالم ما بعد الوباء ستحكمه تداعيات رهاب أو ما أصبح يصطلح عليه بين علماء النفس بالعولمة الرهابية أو الفوبية.
ومن القيم المساعدة على مواجهة تداعيات كورونا المستجد والخروج منها بأقل الأضرار النفسية التي قد تكون مدمرة لحياة الفرد والجماعة قيمة الصبر التي يجعلها الصيام مركوزة في نفوس الصائمين؛ إذ لا يمكن للصائم أن يتغلب على شهواته الذاتية التي ولد بها من حب الأكل والشرب والجماع إلا بالصبر في مغالبة شهواته. وارتباطا بتداعيات الجائحة يمكن للشخص أن يقاوم من خلال الاستثمار الجيد لهذه القيمة ألا يستسلم للقلق والرهاب الجماعي لتفادي الوقوع في نوبات الذعر والهلع التي قد تؤدي إلى الإحباط جراء انقباض النفس وانعدام الرؤية حول المستقبل. فبالصبر يمكن أن يشكل أول محطة من استراتيجيات مواجهة ومقاومة الفيروس؛ وذلك أنه يعتبر دعما نفسيا ذاتيا يمارسه الشخص مع نفسه سواء في حالة الإصابة أو عدمها؛ لأن الدعم النفسي من قبل المختصين ليس متاحا بالشكل الذي يغطي قاعدة واسعة من الناس.
والصبر المقصود في هذا المقام هو الصبر على البلاء؛ إذ هو من أعظم الوسائل الإيمانية في شرعنا الحنيف لمواجهة المصائب والمشكلات والنوازل. قال تعالى: “ليس أن تولوا أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيئين وآتى المال على حبه ذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون.“ البقرة: 176. وقال جل من قائل: ” وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون” (البقرة: ). ولقد ارتبطت قيمة الصبر بمحن الأنبياء العسيرة ومدحهم الله تعالى في مواجهتهم لها بالصبر على البلاء، وقصة سيدنا يعقوب وصبره على محنة فقدان ولده الحبيب نموذج من هذه النماذج الرائعة التي ذكرها القرآن الكريم للاقتداء بهم في كيفية مواجهة الصعاب والمحن، وخاصة في زمن كورونا المستجد.
ومن القيم الإيجابية التي ينبغي استثمارها بصورة جيدة خلال الحجر الصحي الذي يقر خبراء علم النفس بأنله انعكاسات سلبية على الاستقرار النفسي للفرد والجماعة قيمة التكافل والتضامن الاجتماعي المأمور به شرعا. لقد وردت نصوص كثيرة في الشريعة تحث على البذل والعطاء ومد المساعدات للمحتاجين إليها، وخاصة المساعدات المادية منها. من ذلك قوله تعالى: “مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِيسَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُحَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ“ (البقرة: 261.) ولقد أعطى الرسول صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة في البذل والجود على المحتاجين، ففي الصحيحين عن ابنعبَّاس – رضي الله عنهما – قال: “كان النبيُّ – صلَّى اللهعليه وسلَّم – أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكونُ في رمضانحين يَلْقاه جبريل، فلَرَسولُ اللهِ – صلَّى الله عليه وسلَّم – حينَيَلْقاه جبريلُ أجوَد بالخير من الرِّيح المرسَلة“.
وفي سياق التضامن الاجتماعي الفعّال في هذه الأزمة الصحية والنفسية والاقتصادية والاجتماعية، يمكن دفع زكاة الفطر لصندوق جائحة كورونا ليستفيد من عائداته الفقراء والمعوزون والطبقات الهاشة في هذا البلد العزيز، كما يمكن أن تستغل في تزويد المستشفيات بمزيد من المعدات الطبية لمواجهة انتشار الفيروس القاتل. فمن خلال جمع هذه الزكوات ووضعها في الحساب المخصص للصندوق، يمكن توفير مبالغ مالية هامة تكون قادرة على حل كثير من المشكلات والنتائج الوخيمة للجائحة. ولست أدري لماذا لم يفكر المسؤولون في استثمار هذه الوسيلة المالية الهامة لضمان انطلاقة جديدة وتعاف اقتصادي قد يطمئن النفوس التي انتابتها نوبات من الخوف الشديد والقلق المرضي حول مستقبلها المهني والمعاشي.
بهذا الإجراء التضامني إضافة إلى المبادرة الملكية الاستعجالية المتمثلة في إنشاء صندوق تدبير جائحة كورونا المستجد والذي تفضل جلالته بأول تبرع لصاح الصندوق، مما أعطى القدوة الحسنة للمغاربة في التبرع والتضامن مع إخوانهم المتضررين بشكل مباشر من الجائحة وتزويد المستشفيات بالمعدات الطبية الوقائية والعلاجية من الأدوية والأسرة المجهزة بأجهزة التنفس. ولقد خلفت هذه المبادرة وما تلتها من مبادرات إحسانية إن من قبل الأفراد أو من قبل المجتمع المدني ارتياحا نفسيا كبيرا في الوسط المغربي. وقياسا على ذلك، لو استمرت المبادرات الإحسانية الضخمة بحجم زكاة الفطر، لازداد تراجع القلق والخوف الرهابي من تداعيات الجائحة؛ لأنه أصبح من المسلّم به بين الخبراء في المجال الاقتصادي والاجتماعي والنفسي والسياسي والتربوي أن عالم ما بعد كورونا سيعرف ميلادا جديدا بملامح جديدة ومعطيات جديدة على العالم أن يهيئ نفسه ليستقبلها تنعكس على أسلوب تدبير الحياة المعيشية للإنسان المتمثل في الاقتصار على الأساسيات الضرورية والتخلي عن التلذذ بتبذير الأموال في تحقيق الكماليات والرفاهية الزائدة المتوحشة.
ومن القيم المساعدة على مواجهة تداعيات الجائحة النفسية بطريقة إيجابية قيمة تنظيم الوقت وضبطه؛ بحيث إن زمن الصيام محدد ومؤقت بزمن مضبوط في الشرع الإسلامي لا يمكن أن يزاد فيه أو ينقص منه لكونه توقيفيا لا توفيقيا، قال تعالى: “وكلوا واشربوا حتى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل” (سورة البقرة/ جزء من آية 86). انطلاقا من قيمة ضبط الوقت، فإن إعادة توزيع الجدول الزمني اليومي وترتيبه بشكل محكم وتنويع الأنشطة فيه من الرياضية والاعتناء بالذات والتواصل مع الآخرين ومساعدة الأبناء على التحصيل الدراسي والمحافظة على الأنشطة الدينية يساعد على تجاوز الاضطرابات النفسية جراء الحجر الصحي حجر في الأماكن المغلقة التي تؤدي إلى اضطرابات في النوم والمزاج، والتي من بين نتائجها السلبية على الأسرة العنف الزوجي الذي سجلت حوادث كثيرة مرتبطة بهذا السلوك الاضطرابي الحاد. فتنظيم الوقت وتوضيح الرؤية تنقص معه بشكل كبير الاضطرابات النفسية حسب علماء النفس.
وانطلاقا من قيمة ضبط الوقت ووضوح الرؤية، فإن الفرد يكون قادرا على السيطرة على انفعالاته ومخاوفه جراء الاهتمام بمستقبل حياته. غير أن التركيز على المستقبل وما يرتبط به من طموحات لا ينصح خبراء علم النفس بالتركيز عليه؛ بل ينصحون الناس بتركيز تفكيرهم على الحاضر.وذلك أن التفكير في الحاضر يدفع النفس البشرية إلى التركيز على الجوانب الإيجابية والمشرقة من الحياة؛ ومن ثم يستطيع الشخص الذي يعيش في الأزمات أن يبتعد عن المشاعر المدمرة والأفكار الجارفة إلى المخاطر والوقوع في المهالك.
وختاما، فإنه من المفيد القول بأنه لا يمكن عودة حياة الإنسان على هذا الكوكب إلى سالف عهدها ما قبل الجائحة الكونية كوفيد-19Covid– دون تظافر جهود الجميعوالتعاون والتآزر بين بني البشر بغض النظر عن مستوى الغنى أو الفقر أو الجنس أو العلم أو الجاه أو السلطة.فالبشر ما بعد الجائحة أصبح مطالبا بالعيش معا والتعلم معا ومواجهة تداعيات الأوبئة والكوارث في نبذ تام للأنانية التي تحطمت معالمها على الصخرة الصلبة للجائحةالعالمية السريعة الانتشار والوخيمة العواقب والدمار. فهي فرصة ليعيد الإنسان التفكير في نفسه وفي نمط حياته وفي علاقته مع الآخرين؛ لأن الإيمان أصبح راسخا بأن كل شروط العيش المألوف بعد الجائحة ستتغير وتتأثر بتداعيات الجائحة ونتائجها الوخيمة. ووعيا من الجميع بخطورة الوضع والأثر الذي أحدته الجائحة، انخرط الجميع في مواجهة الجائحة ملكا وشعبا بمؤسساته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والقانونية، حيث إن الحكومة المغربية أصدرت مرسوما دبرت به هذه المرحلة العصيبة والمفصلية من حياة الأمة المغربية، والتي كان وما زال مطلوبا بالتجاوب الإيجابي مع هذه المنظومة القانونية حتى تقل الخسائر والنتائج الوخيمة للجائحة. ومن هذه المؤسسات التي تفاعلت بصورة إيجابية مع المنظومة القانونية المؤسسة الدينية التي يرأسها أمير المؤمنين التي أصدرت جملة من الفتاوى الهامة، مراعية مقاصد الشريعة وكلياتها العظيمةالتي تكفل حياة الناس وتستجيب للظروف الراهنة. ومن هذه المقاصد التي بنى المجلس العلمي الأعلى الفتاوى الشرعية التي أصدرتها لجنة الإفتاء بهذه المؤسسة بإحالة الاستفسار من أمير المؤمنين عليها مقصد حفظ النفس. فضمانا لعدم انشار العدوى بين الناس، أفتى المجلس بإغلاق المساجد خلال فترة الحجر الصحي؛ ومن ثم إقامة الصلوات الخمس وصلاة الجمعة، وصلاة التراويح، وصلاة العيد في البيوتحتى لا تنتقل العدوى بين المصلين. وسيرا على هذا نهج المؤسسات واستجابة لمقتضيات الدين والقانون، ينبغي أن يلتزم الناس بالحجر الصحي حرصا على حياتهم وحياة الآخرين الذي هو مظهر من مظاهر التقوى. كما علينا أن نواجه البلاء إن أصيب الإنسان أو أحد من أقاربه بالصبر الذي تحلى به الأنبياء والمرسلون في تجاوز محنهم. كما علينا أن تكثف الجهود ونعمل بصورة جماعية للتخفيف من حدة تداعيات الوباء المدمرة للنفوس البشرية؛ وذلكبالتضامن والانخراط في البحث العلمي الجاد عن الحلول للأزمة كل من موقعه وحسب استطاعته والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.