هل تصوم المرأة الأيام الست من شوال أم تقدم ما عليها من صيام واجب كقضاء أيام من رمضان؟
هوية بريس – د. رشيد بنكيران
بداية، لم يختلف العلماء في أن الاشتغال بقضاء ما يجب على المكلف أو المرأة من صوم هو الأفضل لها، لأن الاشتغال بما يبرئ ذمتها هو الأولى وهو الأحوط للمكلف، فدَيْن الله أحق أن يقضى.
ولكن، إذا أرادت المرأة أن تصوم تطوعا ومنه ستا من شوال قبل قضاء ما عليها من صوم رمضان فهل يجوز لها ذلك ؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
هناك من منع مطلقا، وهو مذهب الحنابلة، واستندوا على حديث موقوف على أبي بكر الصديق رضي الله عنه: “إنَّ الله لا يقبل تطوعًا، حتّى تؤدى فريضته”.
وهناك من قال بالجواز، وهو مذهب جمهور العلماء (الأحناف، والمالكية، والشافعية)، ويشهد لصواب هذا القول أمور:
ـ القياس: فقاسوا صيام التطوع قبل قضاء الواجب منه على مشروعية صلاة التطوع قبل صلاة الفرض في وقتها.
ـ قضاء دين رمضان واجب موسع: لم يوقت الشرع لقضاء ما على المكلف أو المرأة من صيام رمضان وقتا معينا، فهو من الواجب الموسع ما لم يصله برمضان مقبل.
ـ دلالة فعل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: ففي الصحيحين أنها قَالَتْ: “كانَ يَكُونُ عَلَيَّ الْصَّوْمُ في رَمَضَان فَمَا أسْتَطِيعُ أَنْ أقْضِيَ إلا في شَعْبَانَ”.
ووجه الشاهد من هذا الحديث أنه يبعد جدا أن تكون أم المؤمنين عائشة عائشة رضي الله عنها لا تصوم صيام التطوع طيلة السنة؛ لا صيام يوم عرفة، ولا صيام يوم عاشوراء، ولا صيام أيام البيض، ولا صيام الاثنين والخميس، فيبعد هذا كثيرا.
وإذا صامت فلا يمكن أن يكون ذلك إلا بعلم النبي عليه الصلاة والسلام وإذنه، فهو الرسول والزوج عليه الصلاة والسلام، ولو كان صيامها تطوعا قبل قضاء الدين من رمضان خطأ لن يقرها على ذلك.
وبناء عليه، فقد دل فعلها على جواز تأخير قضاء رمضان والاشتغال بصوم التطوع لمن رغبت في ذلك.
ـ رفع الحرج والمشقة، ذلك: أن إلزام المرأة أن تصوم ما عليها من دين رمضان أولا ثم تصوم ستا من شوال فيه حرج عليها ومشقة بدنية، وإذا كانت متزوجة قد يتضرر زوجها، فالقول بهذا الإلزام يؤول في الغالب إلى حرمانها من فضل صيام ست من شوال.
فلهذه الأمور الآنفة الذكر، القول بمشروعية وجواز صيام ست من شوال قبل قضاء دين رمضان هو الأرجح والمناسب للأدلة الشرعية ومقاصدها.
#يبقى_جواب_لسؤال_وارد:
من صام الستة الأيام من شوال، ولا يزال عليه قضاء من رمضان هل يفوز بثواب صيام تلك الأيام الست؟
لنتأمل الحديث أولا :
يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- : « مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ ».
ظاهر الحديث النبوي الشريف أن من عليه قضاء من رمضان، وصام ستا من شوال، أنه لم يكمل بعدُ صيام رمضان، والحديث فيه مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا… ، فالقول بالفوز بالثواب والحالة هذه محل نظر واجتهاد.
والأنسب أن يقال للمرأة ولمن يشبه حالتها إن الفوز بالثواب معلق بإتمام صيام ما بقي من رمضان، حتى لا تتكاسل المرأة في أن تقضي ما عليها من دَين رمضان في أقرب فرصة ممكنة، وأن يكون هذا القول محفزا لها للمبادرة لقضاء ما عليها من رمضان. والله أعلم.
بالمناسبة: #الإمام_مالك_وصيام_ست_من_شوال_في_خاصة_نفسه
ذكر أبو عبد الله القرطبي رحمه الله (ت: 671هـ) في كتابه الجامع لأحكام القرآن المشهور بتفسير القرطبي:
“واختلف في صيام هذه الأيام [أي الست من شوال]، فكرهها مالك في موطئه خوفا أن يلحق أهل الجهالة برمضان ما ليس منه، وقد وقع ما خافه حتى إنه كان في بعض بلاد خراسان يقومون لسحورها على عادتهم في رمضان. وروى مطرف عن مالك أنه كان يصومها في خاصة نفسه”اهـ (2/ 331ـ 332)
قلت: ما كان يخشى منه الإمام مالك رحمه الله قد انتفى الآن في عصرنا هذا؛ لعلم عموم الناس على وجه يكاد يكون ضروريا أن الست من شوال ليست من رمضان.
ولهذا فمقتضى التعليل المذهبي أن ترتفع الكراهة التي ارتبطت بواقع معين ويحل محلها القول بالاستحباب والترغيب في صيام ست من شوال كما هو نص الحديث. والله أعلم.