هل تعرف ما هي مغالطة “السبب الزائف” (False Cause)؟

هوية بريس – ياسين عيسو
تخيّل أنك تلوم صفارة الإنذار الصاخبة على اندلاع الحريق، وتسكُت تماماً عمَّن أشعل عود الثقاب. أو أن تَمتعِض من مرارة طعم الدواء، متناسياً أنه جاء ليُعالج ألمَ مرضٍ أشد مرارة.
هذه باختصار هي حيلة “السبب الزائف”؛ عدسة مقلوبة ترى بها العالم، فتختلط عليك النتائج بالأسباب، ويُصبح رد الفعل هو الجريمة، والفعل الأصلي مجرد تفاصيل ثانوية، أو “هامش” صغير أسفل الصفحة!
هذه المغالطة ليست مجرد مغالطة عقلية في كتب المنطق، بل هي من الأسلحة الأكثر استخداماً اليوم في الحرب على الوعي، وتتجلى بأبشع صورها في الخطاب الدائر حول أرض العِزّة.
تُقدّم لك هذه السردية المسمومة المشهد من منتصفه، فتُريك الصاروخ الذي انطلق مِن غزة، وتُخفي عنك عقوداً من الاحتلال والحصار والقتل والتجويع سبقته.
تُصوّر لك المقاومة كأنها هي مَن بدأت القصة، وأن الدمار الذي يحل بالقطاع هو الثمن الطبيعي لعمليتها، متجاهلةً أن هذه المقاومة لم تولد مِن فراغ، بل هي الصرخة الحتمية لجسد أنهكه الظلم.
وفقاً لهذا المنطق الأعوج، فإن على المظلوم أن يصمت حتى لا يزعج جلاده، وعلى الأسير أن يُحب قيوده حتى لا يُغضب سجّانه.
فتتعالى أصوات نشاز، تطالب المقاومة بتسليم سلاحها وأسراها، وكأنها بذلك تعالج المرض، بينما هي في الحقيقة تطلب مِن المريض أن يتوقف عن التنفس ليسود الهدوء!
والأدهى من ذلك والأمرّ، أن تصدر هذه الدعوات ممّن يُفترض بهم أن يكونوا سنداً وعوناً. أصوات لا تكتفي بالصمت المخزي، بل تتطوع لتكون خنجراً في ظهر المقاومة، وتردد ببغائية ما يمليه عليها أسيادها، طمعاً في رضاهم أو خوفاً مِن سخطهم.
فليقلبوا الحقائق كما يشاؤون، وليُدَلّسوا وليُلبّسوا قدرما يستطيعون،
إذ هم يمكُرون، ويمكُر الله، والله خير الماكرين؛
وإلى الله المشتكى، وعند الله تجتمع الخصوم..



