هل تعلم من هو مخترع المدرسة؟
هوية بريس – صلاح الدين بنوري
“كان هوراس معلمًا ورئيسًا لكلية أنطاكيا في منطقة “يلو سبرنجس” في أوهايو، وقام باختراع فكرة المدرسة المتكاملة النظام في عام 1837م، قام بتطوير أول نظام مدرسي حقيقي في ليكسينغتون – ماساشوستس…”.
انتظر انتظر..
هذه هي نتيجة البحث عن عبارة “مخترع المدرسة” بواسطة محركات البحث المعروفة على الانترنت، وهي احدى اكبر المغالطات المنتشرة ليس فقط بين صفوف العامة، بل بين صفوف المثقفين ايضا، والتي تربط تاريخ العالم بالغرب والحضارة الغربية، محافظة على نفس النهج في التأريخ بالانطلاق من الحضارة اليونانية التي اكتشف فيها الانسان العقل ق 4 ق م -كأن الانسان قبل اليونان لم يكن له عقل- والحضارية الرومانية ثم فراغ ثم عصر الانوار والنهضة والثورة الفرنسية… مجاوزة حقبة زمنية فاصلة في تاريخ البشرية، ومنعطفا كبيرا تمثل في الحضارة الاسلامية، وكأن هناك من يريدنا أن نشعر بأن الاستعمار-الاستخراب- كان له فضل على الدول الاسلامية، وأن له حسنات وايجابيات.
عود على بدء، لا أحتاج لكي اثبت أن ابناء وبنات المسلمين عرفوا المدارس وولجوها قبل التواريخ التي يتحدثون عنها، لا أحتاج إلى كثير ادلة وبراهين، بل يكفيني ان اسرد بعض النقولات عن أحد الشهود من ابناء الحضرة الغربية الذين كتبوا عن حضارة الاسلام، ووفقوا الى الانصاف في ذلك الى حد ما. واخترت لهذا الغرض المستشرقة الالمانية زيغريد هونيكا صاحبة كتاب ” شمس العرب تسطع على الغرب: أثر الحضارة العربية في اوربة“، التي عقد لهذا الموضوع فصلا من كتابها تحت عنوان: ” شعب يذهب الى المدرسة” ص:393.
افتتحت المستشرقة هذا الفصل بالتأكيد مرة أخرى على الهوة العميقة بين الشرق والغرب، لكن هذه المرة على المستوى العلمي. قالت:” كفانا ان نعرف ان نسبة 95 في المائة من سكان الغرب في القرون: التاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر كانوا لا يستطيعون القراءة و الكتابة” ص:393.
ولقد تعمدت ان انقل عن هذه المستشرقة الالمانية حتى لا يتهم الكلام بالتعصب والبعد عن الانصاف والموضوعية، ثم قالت بعد وصف طويل لحال الجهل والامية التي ضربت اطنابها في الغرب حتى على صعيد رجال الدين والكنيسة: “بينما كان هذا كله يحدث في الغرب، كانت آلاف مؤلفة من المدارس في القرى والمدن تستقبل ملايين البنين والبنات” ص:393.
ثم أفاضت الكاتبة في التنويه باهتمام المسلمين بالتعليم، واعتبارهم له واجبا تقوم الدولة برعايته وتوفيره للأطفال من مختلف الطبقات، إما بمبالغ ضئيلة يستطيع الناس دفعها في بعض المناطق، أو مجانا في مناطق أخرى. ولم يقتصر هذا الاهتمام على التعليم الاولي فقط، بل تعداه الى التعليم العالي كما أشارت الكاتبة بقولها: “وهكذا وجدت الدولة نفسها مضطرة… فأنشئت المدارس العليا في كافة انحاء المدن الكبيرة… وكان الطلبة يتناولون طعامهم مجانا، بل ويتقاضون مرتبا صغيرا ويسكنون الادوار العليا في المدرسة” ص:394.
ولم تكن هذه المدارس تقتصر على تعليم القران الكريم والعلم الشرعي فقط، بل كانت منفتحة على جميع علوم الزمان، وكانت تستضيف أساتذة زائرين من كل التخصصات والفنون، “يجوبون العالم الاسلامي من سواحل قزوين الى سواحل الاطلسي، ومنهم المؤرخون والجغرافيون ومنهم علماء الحيوان والنبات والباحثون عن تراث الادب القديم” ص:397.
ولقد كانت المدارس منتشرة في العالم الاسلامي بشكل باد للعيان، فقد افتتحت في قرطبة لوحدها سنة 965 م سبعا وعشرين مدرسة جديدة اضافة الى المدارس الثمانية التي كانت فيها من قبل. كما انشا الوزير نظام الملك الذي وزر لألب أرسلان وملكشاه في دولة السلاجقة، العديد من المدارس لم تخل منها مدينة أو قرية، سميت هذه المدارس بالمدارس النظامية نسبة لنظام الملك.
فينبغي ألا ينجرف الفضلاء وراء هذا التعتيم والتشويه والطمس للحقائق التاريخية، فلست أبالغ إن قلت إن وراء كل إنجاز غربي أثر وبصمة للحضارة الإسلامية.
مـلـكـنـا هـذه الدنـيـا قـرونـا***وأخضعها جـدود خـالـدون
وسطرنا صحائف من ضياء***فما نسي الزمان وما نسينا
ربما يكون ما تفضلت به صحيحا. لكن الامر ليس بمن اخترع المدرسة او من الذي بدأ بتعليم القراءة والكتابة. المشكلة هي في من الذي استفاد من العلوم واستخدمها ومن الذي طور حياته ولم يشغل نفسه بالتناحر فيما بينه وبين ابناء جلدته. من الذي تطور وتقدم وجعل من العلوم ذا فائدة عظيمة للبشرية جميعا.