هل تنجح القمة العربية في الجزائر؟
هوية بريس – بلال التليدي
ثمة ديناميات مكثفة تجري في الآونة الأخيرة لتيسر شروط نجاح القمة العربية بالجزائر، فالجزائر تسعى جاهدة لتحقيق هذا الهدف، وعدد من الدول العربية، التي يشوب علاقتها مع الجزائر بعض التوتر أو الخلاف، تسعى إلى الضغط من أجل دفع الجزائر إلى العدول عن بعض المواقف.
الملف الأول، المرتبط بحضور سوريا، والتي كانت الجزائر تبشر بأن القمة ستكون قمة جمع الشمل وعودة دمشق إلى حاضنتها العربية، يبدو أن الجزائر، قدمت تنازلا كبيرا بشأنه، فقد وجدت نفسها أمام حائط عربي سميك، يضع حضور دمشق في كفة، وعدم انعقاد القمة في كفة ثانية، مما دفع دبلوماسيتها إلى التنسيق مع الديبلوماسية السورية، لتسوية هذا المشكل، وذلك، بإخراج موقف من دمشق بعدم المشاركة للقمة العربية، والتعليق عليه من قبل وزير الخارجية الجزائري بأنه موقف شجاع، ويعكس فهم دمشق للواقع (أي واقع تعذر انعقاد القمة بحضورها).
في اجتماع وزراء الخارجية العرب بالقاهرة، ثار خلاف قوي كاد يعصف بكافة الجهود التي بذلت من أجل تيسير انعقاد القمة، إذ حرصت تونس-بتنسيق جزائري-أن تضم إلى البيان الختامي فقرة تتضمن إشارة إلى قمة تيكاد 8، وذلك في سياق الحديث عن العلاقات العربية اليابانية، وكان رد فعل المغرب قويا، ومسنودا من قبل عدد من الدول العربية، لاسيما دول الخليج، فتم تسوية هذا التوتر بالاتفاق على حذف الفقرة بالكلية.
في هذا الاجتماع أيضا، تمت تسوية مشكلة شكلية، تتعلق باحترام الأعراف الدبلوماسية المرعية في الدعوة للقمة العربية، وذلك بإرسال الجزائر لمبعوثين لها إلى الدول العربية من أجل دعوتهم للحضور، إذ قدمت الجزائر تنازلا سياسيا مهما، لفائدة المغرب، وذلك بنزولها عند العرف الدبلوماسي، وقرارها إرسال وزير العدل إلى المغرب لتسليم الدعوة إلى الجهات العليا بالرباط، مع أن الجزائر قطعت العلاقات الدبلوماسية مع الرباط.
الجزائر بررت الموقف، بأن القضية أخلاقية وسياسية، وأنه لا يمكن استثناء أي بلد عربي في الالتزام بهذا العرف الدبلوماسي، وهو ما قوبل من جهة الرباط بإصدار بلاغ لوزارة الخارجية، تعلق على الموقف، وتعتبر أن استقبال المبعوث جاء ضمن سياق مخصوص، يتعلق بتسلم دعوة للقمة العربية، وأنه لا يعني عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وهو ما فهم منه، بأن الرباط تتعامل مع الجزائر بالمثل، وأنها إذا كانت أرسلت هذا المبعوث في سياق مخصوص، فإن استقباله أيضا سيتم في نفس السياق المخصوص.
الواقع، أن الملف السوري وهذه القضايا البروتوكولية، ليست الجانب الوحيد للخلاف، فثمة ملفات شائكة، يفترض أن انعقاد القمة العربية في الجزائر، لن يكون يسيرا بدون تسويتها، أو على الأقل دون الحصول على ضمانات لتحقيقها، سواء بإشارات مطمئنة من قبل الجزائر، أو بالتأكد من وجود تحالفات قوية، تجبر المجتمعين بقمة الجزائر على تبنيها.
مصر، التي توترت علاقتها مؤخرا مع الجزائر بسبب انحيازها إلى الطرف الإثيوبي للصراع، وانزياحها عن موقف سابق كانت قد أعلنت عنه بالقيام بالوساطة بين القاهرة وأديس أبابا، لجأت إلى سياسة التفاوض مع الجزائر، بوضع ورقة مساعدة الجزائر على عقد القمة في كفة، وعدول الجزائر عن موقفها المعادي لمصالحها في كفة ثانية، مع أن تغير الموقف الجزائري من الملف المصري الإثيوبي، كان ردة فعل جزائري من التقارب المصري المغربي في موضوع الصحراء، وأيضا في الملف الليبي.
مصر ويعضدها في ذلك المغرب، تنظر للتقارب الجزائري التونسي بريبة كبيرة، خصوصا وأن الأزمة الاقتصادية الخانقة في تونس، وضيق الخيارات أمام الرئيس التونسي قيس سعيد، ألجأه إلى قبول توسع النفوذ الأمني في تونس مقابل الدعم المالي الجزائري، إذ تعتبر القاهرة ذلك تهديدا لأمنها القومي، وإرباكا لحساباتها في ليبيا، ويعتبر المغرب تحول الموقف التونسي من قضية الصحراء (استقبال الرئيس قيس سعيد لزعيم الجبهة الانفصالية) مؤشرا على تغيير تونس لعقيدتها السياسية تجاه قضية الصحراء، وتغييرا جذريا لعلاقاتها بالرباط.
دول الخليج، تترقب الموقف عن كثب، وتنظر إلى جملة مواقف صدرت من الجزائر، تهدد أمنها القومي من جهة، وتهدد أمن حلفائها التقليديين من جهة أخرى، إذ لم تخف انزعاجها من التقارب الجزائري الإيراني، والتمكين لحزب الله في المنطقة (بشكل خاص تونس) وتوظيفه لخدمات عسكرية إقليمية (تدريب جبهة البوليساريو) كما أنها تقف على نقيض موقف الجزائر الداعم لجبهة البوليساريو، وتعتبر أن الجزائر تسير عكس شعاراتها، حين ترفع عنوان «جمع الشمل» وسياستها الخارجية، تتجه إلى مزيد من إشعال التوتر في المنطقة العربية (إدخال إيران للمنطقة، التنسيق مع روسيا لتغيير منظومة الأمن الاستراتيجي في منطقة الساحل جنوب الصحراء مما يهدد أمن موريتانيا ويقحم المنطقة العربية في صراع الغرب والشرق، قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب).
المغرب، منذ شهور عديدة، لم يبد أي موقف ممانع لانعقاد القمة في الجزائر، بل انخرط في جهود دعم العمل العربي المشترك، وأعلن عن مشاركته في القمة بعد تسوية بعض القضايا البروتوكولية التي لم توضح الجزائر من قبل موقفها منها (احترام العرف الدبلوماسي بإرسال مبعوثين للدول العربية المشاركة في القمة).
وزير الخارجية المصري، في اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي انعقد مؤخرا في القاهرة قطع الشك باليقين، وأعلن عن انعقاد القمة في وقتها، مبددا بذلك ضبابا كثيفا نسج لشهور عديدة حول الموضوع، وذلك بسبب حدة الخلافات، وطبيعة السياسة الجزائرية التي زادت من تعميقها في المنطقة.
المتفائلون جدا، من انعقاد القمة، بل ربما نجاحها، ينظرون إلى الفرص الكثيرة المتاحة أمام العالم العربي في هذه الظرفية الدولية غير المسبوقة، إذ يستفحل الصراع بين روسيا والغرب، وتسود أزمة طاقة عالمية غير مسبوقة، ويترقب العالم أزمة أخرى غذائية، بسبب هشاشة الاتفاق المبرم بين روسيا وكييف برعاية أنقرة، وبسبب هيمنة الغرب على الإمدادات الغذائية، وعدم تحويلها إلى الدول الأكثر احتياجا.
هذه الوضعية الدولية التي تتكثف فيها السياسات ضد الإمدادات الروسية من مصادر الطاقة، وتضطر روسيا في المقابل إلى التوجه إلى الشرق كخيار لتحويل وجهة إمداداتها الطاقية، ثم الشرق الأوسط لإبقائه في دائرة الحياد، فتحت للعالم العربي فرصتين غير مسبوقتين، إذ أضحت الدول العربية المصدرة للغاز والنفط الخيار الأكثر إلحاحا بالنسبة للغرب لتلبية احتياجاته من الطاقة، وأضحى العالم العربي نسبيا بعيدا عن تجرع أزمة الإمدادات الغذائية بسبب العلاقة مع موسكو.
هاتان الفرصتان، اللتان تبصمان على وجود إمكان عربي قوي للتحول إلى كتلة مفاوضة، لا ينقصه إلا إزاحة التوتر والخلاف بين البلدان العربية ووضع العمل العربي المشترك في القاطرة الصحيحة، وهي التحديات التي يصعب الإجابة عنها من غير قرارات جريئة، تسوي الخلافات الكبرى داخل المنطقة، ويتعلق الأمر ابتداء، بالموقف العربي الموحد من توسع نفوذ الإيراني الإقليمي (اليمن، سوريا، العراق، لبنان، تونس) وتشجيع الوساطة لإنهاء الأزمة السياسية العراقية، ثم تسوية الملف الليبي (إنهاء الاحتراب بين محور الداعمين للشرق الليبي، ومحور الداعمين للغرب الليبي) وتقديم دعم عربي مشترك لمصالح مصر والسودان الحيوية في مياه النيل، واستثمار القمة، لدعم جهود وساطة مثمرة لإنهاء الخلاف المغربي الجزائري، على الأقل في بعده الدبلوماسي.
المتشائمون جدا، يرون أن التحديات والإكراهات، وبشكل خاص، تعمق الخلافات السياسية بين البلدان العربية، وتعدد أزمات الصراع، وتعقد الحسابات الأمنية الإقليمية، وتغيير مفهوم الأمن القطري لدى بعض الفاعلين القطريين (الإمارات، مصر، الجزائر) فضلا عن التدخل الأجنبي في الرقعة العربية، كل ذلك، سيجعل من خروج قمة الجزائر بنتائج تغير طبيعة المعادلة العربية أمرا بعيد المنال.