هل تواجه الدبلوماسية المغربية لحظات صعبة؟
هوية بريس – بلال التليدي
ثمة مؤشران برزا في الأيام الماضية، يلقيان بظلال من الشك على العلاقات المغربية الإسبانية من جهة، والعلاقات المغربية الأوروبية من جهة ثانية.
الأول، وهو قرار رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز حل البرلمان ودعوته لانتخابات تشريعية مبكرة في 23 يوليو، بعد أن مني حزبه بهزيمة كبيرة في الانتخابات المحلية، وتصدر حزب الشعب المحافظ العدد الأكبر من الأصوات، وفاز بست مناطق كانت تحسب على رصيد الاشتراكيين.
والثاني، وهو عدم مباشرة الاتحاد الأوروبي لحد الآن، المفاوضات مع المغرب لتجديد اتفاقية الصيد، بحجة انتظار قرار محكمة العدل الأوروبية بهذا الشأن.
في الواقع، يطرح تغيير المشهد السياسي في إسبانيا، وتصدر حزب الشعب المحافظ للانتخابات التشريعية، تحديات كبيرة على العلاقات المغربية الإسبانية، خصوصا إذا اتجهت الحكومة المقبلة إلى مراجعة موقفها من الصحراء، كما يطرح عدم تجديد اتفاقية الصيد البحري أسئلة عميقة على مستقبل العلاقات المغربية الأوروبية، وما إذا كانت الجهات المؤثرة في أوروبا، والتي نجحت في استصدار تقرير من داخل البرلمان الأوروبي يدين المغرب ويتهمه بإرشاء برلمانيين أوروبيين من أجل الدفاع عن مصالحه دون تقديم أدلة تسند هذا الادعاء، ستوظف هذا الملف للضغط على المغرب.
استقراء تطور العلاقات المغربية الأوروبية في الأشهر الستة الأخيرة، يشير إلى أن أجواء التوتر قد تم تطويقها، وأن صفحة الخلاف مع مسؤول الشؤون الخارجية والسياسة والأمنية داخل الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، قد تم طيها، بعد تصريحات له حول الصحراء اثارت غضب الرباط فاتخذت قرار إلغاء اجتماع ثنائي بين الطرفين في العاصمة الرباط، فجاءت مباحثاته بالرباط مع وزير الخارجية ناصر بوريطة وتأكيده على الشراكة الاستراتيجية بين الرباط وبروكسيل تعبيرا عن فتح صفحة جديدة.
بعد حوالي شهرين من ذلك، قدم الاتحاد الأوروبي موقفا آخر يندرج ضمن مؤشرات تعزيز الثقة بين الطرفين، فرفض طلبا تقدمت به مجموعة التحالف الأوروبي الحر لإنشاء قسم خاص بالصحراء داخل دائرة العمل الخارجي الأوروبي (EEAS).
وفي أوائل الشهر الماضي، أعلنت لجنة التحقيق في برامج التجسس التابعة البرلمان الاتحاد الأوروبي، في تقرير مفصل براءة المغرب من التهم التي وجهت إليه، وكشف رئيس اللجنة البرلماني الهولندي وعضو البرلمان الأوروبي، «جيرون لينيرز» أنه لم يتم تقديم أي دليل يسند هذه التهم وذلك بعد مرور أربعة.
ثمة في الواقع، مفارقة بين منحنى تعزيز الثقة الذي تتطور فيه العلاقات المغربية الأوروبية خلال النصف الأول من هذه السنة، وبين انتظار الاتحاد الأوروبي قرار المحكمة العليا بشأن المشروعية القانونية للصيد في مناطق «النزاع».
تفسير هذه المفارقة، لا يخرج عن سيناريوهين، الأول، أن الاتحاد الأوروبي يعزز المسار المطرد في العلاقات مع المغرب ويضفي عليه بعدا قانونيا، وفي هذه الحالة، فإن حجة انتظار قرار المحكمة، تؤول بالرغبة في إزالة أي عائق قانوني يشوش على الشراكة الاستراتيجية بين الرباط وبروكسيل. والثاني، أن الاتحاد الأوروبي، يريد أن يمسك بورقة قرار محكمة العدل الأوروبية لممارسة الابتزاز السياسي ضد المغرب، ومعاقبته على سياسة الاستفراد في التفاوض مع دول أوروبا (ممارسة الضغط على ألمانيا، ثم إسبانيا، جمود العلاقات مع فرنسا) واستثمار التحول الانتخابي في إسبانيا للي ذراع المغرب في هذه المرحلة الحرجة.
من زاوية المبدأ، لا يمثل اتفاق الصيد البحري فائدة اقتصادية أو تجارية دالة بالنسبة إلى المغرب، فكل ما يكسبه المغرب منه سياسي، لأنه يعني إقرار الاتحاد الأوروبي بسيادة المغرب على صحرائه.
ومن زاوية التفاوض السياسي في هذا الملف، تتكافأ أسلحة الضغط، ففي اللحظة التي يتحجج الاتحاد الأوروبي بانتظار قرار محكمة العدل الدولية، يباشر المغرب مفاوضاته مع روسيا، ويتهيأ الطرفان لإعلان تجديد الاتفاق بما يشمل مناطق الصحراء.
الرباط تدرك أن مدريد، حتى ولو كان على رأس حكومتها الحزب الشعبي المحافظ، فستكون مجبرة على الضغط على الاتحاد الأوروبي لتجديد اتفاقية الصيد البحري معها، لأن المستفيد الأكبر منه هم الإسبان، لأن الأمر يخص 120 سفينة أوروبية، أغلبها إسبانية، وهو ما يعني في حال عدم تجديد الاتفاق تكبيد خسائر فادحة للصيادين الإسبان.
في ملف العلاقة مع إسبانيا، تبدو الأمور جد معقدة، فالانطباع الذي يسود الأوساط الإعلامية، حول تغير الموقف الإسباني من قضية الصحراء بصعود الحزب الشعبي المحافظ، إنما يستحضر فيه صورة سابقة عن وضع كل من إسبانيا والمغرب، لا علاقة لها بالواقع، بحكم التشابك الذي حصل في المصالح، وتداخل أوراق الضغط بين الطرفين.
فرنسا، تتصيد الفرصة لتفجر توتر مغربي إسباني، وتعتبر أن هذه فرصتها لإعادة تشغيل أسلحتها التقليدية، بعد أن أثبتت طوال السنة الماضية فشلها الذريع في جر الرباط إلى حالة العلاقات الطبيعية بشروط قصر الإليزيه، لكن، الإسبان، من جهتهم، يعلمون أن تغيير الموقف من الصحراء، يمكن أن يدفع الرباط إلى استعمال أسلحتها بما يربك المصالح الإسبانية، التي بدأت ليس فقط في الانتعاش، ولكن أيضا في ارتياد آفاق استراتيجية واعدة بعد طي صفحة الخلاف بين البلدين.
رئيس الوزراء بيدرو سانشيز قدم قبل شهرين أرقاما مطمئنة عن عدد المهاجرين غير الشرعيين الآتين إلى جزر الكناري خلال الأشهر الثلاثة الأولى من 2023، فسجل تراجعا بنسبة 63 بالمئة، مقارنة بازدياد أعداد المهاجرين إلى اليونان بنسبة 95 في المائة وإيطاليا بنسبة 300 بالمئة.
الملك محمد السادس، هو الآخر، سبق له أن صرح بشكل صارم بأن مفتاح العلاقات التجارية والاستراتيجية مع دول أوروبا، هو الصحراء، وأن المغرب لبس نظارة الصحراء، ويرى من خلالها شركاءه وخصومه.
مدريد كسبت كثيرا من اتفاق الشراكة الاستراتيجية مع المغرب، وأضحت تمثل شريكه التجاري الأول، بينما يشكل المغرب شريكها التجاري الثالث بعد الصين والولايات المتحدة الأمريكية، ويمثل الوجهة الأولى للصادرات الإسبانية.
رئيس الحكومة السيد عزيز أخنوش قدم أرقاما دالة بهذا الخصوص، فقد كانت قيمة المبادلات التجارية بين البلدين 17 مليار يورو في 2021، لكنها شهدت قفزة نوعية في التسع الأشهر الأولى من سنة 2022، بارتفاع بنسبة 21 في المائة.
حكومة محتملة لحزب الشعب المحافظ، يمكن أن تستعمل سلاح التحول نحو الجزائر، وممارسة قدر من الضغط باستعمال ورقة الطاقة (الاستعمال المعكوس لأنبوب النفط المغاربي) لكن الخسائر المترتبة عن هذا السيناريو تجاريا وأمنيا وسياسيا، لا يمكن أن تقاس بخسارة مؤقتة، يتم احتواؤها من جهة الرباط بعد أقل من سنة، بعد مباشرة استغلال غاز حقل تندرارة في السنة القادمة.
في الواقع، تبدو الأمور معقدة، فأوراق التفاوض القوية التي يملكها المغرب، فضلا عن تشابك مصالح البلدين في السنتين الأخيرتين يجعلان من الإقدام على تغيير الموقف من الصحراء أمرا معقدا، يتطلب التفكير مليا في النتائج قبل تعريض المصالح الاستراتيجية الإسبانية للخطر.
تجديد الاتحاد الأوروبي لاتفاقية الصيد البحري، يتوقف على أمرين، أولهما موقف إسبانيا والبرتغال اللتين كانتا دائما وبحكم مصلحتهما الحيوية، تضغطان على الاتحاد الأوروبي لتجديد الاتفاق. وثانيهما، هو حدود تأثير الموقف الفرنسي، الذي يبدو وكأنه، يميل نحو ممارسة والضغط والابتزاز أكثر من محاولة جر الاتحاد الأوروبي لتوتر مستدام مع المغرب.