هل رأيتم من يُبطِل حُجية السُّنة بالسُّنة؟
هوية بريس – الناجي لمين
هناك فرقتان كانتا على عهد الشافعي، الفرقة الأولى: هي فرقة القرآنيين التي ترى أن الحجة في القرآن فقط، لأن الله تعالى يقول: “ما فرطنا في الكتاب من شيء”. والفرقة الثانية تقول: السنة على الرأس والعين، ولكن لا نقبل منها إلا المتواتر، لأن الآحاد لا يفيد إلا الظنَّ، والظنُّ لا يغني من الحق شيئا..
ألف الشافعي كتابا في الرد على الفرقتين سماه: “جماع العلم”، وهو مطبوع ضمن كتب “الأم” للشافعي، وطبع مُستقِلا. رَدَّ فيه الشافعي على الفرقة الأولى بأن قال لها: إن السنة من بيان القرآن أيضا، فالمحتج بها محتج بالقرآن، لأن القرآن أمَر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في آيات كثيرة. ورَدَّ على الفرقة الثانية بأن قال لهم: لا يليق بِمَن يَرضى أن يكون قاضيا فيَحكمَ على المتهم بشاهدين عدلين، ثم لا يقبل خبر اثنين عدلين ضابطين، وثلاثة وأربعة وخمسة..
وانتهى أمر الفرقتين مع موت الإمام الشافعي.
عندما قرأتُ هذا الكتاب في أوائل التسعينات احترمتُ عقول هاذين الفريقين، وقدرتُ استدلالهم المنسجم الذي فصّله الشافعي. ولكن ظهرت فرقة في هذا الزمان فأحْيَت هذه البدعة، ولكن مع قلة احترام لعقول الناس: فكيف يستدل شخص على عدم حجية السنة التي جاءت فيها نصوص كثيرة من القرآن بحديث أو أحاديث هي من قبيل الآحاد، ولا تفيد القطع من ناحية النقل ولا من ناحية الدلالة؟ من أراد أن يبطل شيئا ثبت بالقطع، فعليه أن يقدم أدلة قطعية لإبطاله (مع أن ذلك مستحيل عقلا، لأنه لا ترجيح في القطعيات)، أما أن يبطل القطعَ بالظن والتخرص فهذا هو عين السفه.
وأذكر أن الاستاذ جمال البنا (وهو قرآني) زار المغرب في التسعينات من القرن الماضي، وزرتُه مع بعض الزملاء في إقامته بأحد فنادق الرباط بدعوة منه، حيث قال لنا: تأتون عندي لأحدثكم عن فقه جديد. وعندما بدأ يتحدث عنه قلت له: هذا فقه قديم كان في عهد الشافعي وليس جديدا. ثم كلفتُ نفسي متابعةَ الاستماع إليه، وعندما أذّن المؤذن معلنا صلاة المغرب بدأنا “نتغامز” لتأدية الصلاة، فقال لنا: عندي لكم مؤلف بَينتُ فيه أنه يجوز الجمع بين المغرب والعشاء.. ومع ذلك خرجنا نصلي المغرب ثم رجعنا، وعند توديعه لنا أعطانا نسخا من الكتاب المذكور، فإذا هذا القرآني يبني رأيه على حديث آحاد، وهو حديث ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر.. وهو حديث رواه مالك وغيره، ولم يأخذوا بظاهره، فكانوا “أكثر قرآنية” من صاحبنا، لأن الله سبحانه وتعالى قال: “حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين”، وقال: “إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا”. وثبت بالتواتر القطعي أن الناس كانوا وما زالوا منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم الى يومنا هذا يصلون في غير مطر ولا سفر خمسَ صلوات، كل واحدة في وقتها..
الحق واضح أيها الإخوة، وإذا رأيتم شبابا يتبع مثل هؤلاء فَذلك لأجل هوىً صادفه في قلوبهم.. لأن الإنسان العاقل لا يغتر بمن يناقش شيئا يعرفه العام والخاص.. ويبطل شيئا بشيء أضعف منه.
اللهم ردنا اليك ردا جميلا.