هل ستتحقق العدالة في قضية عدنان المغدور؟
هوية بريس – حسن فاضلي أبوالفضل
يعلم الله قدر الحزن والألم الذي يعتصر قلوبنا جراء الغدر الذي طال الطفل عدنان، يعتصرنا الألم ونحن لا تربطنا به معرفة أو قرابة، فكيف يكون حال أهله وذويه و أقربائه…كان الله في عونهم، و أنزل عليهم صبرا جزيلا من عنده .
الجريمة التي حدثت بلغت غايتها في البشاعة والشناعة والتوحش، جريمة تُفقد الإنسان – البعيد قبل القريب- طعم الحياة وتهز وجدانه وكيانه هزًّا، هي لم تطل عدنان وحده بل طالت الطفولة كاملة و أحرقت كبد الأسر كاملة. جريمة لا يملك معها إنسان سوي إلا أن تنقذف دموعه الحارة خارجة مهما بلغ من القوة والصلابة .
كيف ستتحقق العدالة؟
إذا كانت العدالة تحفظ حقوق الأفراد والجماعات المادية والمعنوية وترجعها بعد سلبها أوالاعتداء عليها، فإنه في حالة عدنان حيث القتل العمد مع ما سبقه من الاعتداء الجسدي وهتك العرض، لا تتحقق العدالة ولا تكون العقوبة عادلة حتى يلقى الجاني نفس العقاب والعذاب الذي سلطه على المجني عليه، وحتى يذوق مرارة وقسوة الفعل الذي ارتكبه ويشرب من الكأس المر الذي سقى به غيره .
ولأن الأمر هنا تعلق بجريمة قتل غاية في البشاعة ينبغي أن تقابلها عقوبة مماثلة غاية في القساوة، ولا يمكن أن يتحقق ذلك بأقل من القصاص/ الإعدام. وقد كان هذا المبدأ مقررا في كل الشرائع السماوية والحضارات السابقة، وكان شائعا تاريخيا . قال سبحانه (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْاذُنَ بِالْاذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) المائدة 45.
فإن لم تسعىالجهات المسؤولة عن إقامة العدل بين الناس في تحقيق هذا المبدأ حماية للحقوق، فقد أوقعت ظلما آخر على المجني عليه و أولياء دمه، ولذلك قال عزوجل في آخر الآية فأولئك هم الظالمون؛ أي وقعوا في الظلم لحيلولتهم دون تحقق العدالة واسترجاع الحقوق…
كما نجد في القانون الجنائي المغربي أن المشرع قد حدد مجموعة من الجرائم يعاقب عليها بالإعدام منها:
– اختطاف الأشخاص وتعذيبهم (الفصل438 )
– تعريض الطفل للموت بنية إحداثه (الفصل463)
– اختطاف القاصر الذي تعقبه موته(الفصل 474)
– إضرام النار عمدا إذا تسبب في موت (الفصل 584)
– الاعتداء على حياة الملك (الفصل 163 ق ج)
– وغيرها من الجرائم …
غير أن المشرع المغربي أعقب ذلك بمنح ظروف التحفيف القانونية والقضائية في غالبية هذه الجرائم؛ وذلك باستبدال السجن المؤبد أو السجن المؤقت بالإعدام، واستُبعدت هذه الأعذار في جرائم الإعتداء على شخص الملك !
وهكذا فإن المادة القانونية المعينة على إقامة العدالة في مثل هذه الجرائم متوفرة، تحتاج فقط إلى شجاعة القضاء ووقوف القاضي إلى جانب العدالة والحق. ونتمنى أن يتحلى القضاء بكامل الشجاعة لإظهار العدالة التي لا تظهر في مثل هذه الجرائم إلا نادرا وتنصيبها.
لِم يدافع المفسدون عن المجرمين باسم حقوق الإنسان؟
يكاد ينعقد إجماع المختصين وعموم الناس على أن العدالة لا تتحقق ولا تعود الحقوق لأهلها إلا إذا قابلت العقوبةُ الجريمة في مقدراها وخطورتها وبشاعتها و آثارها على الفرد والمجتمع والدولة . غير أن فئة قليلة جدا من الناس لا نعرف لها فكرا ولا صلاحا ولا إصلاحا، تعاكس – دائما- إرادة الأمة وسعيها في إقامة العدل ونشر الخير والصلاح بين الناس، يصدر منها ما لا يصدر عن عاقل سليم سوي الفطرة مهما تظاهرت بالثقافة والعقلانية، بل لا يمكن أن تصدر مثل هذه الخرجات إلا من شخص اجتمعت فيه أكثر صفات الجاني/المجرم/ المغتصب و إن أظهر عكسها.
يقول واحد من هؤلاء ” أما المواطنون الذين تسابقوا في التعبير عن رغبتهم في قتل المجرم والتمثيل بجثته في الفضاء العام، فهم لا يقلون وحشية عن الوحش الذي يريدون الثأر منه”. صاحب هذا الكلام دائما ما يكون أميل و أقرب إلى سلوك الجاني/المغتصب منه إلى السلوك السليم، وهذا نوع من الحيّل والاختباء، المقصود منه التهوين من بشاعة الجريمة والتقليل من خطورتها و آثارها، كل ذلك يتم باسم حقوق الإنسان وتحت غطائه!حقوق أي إنسان؟ الإنسان الجاني أم المجني عليه؟ الأنسان الظالم أم المظلوم؟ الأنسان المصلح أم المفسد؟؟
الإنسان الذي يشترك مع الجاني و الظالم و المفسد في بعض الصفات، سيقتصر تصوره لحقوق الإنسان على الصنف الذي ينتمي إليه فقط. وبالرجوع إلى سلوكيات هذا الشخص نجد لها شبها بسلوكيات المجرم/الجاني، حسب ما صرحت به عشيقته السابقة (م.م) في مقطع مصور على اليوتوب.
نحن لا نتوقع من شخص يخون زوجته أن يندد بالخيانة الزوجية ويطالب بمعاقبة مرتكبها، ولا نتوقع من شخص يغتصب الأطفال أن يقف في وجه هذه الجريمة النكراء ويطالب بتشديد العقوبة على أصحابها !
نحن نفهم الآن لما يصر هؤلاء للوقوف دائما إلى جانب الجاني والدفاع عنه باسم حقوق الإنسان، ذلك لاشتراكهما في نفس الفعل واتصافهما بنفس الخصائص العقلية والسلوكية والأخلاقية.
إن الذين طالبوا بإعدام الجاني هم أحرص الناس على حقوق الإنسان و أحرص الناس على أمن المجتمع وسلامته، وهم أحرص الناس على إقامة العدل وانتصار الحق. والحق هنا هو ثمرة الاتفاق و إرادة المجتمع التي تخضع لسلطة العقل، لا الهوى ومسايرة المجرم في إجرامه.
وإذا كان من غايات العقاب و أهدافه ردع المجرم/ الجاني و إعطاء العبرة للأخرين، فإن تخفيف العقوبة في مثل هذه الحالات لا يحقق هذا المقصد ولا تتحقق الحكمة من تشريعه أصلا. وكم من حالات القتل والاغتصاب حوكم فيها الجاني بالسجن المحدد ثم بعدها بسنوات قليلة استفادمن العفو، لتكون إثارة الرعب في الناس مرة أخرى والعود إلى الجريمة أمر وارد وهو مشاهد.
تعازينا الصادقة لأسرة الفقيد، ورحماللهعدنانورزقهالفردوس. ولا يملك مفجوع إلا أن يتجمل بالصبر و إنا لله و إنا إليه راجعون.