هل ستنجح أمريكا في إجهاض التقدم التكنولوجي المتسارع للصين ؟
هوية بريس- إلياس العمراني
بعد محاصرتها لشركة هواوي لؤلؤة الصناعات التكنولوجية الصينية ومنعها من الولوج إلى جميع المنتجات والخدمات والتقنيات الأمريكية قامت الولايات المتحدة الأمريكية بعد ذلك بوضع شركة تشنغدو الحكومية الرائدة في صناعة المقاتلات المتقدمة وعلى رأسها المقاتلات الشبحية جي 20 وإف سي-31 ضمن لائحة المؤسسات (العدوة) التي يمنع على جميع الشركات الأمريكية التعامل معها أو بيعها أجزاء حساسة إلا بإذن مباشر من الحكومة المركزية .. فما الذي تخشاه أمريكا من شركات صينية حديثة عهد بمجال الصناعات التكنولوجية الدقيقة ؟
هل الأمر له علاقة بشركات معينة تشكل تهديدا فعليا للمصالح الأمريكية في العالم أم أن الأمر متعلق بأكبر عملية تصدي للتقدم التكنولوجي الهائل والمتسارع للتنين الصيني الذي بات يهدد عروش الغرب والشرق في هذا المجال ؟
بداية لا بد من الإشارة إلى أن أمريكا عندما بدأت خطتها للتصدي للطوفان الصيني كانت في الحقيقة قد تأخرت كثيرا وكثيرا جدا لأنها لم تتحرك إلا بعدما سيطرت الشركات الصينية على كثير من المجالات الدقيقة ومنها صناعة الهواتف والحواسيب والأجهزة الذكية والأجهزة المنزلية والسيارات الكهربائية والبطاريات المتقدمة والقطارات فائقة السرعة وشبكات المحمول وصناعة الأقمار الإصطناعية وكذا الصناعات الإنشائية والهيكلية وصناعة الكابلات البصرية وغيره، والكارثة أن الصين لم تكتفي بهذا التقدم الهائل بل انتقلت إلى استغلاله في مجال الصناعات العسكرية المتقدمة فأصبحت الصين تشيد حاملات طائرات كبرى وبوارج وفرقاطات جد متقدمة ومقاتلات شبحية تضاهي المقاتلات الأمريكية وأنظمة دفاعات جوية جد معقدة وغواصات وصواريخ مرعبة وطائرات مسيرة (درونات) كثيرة ومتنوعة ومحركات كبيرة ومتطورة، طبعا هذا التقدم المرعب في الصناعات الدفاعية كان كفيلا لدفع الإدارة الأمريكية وإن متأخرة إلى وضع خطة محكمة وقوية لعرقلة هذا التقدم ومحاصرته تكنولوجيا (ماليا لن تستطيع لأن الصين باتت صاحبة أكبر احتياطي عالمي من الذهب والعملات الصعبة والأسهم والسندات الدولية) وذلك من خلال بناء جدار عالي يمنع من تسرب التكنولوجيا أو المنتجات الإلكترونية الدقيقة الأمريكية إلى الصين وبالأخص عن طريق الشركات الأمريكية الكثيرة العاملة هناك، ثم الضغط على الأوروبيين واليابان وكندا وأستراليا وكوريا الجنوبية لسلك نفس المسلك في إطار تشديد الحصار التكنولوجي وجعله أكثر تأثيرا وفاعلية، وهذا الوضع الجديد دفع كثيرا من تلك الشركات الأمريكية وحتى الأوروبية إلى الإعلان عن خططها للخروج من السوق الصيني بسبب الحصار الأمريكي الجديد، ولعل أهمها شركة آبل العملاقة التي تأتي 30% من إجمالي مبيعاتها من الصين.
لكن السؤال الآن، هل هذا الحصار سيأتي بنتائج مرجوة تكبح السرعة الهائلة التي تتقدم به الصناعات الصينية الدقيقة والمتقدمة؟
الراجح أن الأمر ليس بالسهولة التي يظنها البعض لأن الصين ذهبت أبعد مما كان يعتقده كثير من المراقبين، الصين باتت اليوم مرجعا عالميا في كثير من المجالات الصناعية الدقيقة وأصبحت تسجل عشرات الآلاف من براءات الاختراع باسمها وأضحت تخرج سنويا أفواجا بمئات الآلاف من المهندسين والعلماء والخبراء والباحثين، وما لبثت أن صنفت عشرات من جامعاتها ومعاهدها ضمن الجامعات والمعاهد الرائدة في ميدان البحوث العلمية العالية.
وإذا أضفنا واقع تربع الصين على عرش ثاني أكبر اقتصاد عالمي (إقتصادها يعادل اليوم إقتصاديات اليابان وألمانيا وفرنسا وبريطانيا مجتمعة) وتربعها على أكبر ثروة مالية سائلة في العالم وكذا على أكبر سوق استهلاكية في العالم (تجاوزت أمريكا قبل 3 سنوات) فإن الأمر يبدو من سابع المستحيلات .. اللهم إن حصلت مواجهة عسكرية مباشرة بينها وبين أمريكا فعندئذ لكل مقام مقال.
وهذا لا يمنع من الاعتراف بأن الصين ما زالت متأخرة في بعض المجالات التقنية الدقيقة التي تحتاج لزاما لتراكم خبرة عقود وعقود من البحوث والتطوير، ومنها مجال أشباه الموصلات والرقاقات الإلكترونية والمحركات العملاقة وغيره، لكن من يتابع سرعة التقدم العلمي الصيني يعرف تماما ان الصين ستتدارك الفارق الموجود الآن تماما كما تداركته في مجالات اخرى كالإندماج النووي وسبر واكتشاف الفضاء ومجال الطب والدواء وغيره.