المعلوم للموظفين أن الزيادة التي حصلوا عليها سنة 2011 إبان الربيع العربي كانت بمثابة رشوة من المخزن كما يقول البعض، وهي ما ساهمت في تقاعس الموظفين عن الحراك الشعبي الذي كان يروم التغيير ومحاربة الفساد والاستبداد، نعم نجحت الخطة وحصلوا على زيادة قدرها 600 درهم، وجاء إلى السلطة على رأس شعار الشارع المغربي حزب المصباح “جميعا من أجل محاربة الفساد والاستبداد” هذا الشعار الذي تغير إلى مواصلة الإصلاح في الانتخابات الجماعية، وتركز الإصلاح في كل خطة المصباح والتحالف الحكومي على تطبيق خطط المخزن عوض تطبيق البرنامج الانتخابي الذي انتخب على أساسه، والذي من غير الممكن أن تطبقه أي كتلة حزبية أو حزب حتى بعد فوزه لتراكم الملفات التي يقدمها للحكومة وتكلف الحكومة بتسيير أعماله، كما لا يخفى أنه يقدم بعض التسهيلات التي تجعل الحكومة تتمظهر بمظهر الاستقلالية في اتخاذ وتنفيذ القرارات، وهي لا تعدوا أن تكون خصومات فردية أو حزبية بين الفرقاء غايتها تشتيت الساحة أكثر لانتهاج المقولة الشائعة “فرق تسد”، ولا يعد ما تطرقت إليه إلى حدود هذه الأسطر في صلب موضوع المناقشة بقدر ما هو تقديم مهم لها لتسلسل الأحداث وتباعها.
ومن هنا يطرح السؤال التالي نفسه: ما الضرورة التي أخرجت تنسيقية إسقاط خطة التقاعد للميدان؟ هل تملك من المقومات ما يمكنها من النجاح رهانها؟ ما دور النقابات؟ وهل سيكون لها دور؟
للإجابة على السؤال الأول يجب أن ننظر إلى تاريخ خروج هذه الحركة الاحتجاجية للوجود أو أهم محطة أنتجتها وهي 20 مارس 2016 والتي جاءت بعد بلوغ حراك الأساتذة المتدربين أوجه بمدينة الدار البيضاء في المسيرة التاريخية التي كان الشرفاء من الموظفين أساسها ووقودها الذي برزت به، وإنما خروج مثل هذه الفئات العريضة قبل هذا الموعد جعلهم يضربون موعدا لتأسيس هذا الحراك في اليوم الذي ذكرت نظرا لقناعاتهم الشخصية أن النقابات لم يعد لها ذلك الدور الذي أمكنها من الدفاع عن الشغيلة وخصوصا أنها في قضية التقاعد مظلومة وإن تجمعت أجهزة الدولة لمعالجة السبب الحقيقي لخلو صندوق التقاعد من المال الذي كان فيه لكانت أغلب القضايا التي يعاني منها المغرب الآن ماليا وإداريا محلولة ولكن التستر على ناهبي المال العام وعدم تحريك المحاسبة في هذا الشأن جعل الأمر يؤول إلى المزيد من قهر الطبقة الوسطى.
حسنا قلنا بعد اكتشاف الذات ودعوة مجموعة من الفاعليين التربويين إلى تأسيس تنسيقية لإسقاط خطة التقاعد جاء مرحلة من الأهمية بمكان وهي مرحلة التوسع والتي تمثلت في مرحلة الوقفة الوطنية أمام البرلمان ثم بعدها توسيع التوسع إلى الجهات التي شهدت يوم 28 شتنبر 2016 خروج مسيرات جهوية تحت لواء هذه التنسيقية، وهو ما جعلها تصبح محط أنظار المجتمع بل أنظار الصحافة باهتمام أكبر من سابقه، والمرحلة الثانية هي أكثر خطورة من سابقتها، إذ لو نظرنا إلى تشخيص فعل الحركة الاحتجاجية نظرنا إليه من زاويتين، وهما:
التأسيس والذي كان بفضل أطراف غير محسوبة على الأحزاب والحركات الاحتجاجية.
التوسع والذي بدأت تساهم فيه اصناف شتى من الجهات التي تحسب على التيارات المساندة للاحتجاجات أو المعارضة للحكومة من داخل قبة البرلمان.
فيما يبقى دائما عنصر مهم وغير فاعل بشكل مهم هو انضمام موظفي القطاعات الأخرى غير التعليم بشكل يجب أن يكون قويا، وكذا انضمام غير المحسوبين على الجهات السياسية إلى الحراك، وهذه عوامل إنجاحه القوية على اعتبار أن المخزن يسهل عليه محاربة اي حركة احتجاجية تضم في واجهتها أطراف لها انتماءات معينة ويصعب عليه ذلك في غير الأمر كما كان في حراك الأساتذة المتدربين الذي يهم كثيرا أن نجعله مرجعا في طريقة التحرك والدفاع عن المطالب.
إذا بالنسبة للضرورة الخروج تعد منطقية ومعقولة، إذا ماذا عن امتلاك مقومات النجاح؟
قد تستطيع هذه الحركة الاحتجاجية النجاح في مسعاها لكن بشروط مهمة، منها:
أولا: أن لا تضع سقفا محددا وغير قابل للمراجعة، فذلك يسهل على المخزن طريقة مواجهته للحراك بحيث يجعل الحراك يستمر حتى إذا ما بلغ مرحلة اللاَّرجوع قدم له الفتات فيحس الأغلب بأنهم قد حققوا شيئا مما كانوا يرجونه، فيتسرب إلى البعض الركون ثم الانسحاب فيتفرق الجمع.
ثانيا: أن تميل الحركة الاحتجاجية إلى الجانب الفكري والثقافي كما تميل إلى الجانب الاحتجاجي في الشارع وأن توازي بينهما، فبقدر ما تؤثر في الشارع بالتظاهر تفعل عندما تملك آليات المحاربة الفكرية والحجج المنطقية لدحض حجج المدافعين عن المخزن وقراراته، وعلى الحراك أن يمتلك البديل القانوني.
ثالثا: عدم قطع العلاقة مع النقابات بالرغم من مساهمتها في الواقع المزري أما تمليكها الملف وأن تفاوض باسمكم عليه فهذا من غير الممكن طبعا.
رابعا: تدويل القضية وهو ما يعد إشراكا لكل الفاعلين في المجال الاقتصادي سواء على المستوى الإعلامي أو حتى التواصلي.
خامسا: يجب على المنخرطين في هذا الحراك أن يدافعوا عنه لا عن وجهات نظر الانتماء السياسي الذي يميلون إليه، فهذا ما يلبث أن يضع شقة بين المنخرطين فيتبع كل فرد ما يميل إليه فتضيع القضية من بين أيديكم.
إن ما ذكرت ليس بالضرورة خطوات توجيهية وخصوصا أن ما ذكرنا من توجيه لأي حراك يجب أن يكون نابعا منه وإنما حرصا على عمل متكامل أو حرصا على نحاجه لأنه يهم طائفة من المجتمع تعوله.