هل غاب التقدم في “وثيقة العدل والإحسان”؟!
هوية بريس- محمد زاوي
من ينظر إلى “الوثيقة السياسية” لجماعة العدل والإحسان، من باب الوعي الوطني السديد بما هو اعتبار لأولوية المصلحة الوطنية الاستراتيجية في “واقعها الملموس”، لا في مخيال الفاعل السياسي؛ من ينظر بهذا المنظار لن يحكم بإيجابية على “وثيقة الجماعة”.
من ينتظر الطفرات النوعية من عدم تاريخي، من يتغيى التقدم التاريخي من وعي لتوه يجد منفذا للتاريخ، من يبحث عن التحول في شرط لا يقبله في المدى القريب؛ من هذا منحاه لن يجد ضالته في “الوثيقة السياسية” لجماعة الأستاذ عبد السلام ياسين.
إذن؛ بأي عين سنقرأ “الوثيقة السياسية”؟ بعين من يرى التحول مهما كان منحسرا، ومهما كان دقيقا يعسر على الإيجاد، ومهما اتخذ من شعارات ليبرالية مثالية أو لا تاريخية أحيانا، ومهما اختفى عن أعين الملاحظين تحت أغطية من التحاشي والتناسي و”الإهمال المصطنع”. بهذه العين سيكتشف الملاحظ ما يلي:
-التخلي عن القاموس القديم كلية، قاموس “الخلافة” و”القومة” و”الملك الجبري” و”إمامة الأمة” و”السند الروحي” الخ؛ التخلي عن هذا القاموس ليس عفويا، خاصة وأنه قاموس الإمام المجدد المؤسس. هذا الانتقال يفتح بابا للمراجعة، وباب المراجعة إذا فتح يصعب -أو يستحيل-إغلاقه. فبإي منطق فُتِح؟! وبأي منطق سيتم إغلاقه؟!
-اعتماد النص المؤسِّس اعتمادا عرضيا لا جوهريا، وما يعنيه ذلك من انعتاق للوعي الجمعي للجماعة من قيوده الإيديولوجية، ليس بشكل صريح ولكن عن طريق التأويل. وهذا يجعل النص المؤسس أكثر مرونة، وينحو به منحى مؤسساتيا ودستوريا وواقعيا غير مسبوق، حتى وإن بدا “جذريا” على مستوى المطالب. إن المراجعة التي تضع الجماعة على رقعة المطالب الدستورية الليبرالية، قد تنقلها إلى حيز المراجعة الدستورية التاريخية، والتأويل التاريخي ل”متن التأسيس” قد يفي بالغرض التاريخي كما حقق الغرض الليبرالي.
-الارتباك في الوعي والتصريح السياسي ليس مؤشرا سلبيا على الدوام، بل يدل على مرحلة انتقالية بين موقفين. الجواب على نفس السؤال بصيغتين مختلفتين، اختلاف الموقف باختلاف القيادة المصرحة، التلميح في مواضع والتصريح في أخرى، التعميم هنا والتخصيص هناك؛ كله يدخل في نفس الإطار. من يقرأ هذا الارتباك سلبا لن يقدّر خطوة “الجماعة” حق قدرها، من يقيس تذبذبها لوضوح انتقالات أخرى (التجربة الاتحادية، تجربة الإسلاميين المشاركين)، لا يستحضر خصوصية الجماعة. والحقيقة أن تذبذبها من شدة انغلاقها على مواقفها الأولى، فكان (التذبذب) بمثابة شق على زجاج سميك لا يُكسَر مرة واحدة.
-عدم تطرق الجماعة في وثيقتها لقضايا من قبيل “الصحراء المغربية” و”الاختيارات المغربية في التدين” الخ، على أهمية هذه القضايا ومحوريتها؛ ليس هذا بالأمر السلبي على وجه الإطلاق. بل إن تحاشي التصريح في هذه القضايا ومثيلاتها يفسح مجالا للتفاوض فيها، ويحيل على وجود نقاش داخلي في الموقف منها، ويكشف عن براغماتية قابلة للتقدم بخطوة أو خطوات إلى الأمام، وإلا فما الحدود الفاصلة بين براغماتية التحاشي وبراغماتية تبني مواقف جديدة وأكثر وطنية؟!
الناظرون للوثيقة بعين الكمال، أولئك الذين يقيسون نصها بمقياس المطلوب في تاريخ اليوم، وليس تاريخ الغد؛ لن يجدوا في الوثيقة ما يطلبون. في الوثيقة ما قد تطلبه المصلحة الاستراتيجية الجامعة، ليس اليوم، بل ربما غدا!