تبدو المقاربة التركية في إدلب السورية مقدمة لفرض وقائع “سياسية” وديمغرافية على الأرض عبر التمكين العسكري، واستنادا إلى عنصر المفاجأة للحليف قبل الشريك، أكثر من كونها معنية بالتدخل في “شؤون الآخرين”.
هنا حصريا تتوقف المؤسسة التركية وتحديدا في جناحها “الرئاسي” حيث الرئيس رجب طيب أردوغان عند تلك “الماكينة الروسية الاعلامية” التي حاولت إظهار الرئيس فلاديمير بوتين وهو “يتقصد” توجيه رسائل سلبية عندما ترك الرئيس أردوغان ينتظر لفترة من الوقت في القصر الرئاسي الروسي في لقاء القمة الأخير بموسكو.
تداول خصوم تركيا خصوصا في الدول الخليجية ومصر، بالمئات شريط الفيديو الذي يظهر أردوغان ممتعضا مع وفده المرافق وهو ينتظر أمام الكاميرات “بوتين المتأخر”.
انشغل الاعلام الروسي بترويج الرواية التي تقول بأن بوتين تجاهل أردوغان وتقصد إبقاءه منتظرا في إطار رسالة سياسية.
لكن الأوساط المقربة جدا من الرئيس أردوغان تتحدث عن “سقف زمني” أطول من الواقع ظهر في شريط الفيديو وتصر على أن فترة انتظار اردوغان دامت فقط “45 ثانية” فيما يظهرها الفيديو عدة دقائق.
الأهم هو أن “ذلك يحدث” أحيانا في ترتيبات استقبالات الزعماء وإن كان مقصودا من الجانب الروسي. فالجانب التركي يفهم ويتفهم الأمر، لأن ما حصل مؤخرا في إدلب كان بمثابة “رسالة خشنة جدا” من تركيا ليس لموسكو والنظام السوري فقط، بل للذراع العسكري الروسي ايضا.
الأكثر أهمية هي تلك المعلومة التي سمعتها “القدس العربي” من أحد أقرب المستشارين من الرئيس التركي، فالرئيس بوتين يرد عمليا على انتظار مماثل عايشه في أنقرة عندما انتظر نحو “60 ثانية” قبل أن يطل عليه أردوغان ويصافحه متأخرا.
اعتبرت المؤسسة التركية أن بوتين بتأخره 45 ثانية على أردوغان في موسكو يرد على تأخر الأخير عليه في العمق التركي، عندما زاره بوتين بسقف “60” ثانية، أما إظهار الفترة أطول من ذلك وغير اعتادية فكانت لعبة الإعلام الروسي، ويمكن التدقيق بتفاصيل الفيديو لمعرفة ذلك، حيث تتكرر نفس النظرة الحائرة لأردوغان في القصر الروسي.
لعبة الوقت “تجاذبية” جدا بين أنقرة وموسكو، وتعكس برأي مراقبين خبراء حقيقة “التعاكس بالمصالح” والأهم “وقائع الأزمة الصامتة” بين البلدين، والتي تجلت وعبّرت عن نفسها في إدلب بالصراع العسكري الأخير الذي حسمه الأتراك بقسوة وبسرعة وبصورة خاطفة لإحداث تغيير ديمغرافي وجغرافي على الأرض.
بالمحصلة لقاء الأقطاب المتضادة انتهى باتفاق سياسي على الأرض يخدم الأجندة التركية في إدلب حصريا، حيث تصر روسيا على أنها ليست بصدد الاشتباك عسكريا مع أي طرف في المعادلة السورية الداخلية وواجبها تأمين النظام والدولة السورية فقط وليس الحرب والقتال.
المهم أن لحظات انتظار أردوغان على السجادة الحمراء والبلاط الرئاسي الروسي ليست “صدفة” وليست معزولة إطلاقا عن مساقات التجاذب المر بين موسكو وأنقرة في إدلب، حيث “لهجة عسكرية” تركية التهمت المشهد وحسمت الميدان، أعقبها لقاء قمة مع بوتين بذهنية “القشاش السياسي” الذي يتفاهم بعد الرسالة العسكرية على التفاصيل ويتفاوض على بعض الاشتراطات، الأمر الذي حصل تماما فيما سماه خصوم الدور بـ”مغامرة أردوغان” الأخيرة في إدلب. القدس العربي