هل فعلا صلاة التراويح بدعة أحدثها عمر ثم استحسنها الفقهاء فأصبحت تقليدا يتبع؟
هوية بريس – د.رشيد بنكيران
نقلت بعض الجرائد الالكترونية مغالطة يتعمد أصحابها التشويش على المسلمين والطعن في شعائرهم التعبدية الخاصة بهم، وذلك بادعاء أن صلاة التراويح ليست فريضة ولا سنة حسب زعمهم، وإنما هي إحداث في الدين قام به عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم استحسنه الفقهاء فأصبح تقليدا يتبع، وعليه فلا داعي لتلك الفتاوى (والتي وصفت باللغط) على أمر هو مجرد تقليد.
هكذا، بهذه البساطة وقُل الوقاحة يتم نشر ما يستفز المسلمين دون رقيب ولا حسيب، وما يشوش عليهم في عباداتهم.
ولنا على هذه المغالطة وقفتين:
الأولى: هل صلاة التراويح بدعة اختلقها عمر وتقليد استحسنه الفقهاء؟
تفيد السيرة النبوية العطرة أن أصل صلاة التراويح كان من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، يدل على ذلك ما جاء في دواوين السنة، منها ما رواه الإمام أحمد بسند صحيح عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ، وَصَلَّى خَلْفَهُ نَاسٌ بِصَلَاتِهِ،
ثُمَّ نَزَلَ اللَّيْلَةَ الثَّانِيَةَ فَكَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ،
ثُمَّ كَثُرُوا فِي اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ،
فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ غَصَّ الْمَسْجِدُ بِأَهْلِهِ،
فَلَم يَنْزِلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا فِي ذَلِكَ: مَا شَأْنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنْزِلْ؟
فَسَمِعَ مَقَالَتَهُمْ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قَدْ سَمِعْتُ مَقَالَتَكُمْ، وَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَنْزِلَ إِلَيْكُمْ إِلَّا مَخَافَةُ أَنْ يُفْتَرَضَ عَلَيْكُمْ قِيَامُ هَذَا الشَّهْرِ”.
وفي رواية البخاري: فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مُغْضَبًا فَقَالَ لَهُمْ: “مَا زَالَ بِكُمُ الَّذِى رَأَيْتُ مِنْ صَنِيعِكُمْ، حَتَّى خَشِيتُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْكُمْ، وَلَوْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ مَا قُمْتُمْ بِهِ فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ أَفْضَلَ صَلاَةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ، إِلاَّ الصَّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ”.
وجه الشاهد من هذا الحديث بروايته المتنوعة أن أصل قيام الليل في رمضان -والذي يسمى صلاة التراويح- كان في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قام به عليه الصلاة والسلام في المسجد ثلاثة أيام من ليالي رمضان، وامتنع من الخروج في اليوم الرابع ليس نسخا لتشريعه أو كراهيته أو أنه ترك قيام الليل، فقيام الليل في حقه عليه الصلاة والسلام واجب عليه، وإنما لم يخرج النبي عليه الصلاة والسلام إلى المسجد رفقا بأمته خشية أن يَنزل الوحيُ بوجوب قيام رمضان عليها لحرصها على القيام به في المسجد. فرغب النبي -صلى الله عليه وسلم- المسلمين بالصلاة في بيوتهم جمعاً بين الحسنيين: دفع الخشية من أن يفترض قيام الليل في رمضان على الأمة، مع عدم التفريط فيه بالقيام به في البيوت على وجه الترغيب والاستحباب.
وبناء عليه، استمر المسلمون على ذلك يصلون قيام الليل في شهر رمضان في بيوتهم فيما بقي من العهد النبوي، وكذلك كانوا في عهد خليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، يصلون قيام الليل في رمضان في بيوتهم، حتى جاء عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد روى البخاري في الصحيح أن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضى الله عنه- خرج ذات لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ يُصَلِّى الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، وَيُصَلِّى الرَّجُلُ فَيُصَلِّى بِصَلاَتِهِ الرَّهْطُ.
فَقَالَ عُمَرُ إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلاَءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ.
ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ، ثُمَّ خَرَج عمر لَيْلَةً أُخْرَى، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاَةِ قَارِئِهِمْ.
فقَالَ عُمَرُ: نِعْمَ الْبِدْعَةُ هَذِهِ، وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنَ الَّتِي يَقُومُونَ. يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ، وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ.
فدل هذا الأثر على أمور، منها:
– أن المسلمين -وفيهم الصحابة- كانوا يصلون قيام الليل في شهر رمضان في المسجد، بعد انتقال النبي عليه الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى، فلو كان قيام الليل في رمضان في المساجد حراما أو ممنوعا ما قام به الصحابة فرادى أو جماعة صغيرة، أو سكتوا عمن يفعل ذلك؛
– أن عمر بن الخطاب جمع المسلمين على إمام واحد مستنا بما وقع في ثلاثة الأيام الأولى في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- لما صلى بهم عليه الصلاة والسلام؛
– أن اجتماع المسلمين لقيام الليل في رمضان في المسجد ليس أمرا محدثا في الدين غير مسبوق به؛ بل هو أمر فُعل في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولهذا كان قول عمر “نِعْمَ الْبِدْعَةُ هَذِهِ” يريد بها بدعة لغة، لا البدعة الشرعية الضلالة التي نهى عنها النبي -صلى الله عليه وسلم-؛
– أن ما قام به عمر رضي الله عنه من جمع الناس على إمام واحد في صلاة التراويح يعد منقبة في حقه؛ لأنه كان أعلم من غيره في هذه المسألة بمقصد النبي -صلى الله عليه وسلم- وسنته، فامتناع النبي من صلاة التراويح كان معللا من خشية أن تفرض على الأمة، وقد زالت الخشية بانقطاع الوحي.
– قول القائل، صاحب المغالطة، إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو من أحدث صلاة التراويح، ثم استحسنها الفقهاء فأصبح تقليدا يتبع، هو مجرد افتراء وكذب على الدين لما سبق بيانه بالأدلة التي لا مجال للطعن فيها.
الوقفة الثانية: أين المشكل إذا اهتم المغاربة بصلاة التراويح؟
يفترض حسب منطق أصحاب المغالطة ومن على طريقتهم أن لا يُشكّل اهتام المغاربة بصلاة التراويح أي مشكلة لهم، لأن اهتمام مجموعة من الناس -قلوا أو كثروا- بأمر يخصهم يدخل ضمن الحرية التي ما فتئ أصحاب المغالطة يصورنها على أنها أمر مقدس لا يجوز المساس به، ويدخل كذلك ضمن حقوق الإنسان التي يدعون إليها. ولكن للأسف الشديد هناك ازدواجية في المعيار، تنبئ أن هؤلاء لا هم مع الحرية بمفهومها الغربي الحداثي، والتي لبّ جوهرها احترام خصوصية الآخر، ولا هم مع حقوق الإنسان بمفهومه الكوني حسب أطروحتهم، وإنما هم مجرد تجار، يتاجرون بالإنسانية لمن يدفع أكثر.
وأخرج البخاري وغيره عن أنس قال: ” قال عمر: وافقت ربي في ثلاث قلت: يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى فنزلت: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً) ، وقلت: يا رسول الله إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر فلو أمرتهن أن يحتجبن ؟ فنزلت آية الحجاب ، واجتمع على رسول الله صلى الله عليه وسلم نساؤه في الغيرة ، فقلت لهن: (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ) ، فنزلت كذلك “. وأخرج مسلم عن ابن عمر عن عمر قال : ” وافقت ربي في ثلاث ، في الحجاب ، وفي أساري بدر ، وفي مقام إبراهيم “. وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس قال : ” قال عمر وافقت ربي ، أو وافقني ربي في أربع نزلت هذه الآية: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) الآية فلما نزلت قلت أنا: “فتبارك الله أحسن الخالقين” فنزلت: (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) .اعتقد ليس في كلام الكاتب ما يفيد ان صلاة التراويح ليست من الخليفة عمر رضوان الله عليه .فقط اتساءل ما المشكلةةان كانت البدعة من عمر وهي مستحسنة. والمؤمنون اساحسنوها ويقبلون عليها بكثافة ؟