هل فعلا يقاتل “نتن ياهو” من أجل أمريكا؟؟
هوية بريس – إبراهيم الطالب
في الوقت الذي كان “النتن ياهو” يستعد لإلقاء خطابه أمام الكونغريس الأمريكي كان الفلسطينيون يعدون قتلاهم لهذا اليوم، والذي بلغ عددهم 55 شهيدا في يوم واحد، ليلتحقوا بإخوانهم الـ 48 ألف فلسطيني من الشهداء الذين ارتقوا في غزة.
صحيح أن قرابة التسعين برلمانيا أمريكيا قاطعوا جلسة الكونغريس التي ألقى خلالها رئيس القتلة خطابه الاستعماري الدموي، لكن أولئك النواب المقاطعين لا يمثلون موقف الدولة، ولا موقف المؤسسات الاقتصادية والسياسية المؤثرة في الولايات المتحدة، والداعمة دون قيد أو شرط لتقتيل الفلسطينيين.
لقد أثبت التاريخ أن تأييد أمريكا الكامل للكيان الغاصب ورئيسه مجرم الحرب، ليس خيارا منفردا، بل هو سياسة دائمة مستمرة لأمريكا، فالصهيونية وتغلغلها في المؤسسات الأمريكية جعلت من أمريكا دولة وظيفية في خدمة المشروع الصهيوني، الذي ترعاه “الأيباك” وغيرها من المنظمات والمؤسسات النافذة والمتحكمة في أغلب الفاعلين السياسيين في دولة الماريكان“.
ثم إن الغرب الذي أنشأ وحمى هذا الكيان السرطاني يَعتبر هذا الأخير عُمقَه الاستراتيجي والذي يحفظ وجودُه في قلب الأمة للحيلولة دون أي وحدة عربية، أو حتى سوق مشتركة بين دول المنطقة، حيث يلعب الكيان الدور الأساس في استنزاف ثرواتها لفائدة الشركات المتعددة الجنسية المهيمن عليها من طرف الرأسمالية الصهيونية (الأمريكية)، وذلك من خلال تركيع الساسة العرب بطرقه المختلفة.
فهل صدق “النتن ياهو” في خطابه أمام الكونغريس عندما صرح بوضوح قائلا:
“إننا لا نقاتل من أجل إسرائيل فقط وإنما من أجل أمريكا أيضا”؟
بالنظر إلى الواقع والتاريخ يمكننا الجزم بأن الكيان الغاصب يقاتل بالوكالة عن الولايات المتحدة الأمريكية أو لنقل عن بالوكالة عن شركاتها، فما تَصْرِفه أمريكا من مليارات الدولارات لفائدته، وما تقدمه من دعم عسكري وسياسي له، وما توفره من تغطية دولية على جرائمه، بالإضافة إلى استعمالها المستمر لحق الفيتو ضد أي قرار لمجلس الأمن يدينه، يجعلنا نستيقن أن أمريكا دولة وظيفية تشتغل لصالح الشركات الكبرى الصهيونية الأمريكية التي تتحكم في الاقتصاد الأمريكي والقرارات السيادية الأمريكية.
الأمر الذي يجعل استقبال الكونغريس لقائد الكيان المجرم، هو استقبال لأحد قادة أمريكا الصهيونية وليس لحليف استراتيجي فقط، ويزيد الأمر تأكيدا تصريحات وزير الخارجية اليهودي “بلينكن” منذ بداية الطوفان أنه يأتي لدولة الكيان ليس كوزير خارجية أمريكا ولكن كيهودي (صهيوني) مخلص.
لكن بالمقابل لا تريد دول المسلمين ولا نخبها المتواطئة مع المشروع الصهيوني، لشعوبها أن تفهم الدلالة الصريحة لكلام “النتن ياهو” أمام المؤسسة التشريعية، والتي تفيد أننا نحن المسلمين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مستهدفون مستقبلا بالقتل والتدمير.
فتصريحات رئيس الكيان المجرم، تفيد أن الحرب على فلسطين ستستمر إلى غاية تصفية أي مقاومة لمشروعه الاستيطاني التوسعي في المنطقة، فهو يريد خلفا لمحمود عباس يُعَبِّد بني فلسطين أصحاب الأرض لبني “إسرائيل” الغزاة.
إن أحداث غزة ومواقف الدول العربية أظهرت بشكل لا يقبل التشكيك، أننا نعيش حملة إمبريالية جديدة، تلعب فيها دويلة الكيان الغاصب دور القائد، في حين يشكل “الصيانيم” جيوشها المتقدمة والمخترقة للحكومات العربية.
وفي الحقيقة استطاع الكيان الصهيوني أن يؤدي هذا الدور حيث تم تركيع كل قادة العرب، بكل الطرق الممكنة، ولا يفصلنا عن بداية شرق أوسط كبير سوى القضاء على حماس وفصائل المقاومة، خصوصا بعد القضاء على كل الجيوش العربية (العراقية والسورية واليمنية والليبية) والتمكين للفوضى الخلاقة في الدول التي كانت تشكل تهديدا لدولة الكيان.
ومما يزيد من قابلية المجال لتنزيل مشروع إسرائيل الكبرى استصحابنا للدور المصري في جرائم الكيان ودعمه لتصفيتها، هذا بالإضافة إلى قيامه بتصفية جماعة “الإخوان المسلمون” الداعم التاريخي والمتبني للقضية حتى قبل ولادة الكيان المشؤوم، وعزل الأستاذ مرسي رحمه الله أول رئيس مدني منتخب عرفته مصر.
إن دولة الصهاينة هي إكسير الحياة للصهيونية الدولية، وهي منتوجها الأول المخطط له في أول مؤتمر صهيوني عقد في بال سنة 1897، كما تثبت ذلك وثائقه، لذا فمؤسساتها الدولية تستعمل هذا الكيان الوظيفي في تخريب الدول الإسلامية وتطويع قادتها منذ النكسة بل منذ النكبة إلى اليوم للاستحواذ على الأرض الإسلامية ومقدرات الأمة.
إننا عندما نستحضر ما تم تنفيذه بعد 11 من شتنبر 2001، خلال ما أسماه بوش حربا صليبية، والتي اتخذوا لها اسما مستعارا وهو “الحرب على الإرهاب والتطرف”، ندرك أن عشرين سنة كانت كفيلة بتنقية المجال وإعداده لتوسيع حدود الكيان الصهيوني، وخلق أمر واقع قبل رسو نظام دولي جديد على وجهٍ مستقر.
ولعل من أهم نتائج مرحلة “الحرب على الإرهاب والتطرف“:
أولا- تصفية كل الفصائل المساندة والمتبنية لقضية فلسطين والتي كانت تشكل تهديدا دائما للكيان المجرم الغاصب، ومنها:
– تنظيم القاعدة.
– باقي التنظيمات الجهادية.
– الغالبية العظمى من الجماعات الإسلامية في مصر والسودان والسعودية واليمن وليبيا وغيرها.
– تقتيل الكوادر ذات التكوين المهم والخطير، خصوصا العلماء المتخصصين في النووي.
ثانيا- تشويه وتدنيس كل التيارات الدعوية في العالم الإسلامي خلال مسرحية الربيع العربي؛ وتفكيك وحل كل المؤسسات الإسلامية الدولية الكبرى. (مؤسسة الحرمين نموذجا).
– سجن كل الدعاة المؤثرين في الشعوب الإسلامية من أمثال:سلمان العودة، سفر الحوالي وغيرهما بالمئات.
ثالثا- الانقلاب على كل التيارات المعتدلة والتي نجحت في منافسة التيارات العلمانية في البلدان الإسلامية على كراسي الحكم، خصوصا في مصر وتونس.
رابعا- إغلاق القنوات الإعلامية الإسلامية واضطهاد شيوخها الذين فضلوا المنافي الاختيارية على السجون والمعتقلات.
خامسا- تحييد دور المساجد وتحديد الخطاب الديني، وعزل كل الخطباء والوعاظ الذين لا يتكلمون وفق مقتضيات ضبط الدور الجديد للمساجد وتحييده من الصراعات مع أعداء الأمة.
سادسا- تعديل المناهج الدراسية وملاءمتها وفق ما يخدم الهيمنة الصهيونية، المتسترة وراء دعاوى التعايش والسلام ومحاربة الانغلاق والتطرف.
سابعا- تحريف مفهوم الجهاد وتدنيسه، وتجريم استعمالاته ولو كانت حقا وصوابا، حتى أصبح مرادفا للإرهاب.
فهل الكيان الصهيوني هو من قام بهذا كله؟
أم الولايات المتحدة الأمريكية الوظيفية، المهيمن عليها من طرف الصهيونية العالمية بتواطؤ سافر مع القادة والنخب الفاسدة في بلدان المسلمين؟
إذا ألقينا نظر ة متفحصة لدلالات أهم ما جاء في خطاب مجرم الحرب تبين لنا هذا التواطؤ، وهذه الطبيعة الوظيفية للولايات المتحدة الأمريكية، وفهمنا لماذا لم يستطع أحد في العالم إيقاف المجازر في فلسطين.
فضدا على العالم ورغم الاحتجاجات في كل ربوع المعمورة يجرؤ مجرم الحرب على إرسال رسالة لكل الشرفاء في العالم لخصها في قوله:
“سنقاتل حتى تحقيق النصر وهذا التزامنا”. مضيفا: “القدس عاصمتنا الأبدية التي لن تقسم مرة أخرى“.
إننا أمام حقيقة لابد أن يعيها الجميع: نحن أمام تصفية حقيقية للقضية الفلسطينية في أفق تنزيل متقدم وحقيقي لمخطط الشرق الأوسط الكبير برئاسة دولة الكيان الصهيوني، والذي يعني البداية الفعلية لعهد “إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات” ولو اقتضى الأمر إبادة الشعوب العربية وليس الفلسطينين فقط، الشعوب العربية التي يتكلف قادتها السياسيين بضبطها وقمعها، وفرض التطبيع عليها، في مشهد مخزٍ لتواطؤ النخب العلمانية التي تدعي الحداثة والتقدمية وخنوع كامل للسياسيين الفاسدين.
يمكننا أن نفهم هذا من خلال التواطؤ السافر للدول العربية مع الكيان الصـهيوني، وذلك من خلال التعمق في استنباط دلالة الدور السعودي والإماراتي في توفير الدعم الكامل للكيان الصهيوني، بالتعاون مع دول خليجيةوعربية أخرى، خصوصا بعد سد اليمنيين لخليج المندب في وجه السفن الصهيونية.
ثقة “النتن ياهو” بإخلاص القادة المركَّعين، جعله يطلب منهم تأييد الكيان المغتصب وذلك بالمضي قدما في سياسات التطبيع التي أوقفها طوفان الأقصى.
فهل هذا الطلب من “النتن” مقرونا بدعمه للمجرم ترامب في خطابه أمام الكونغريس في سياق سباق الرئاسة، يمكن أن يجعلنا نستيقن أن قطار التطبيع سيركبه باقي القادة العرب خصوصا في السعودية والكويت وباقي الدول العربية، إذا ما فاز الأصهب راعي البقر بولاية جديدة لرئاسة أمريكا، وسنراه يطلب منهم أن يسحقوا شعوبهم حتى تقبل بإعادة انتشار العنصر العبري المتصهين في أقطار بلدانهم وترضى بهم عمالا وولاتٍورؤساء للجهات وبرلمانيين ومسؤولين كبارا.
لقد أصبح جرء كبير من هذه الصورة حقيقة على أرض الواقع، ويؤكد ذلك “النتن” بقوله في نفس الخطاب:
“سنعمل مع شركائنا العرب لنحول منطقة فقيرة ومضطربة إلى واحة للازدهار والأمن”. وقوله: “سنعمل مع الولايات المتحدة وشركائنا العرب لنحول منطقة فقيرة ومضطربة إلى واحة للازدهار والأمن“.
فمن هم يا ترى شركاؤه العرب غير دول التطبيع والخنوع؟
من خلال ما سبق نخلص إلى التأكد من أن التطبيع وإبادة كل مقاومة للكيان الصهيوني في فلسطين هما شِقَّا المقص القذر الذي ستقطع الصهيونية به أوصال العالم العربي، وتستعبد شعوبه من البحرين إلى المغرب، فإن لم تستيقظ النخب وتوقظ شعوبها، فسنصبح دوابًّا في حظيرة الصهاينة كما هو منصوص لديهم في تلمودهم الذي تتبعه حكومة النتنياهو حرفيا في التعامل مع المسلمين والفلسطينيين.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.