هل كان ابن تاشفين متحولا أو شاذا جنسيا؟

26 نوفمبر 2025 20:58

هل كان ابن تاشفين متحولا أو شاذا جنسيا؟

هوية بريس – مولاي التهامي بهطاط اليعكوبي

عادة ما أتجنب التعليق أو حشر نفسي في النقاشات التي تدور حول مسألة ما ترتبط بالأمازيغية، وذلك لأسباب يطول شرحها.

لكنني أحيد هذه المرة عن هذا “المبدإ”، لأن واجب النصيحة يفرض علي ذلك.

والمناسبة هي الضجة المفتعلة حول ما اسماه اصحابه “قرآن بورغواطة”.

بطبيعة الحال من العبث مناقشة القوم في هذا الموضوع، لأنهم لا يقبلون نقاشا على اية قاعدة، ويفضلون جلسات المقاهي التي يطلقون فيها الكلام على عواهنه دون دليل، بل وأحيانا في تغييب تام حتى لابسط قواعد التفكير “الطفولي”، لأنهم يعرفون مستوى “زبنائهم” جيدا.

فأنا أستغرب مثلا، كيف أن ذ. عصيد، وزميله دكتور “الإعدادي” احتفيا واحتفلا بقرآن “صالح تامسنا”، ونسيا كل ما قالاه في حق صحيح البخاري وجامعه ورواته ومنهجه.

فكيف وصلتهم أخبار “صالح بن طريف”؟ ومن اين تيقنوا من وجود قرآن “أوحي” إليه؟ وما هو سندهم إلى “بورغواطة”؟

وعلى كل، فالقوم لا يقرأون، ولا يملكون الوقت للبحث في المصادر والمراجع، وتتبع المعلومات التاريخية، إلى جذورها الأولى.. ويفضلون جلسات المقاهي الشعبية.. و”حديث الصينية كايفلط” كما يقولون في قبيلتنا.

وأفتح قوسا لأحيل من يهمه الاطلاع على قصة “قرآن بورغواطة” على مشاهدة بودكاست د. امحمد جبرون التي خصصها لهذا الموضوع، الذي تناوله بشكل علمي بعيدا عن غوغائية القوم.

عود على بدء..

كما أشرت إلى ذلك سابقا، فسبب نزول هذه التدوينة، هو النصيحة الواجبة، وهي مناسبة لتسليط الضوء على حالة د. كلاب، الذي عكس ما يعتقد البعض، يخرب الامازيغية من الداخل، عوض أن يكون عامل بناء، وهذا هو مقصود العنوان أعلاه…

إن من يريد خدمة أية ثقافة، أو إنعاش أية لغة، يجتهد في الإبداع بها وفيها ولها، ولا يخوض المعاركة الخاسرة مسبقا.

فهل يجتهد دكتورنا و”أشباهه ونظائره” في هذا الاتجاه؟

والجواب بالنفي قطعا.. وموضوع “قرآن بورغواطة” آخر دليل.. لأنه كشف أن الرجل -كغيره- يبحث عن “البوز”، وكل تحصيله في هذا المجال هو نتف من الكلام الذي لا اصل له، أو تم “تصبينه” بـ “مسحوق إيديولوجي” رخيص أفقده لونه وبقية مواصفاته ..

وقد قلت سابقا، في سياق مختلف، إن الباحث الحقيقي، هو من يضع الفرضية، ثم يبرهن عليها بأدوات البرهنة المعتبرة علميا ومنهجيا، لا ذاك الذي يضع نتيجة ويبحث لها عن شواهد ومعضدات بـ”السيف”..

وكما قلت سابقا أيضا في سياق آخر أن اللغات والثقافات مثل العملات، تطرد الجيدة منها الرديئة من التداول، ولهذا فحين ينشغل أحدهم بمحاربة لغة ما بدل إنعاش لغته، فإن النتيجة محسومة مسبقا، خاصة حين يتعلق الأمر باللغة العربية، التي هي لغة القرآن.

والمضحك المبكي، أن الأمر وصل بالبعض إلى الاعتقاد بأن التزوير المفضوح للتاريخ، من شأنه المساهمة في ربح هذه المعركة، حتى أن أحدهم كتب ذات مرة أن الحضارة الأندلسية، لم تكن لا عربية ولا إسلامية، بل كانت أمازيغية، ولم يسأل نفسه بأية لغة دونت هذه الحضارة منتوجها الفكري، وكم نسبة المادة الدينية في هذا المنتوج؟

إن النصيحة المقصودة هنا، ينبغي توجيهها لحكماء الأمازيغية

لغة وثقافة وتاريخا، لأنهم -كغيرهم من النخب المغربية الحقيقية في مختلف المجالات- اعتكفوا وانعزلوا وتركوا الساحة لمجموعة من المهرجين.. الذين هم في الواقع اشد الناس عداوة للأمازيغية، بدليل أنك لا تجد لأحدهم بحثا أو تأليفا أو محاضرة، فيها حد أدنى من المنهجية العلمية تخدم “القضية”، بل لا شيء سوى التهريج، وباللغة العربية حصرا، لأن الهدف هو رفع نسبة المشاهدات، واستفزاز جهالات ممثالة من ضفاف أخرى.

إن أكبر مؤشر على أن هؤلاء هم من أعداء الأمازيغية وليسوا من انصارها، أنهم اكتفوا بالتشكيك في أرقام الإحصاء الأخير الذي أكد تراجع أعداد الناطقين بالأمازيغيات من 25.8 بالمائة سنة 2014، إلى 24.8 بالمائة سنة 2024، أي بنسبة 1 في المائة خلال عقد من الزمن، بدل أن يبحثوا عن الأسباب والمسببات، وعلى رأسها الثورة المعلوماتية التي اقتحمت كل شبر في المغرب.

والغريب أكثر أن هؤلاء لم يعلقوا أصلا على خلاصات تقرير النسخة الثالثة للبحث الوطني حول الرابط الاجتماعي 2023، الصادر عن المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية، والذي أعتقد أن من أهمها تأكيده على أن: “إضفاء طابع الرسمية على الأمازيغية، ولا سيما بوصفها لغة تعليم، لا يجد صدى كافيا لدى المغاربة، وبأن المطالب المتكررة مسألة نخبوية”… وأنه بالنسبة للغة التعليم فإن “ما يقرب من 3 أرباع المغاربة يعربون عن تفضيلهم للعربية الفصحى كلغة أولى…” والبقية يفضلون اللغات الاجنبية طبعا..، إضافة إلى معطيات أخرى في غاية الأهمية يمكن الاطلاع عليها مباشرة في أرشيف المعهد.

فما الذي ستستفيده الأمازيغية -دون شبهة دليل تاريخي- من ترقية صالح بن طريف، إلى  درجة نبي؟ ومن ادعاء أنه أوحي إليه قرآن خاص به؟

إن طفلا صغيرا يمكنه أن يتساءل هنا بكل براءة: نبي أمة أمازيغية، اسمه عربي واسمه أبيه عربي، وكتابه عربي، ولسانه عربي، وشريعته عربية؟

وكيف يتفق هذا مع القاعدة “المنطقية”.. “وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ”؟

والجواب عن كل هذه الاسئلة، أن “حكاوي القهاوي” التي يمارسها دكتورنا وسابقوه ولاحقوه وضيوفه من “البورغواطيين”، لن تغير لا وقائع التاريخ، ولا حقائق الواقع.

وأختم بملاحظتين:

أولاهما تتعلق باعتراف دكتورنا بأنه عربي من جهة الأب، إدريسي من جهة الأم، لكنه قرر أن يعتبر نفسه أمازيغيا..

هذه “النظرية” كان حري به أن يعالجها كأطروحة “دكتوراة”، لأنه قد يبث أن تغيير “الحمض النووي” ممكن إذا تم مزجه بقليل من الإيديولوجيا، و”استحمار” المتلقي..

ولا أدري كيف سيفسر ذ. محمد بودهان هذه النظرية، التي تعاكس نظريته “الشهيرة” حول “التحول/الشذوذ الجنسي” الذي يعرفه بأنه “الانتقال والعبور من الجنس القومي الأصلي (جنس عربي، أمازيغي، تركي، فرنسي…) إلى جنس قومي آخر. وفي الحالة المغربية المتحولون الجنسيون هم الذين انتقلوا وعبروا من جنسهم الأمازيغي الإفريقي إلى جنس عربي أسيوي.”؟

أما الملاحظة الثانية، فتتعلق بالادعاء بأن يوسف ابن تاشفين رحمه الله، لم يكن يعرف اللغة العربية، وهو الذي تخرج من “الجامعة الصيفية” لعبد الله بن ياسين، التي لم تكن تستعمل الابجدية الفينيقية أو الرومانية طبعا، ولم تكن تدرس تفسير قرآن تامسنا.

إن هذه الشبهة المضحكة، هي أكبر طعن في الأمازيغية وفي رموزها ورجالاتها.

فلو كلف دكتورنا نفسه عناء الاطلاع على حجم النهضة الفكرية والعلمية والأدبية التي عرفها المغرب المرابطي “المتنوع” الممتد من جنوب فرنسا إلى نهر السينغال، لسأل نفسه كيف لقائد من مستوى أمير المسلمين ابن تاشفين، أن يوفر الشروط الضرورية لبناء حضارة عربية إسلامية موازية، بل متفوقة احيانا على حضارة العباسيين، بدل دعم لغته الأم التي “لا يتقن” غيرها؟ وهي جريمة لم يتورط فيها المرابطون وحدهم، بل شاركهم فيها ملوك الموحدين، وملوك المرينيين، الذين اختاروا اصلا أسماء عربية لدولهم وحتى لسلاطينهم، واكرموا الشعراء الذين مدحوهم بلغة “أجنبية”؟

أما السؤال الاهم الذي اتمنى أن يتطوع دكتورنا للإجابة عليه فهو: أليس يوسف  بن تاشفين هو من قضى على بورغواطة؟ فهل كان هو ايضا “متحولا جنسيا” وعميلا لعرب المشرق؟

صدق السوريون : “مجنون يحكي وعاقل يسمع”.

ختاما..

لو جاز لأعداء الأمازيغية من القومجيين العروبيين المتطرفين التعليق على ما جاء أعلاه لقالوا: “شكرا.. لقد تم الاختراق بنجاح”..

فمن قصص عجائز قريتي.. أن الوطواط كان يذهب صباحا عند الطيور ويقول لهم أنا اخوكم “وهادو جنيحاتي”.. وفي الليل يذهب عند الفئران ويقول لهم أنا أخوكم “وهادو وذيناتي”..

ومن قصص التاريخ التي تتكرر باستمرار.. أن الذي يبيع قومه.. لا يمكن أن يثق به قوم “آخرون”..

ألا هل بلغت؟

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
7°
19°
السبت
20°
أحد
20°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة