هل للكافر حسنات؟
هوية بريس – محمد زركوط
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه آجمعين
والله اشتد عجبي من زمان عظمت فيه الجرأة على كتاب الله وأحكام الدين، حتى أصبحنا نسمع من لعله لا يعرف الفعل من فاعله يقول “حسب فهمي للآية” ولم يكلف نفسه الرجوع لأسباب النزول ولا سياق الآية ولا أقوال العلماء… وقد قال أبو بكر الصديق وهو الصحابي الملهم والعربي القح والقرشي الأصيل، قال لما سئل عن آية من كتاب الله: أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إن أنا قلت في كتاب الله ما لا أعلم.
ليس كلامنا هذا حجر على العقول والأفهام بل طلب لهؤلاء أن يتعلموا قبل أن يفتحوا أفواههم على ما لا علم لهم به. فلكل علم قواعده وقوانينه، ولا أحد يتجرأ على علم الطب ويقول “حسب فهمي للدواء والمرض”…
ومن المواضيع التي أثير نقاشها مؤخرا واقتحم فيها الأصاغر لجة بحر القرآن دون دراية بالغوص فيه، موضوع جزاء الكافر (الذي يفعل أعمال الخير) في الآخرة، فسمعنا البعض يقول: “إن الله أعدل من أن لا يجازي إنسانا على حسن خلقه” وكأنه وكيل عن الله ليحدد حدود عدل الله وصوره وشروطه.
بل يزيد تطاوله وجرأته فيلمز سنة المختار المصطفى صلى الله عليه وسلم ويقول (أن هذا الأمر تشير إليه بعض الأحاديث المروية وهي عبارة عن أخبار متواترة قد تكون صحيحة أو غير ذلك” ولو علم صاحب المقال معنى المتواتر لأغلق فاه واستحيى أن يفتحه.
أولم يعلم هذا أن الله نفسه قال في كتابه:
1.: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ) [آل عمران: 91]…. واذا كان ملء الارض ذهبا، وهذا من التعجيز الواضح، لن ينفع الكافر في الاخرة .. فان ما كان دون ذلك لن ينفع الكافر قطعا، وعليه فكل ما يقدمه الكفار من اعمال ظاهرها الصلاح والخير، بمقياس الناس، لن تنفع احدا في الآخرة ما لم يقم بها وهو مؤمن بالله، لان العلة في الآية هي الكفر، وليس بعد الكفر ذنب.
2.وقال: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [المائدة: 5]… وهذه الآية تنص بمنتهى الصراحة على إحباط عمل الكافر، وخسرانه لعمله في الآخرة. والسبب صراحة هو الكفر اي عدم الإيمان .
3.وقال: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [البقرة: 217
وهذه الآية تشبه ما قبلها، لكنها تضيف ان مصير الكافر النار بغض النظر عن اعماله في الدنيا حتى لو كانت صالحة، لأنها عممت الكلام عن العمل ،ولم تخصص.
4.وقال: (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً) (الإسراء:19)… وهذه الآية الكريمة تنص بوضوح على أن من شروط قبول العمل في الآخرة واعطاء العامل حقه او اجره عليه -وسماه السعي والسعي عمل -عند الله عز وجل، أن يكون العامل مؤمنا بالله .
5.وقال: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ) (الزمر: 65)، وقال: (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام:88)
وهاتان الآيتان نصتا بوضوح، ان الشرك- وهو أخ للكفر، ونقيض للايمان- سبب لحبوط الاعمال في الاخرة، ولو كان صاحبها من الأنبياء.
6.وقال: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) (النساء: 4). وقال (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل: 96). فالشرط الصريح” للحصول على الأجر في الآخرة اي المنطوق، هو الايمان “وهو مؤمن”.. ومفهوم المخالفة “وهو كافر”.. فالثواب على العمل للمؤمن، ولا ثواب في الاخرة للكافر.
7.وقال ” مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْم ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمْ اللَّه وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ “(آل عمران 117) قال القرطبي : وَمَعْنَى الْآيَة : مَثَل نَفَقَة الْكَافِرِينَ فِي بُطْلَانهَا وَذَهَابهَا وَعَدَم مَنْفَعَتهَا كَمَثَلِ زَرْع أَصَابَهُ رِيح بَارِدَة أَوْ نَار فَأَحْرَقَتْهُ وَأَهْلَكَتْهُ , فَلَمْ يَنْتَفِع أَصْحَابه بِشَيْءٍ بَعْد مَا كَانُوا يَرْجُونَ فَائِدَته وَنَفْعه .
8.وقال: ” وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ” (النور 39) قال القرطبي أيضاً ” : وَهَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه تَعَالَى لِلْكُفَّارِ , يُعَوِّلُونَ عَلَى ثَوَاب أَعْمَالهمْ فَإِذَا قَدِمُوا عَلَى اللَّه تَعَالَى وَجَدُوا ثَوَاب أَعْمَالهمْ مُحْبَطَة بِالْكُفْرِ ; أَيْ لَمْ يَجِدُوا شَيْئًا كَمَا لَمْ يَجِد صَاحِب السَّرَاب إِلَّا أَرْضًا لَا مَاء فِيهَا ; فَهُوَ يَهْلِك أَوْ يَمُوت.
أما في السنة:
1.فروى مسلم في الصحيح: إن الكافر إذا عمل حسنة في الدنيا أطعم بها طعمة في الدنيا، ولا يبقى له في الآخرة شيء”
2.وروى مسلم كذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار )
3.وعن عائشة رضى الله عنها؛ قالت: قلت: يا رسول الله! ابن جدعان، كان في الجاهلية يصل الرحم، ويطعم المسكين، فهل ذاك نافعه؟ قال: لا ينفعه، إنه لم يقل يوما: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين” قال الإمام النووي: معنى هذا الحديث أن ما كان يفعله من الصلة والإطعام ووجوه المكارم لا ينفعه في الآخرة لكونه كافرا.
لأنه كفره يحبط عمله نسأل الله السلامة.
فهل من عدل الله حسب فهل الألمعي العبقري أن يجازي من لا يؤمن به أصلا ويشرك به.
نعم من عدل الله أن عذاب الكافر المحارب الظالم أشد من عذاب الكافر المسالم لكنهم في جريمة الكفر سواء.
فهل بعد جريمة الكفر والشرك جريمة، وما فائدة حسن الخلق مع الناس وسوء الخلق مع الله؟
وأضرب لذلك مثلا لمن كان له قلب أو القى السمع وهو شهيد.
تصوروا موظفا في شركة كان حسن الخلق مع الموظفين يكرمهم ويحسن إليهم. لكنه مع صاحب الشركة سيئ الخلق خبيث النفس يعصيه ولا يعترف بربوبيته للشركة، وصاحب الشركة مع ذلك لا يقطع راتبه ولا يعاقبه ويمهله وينبهه ويصبر على أذاه… لكن هذا الموظف ظل في تماديه، بل زاد على ذلك أن إكرامه للموظفين كان من مال الشركة وليس من ماله.. فهل لو قرر صاحب الشركة معاقبته، سيشفع له إحسانه للموظفين؟ وهذا هوحال الكافر (الطيب) يحسن للعباد برزق الله ويكفر بالله ويشرك به. فهل يستحق الجزاء من الله؟
أجيبوا يا أصحاب الفهم السديد.
وأختم بجواب لسؤال قد يتبادر إلى بعض الأذهان حول قوله تعالى: “وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82) وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84)” (المائدة)
وقوله: لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ {آل عمران:113}
وجواب ذلك
أولا أن القرآن لا يناقض بعضه بعضا، ويفهم بعضه في ضوء بعض.
لذا فمعنى الآيات يدخل في سياق الأصول السابقة
فالآية الأولى تتحدث عن طائفة من النصارى الذين لم يتكبروا فآمنوا ولم يبقوا على كفرهم ، لذا أثابهم الله المغفرة والجنة، ” رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ”
وأما الآية الثانية ففي تفسير ابن كثير: أن هذه الآيات نزلت فيمن آمن من أحبار أهل الكتاب، كعبد الله بن سلام وأسد بن عبيد وثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وغيرهم.
ورسالتي الأخيرة
من أقحم نفسه في كتاب الله بما لا يعلم فقد أقحم نفسه موردا من موارد جهنم.
أعاذني الله وإياكم منها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمد زركوط: أستاذ مادة التربية الاسلامية في ثانوية ابن عباد بسطات.