هل ما أصاب أهل غزّة بسبب الذنوب؟

هوية بريس – د.سامي عامري
انتشر مقطع لأحد الدعاة في أنّ ما أصاب أهل غزّة بسبب الذنوب. وانقسم عامة المعلّقين بين معترض شاتم يرى أنّ المتحدّث يزعم أنّ ما أصاب ساداتنا في غزّة بسبب ذنوبهم، وأنّ ذلك بغي منه. ودافع آخرون عن المتحدّث بالقول إنّه قصد ذنوب الأمّة لا ذنوب أهل غزّة، وأنكروا أن يكون في كلامه ما يستحقّ الإنكار.
ولستُ مع هؤلاء ولا أولئك..
1- حملُ كلام المتحدّث على أنّ ذنوب أهل غزّة سبب الدماء التي تسيل، بعيد؛ فإنّ هذا المعنى أقرب إلى الشماتة في الشهداء منه إلى النصح، وهو لا يليق إلّا بأفيخاي أدرعي. وإذا كانت هناك فسحة لحمل الكلام على معنى آخر، فهو الواجب، إلّا أن تنعدم سبُل حسن الظنّ في الكلام.
2- رفع الملام عن الكلام أيضًا فيه من التكلّف ما فيه. لا شكّ أنّ ما أصاب غزّة شديد، ولا أشكّ أنّ الله -سبحانه- قد أسلمنا إلى أنفسنا بسبب ذنوبنا. فهي خطايانا بارزت أمام أعيننا: “وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ” قال الطبري: “وما يصيبكم أيها الناس من مصيبة في الدنيا في أنفسكم وأهليكم وأموالكم (فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) يقول: فإنما يصيبكم ذلك عقوبة من الله لكم بما اجترمتم من الآثام فيما بينكم وبين ربكم ويعفو لكم ربكم عن كثير من إجرامكم، فلا يعاقبكم بها”.
ولكن ما كان يليق بالمتحدّث أن يُجمل ولا يفصّل.. نعم إنّ القتل المستحرّ في ساداتنا في غزّة من ذنوبنا.. ولكن ما هي هذه الذنوب التي أوردتنا المهالك؟ هي كثيرة، والواجب ذكر أعظمها؛ فليست الذنوب سواء.. وهل هناك جريمة أعظم من تعطيل الشرع، وتحكيم العلمنة، وتجريم الدعوة إلى إقامة الدين كلّه، وفرض الليبرالية في الإعلام والتعليم، وتبديد ثروات الأمّة، وتركيعها للغرب، وإعلان العمالة منهج دولة.. لقد كانت الأمّة في أيام الفتوحات تعرف الذنوب الفرديّة، ولم يكن المسلمون في أي من أيامهم ملائكة يمشون على الأرض، وكان لها مع ذلك العزّ والسلطان في الأرض..
لقد كان على المتحدّث أن يفصّل وينصح إذا رضي أن يقتحم باب النصح في هذا الموضوع. لقد أسلمنا الله إلى أنفسنا، وخذلتنا ذنوبنا عن نصرة غزّة بما يرفع عنها المحنة؛ لأنّنا تركنا أمر الله سبحانه بإقامة العدل والقسط بالشرع، فضيعنا ذلك في حياتنا الأسريّة، وأعظم من ذلك تفريطنا في الشرع في باب سياسة الدولة؛ والدولة هي أصل صياغة واقع العلاقات الاجتماعية لأنّها متنفّذة في عامة مداخل تنظيم أوجه حياة الأفراد والجماعات تحتها. واستعظام انتشار العري والفجور في البلاد العربية دون التنبيه إلى أنّ الأنظمة هي الراعي الرسمي لذلك -دون تبرئة الأفراد من إثم المتابعة-، قصور، بل تدليس ظاهر.
ثم إنّ معارك اليوم هي معارك جيوش لا معارك جماعات؛ وقد أجرمت الأمّة -كلّ الجرم- أنّها لم تُقِم على الأرض دولة تحمي الدماء وتصون الأعراض، ورضيت أن تكون الجيوش لحماية العروش “المقدّسة”. وشعار القوم: “يا نحكمكم، يا نقتلكم”!.
جلدُ الأفراد وحدهم، أو غمغمة الكلام بما لا يورث السامع فهمًا، جناية على الفتيا..
ما أصاب ساداتنا في غزّة سببه ذنوبنا. حقيقة لا مراء فيها.. وبيان هذه الذنوب واجب؛ فما قيمة النصيحة إذا كانت لا تهدي إلى التوبة؟!
بيان..



