هل “مدونة وهبي” تخص البورجوازيين وحدهم..؟

02 يناير 2025 18:28

هوبة بريس – يونس فنيش

في انتظار عرض جميع التعديلات التي تخص مدونة الأسرة على العموم حتى يتمكن المثقفون و الأساتذة المتخصصون، و غيرهم، من استنتاج قراءة شاملة لمتابعة النقاش في ما يتعلق بكذا مشروع قانون يثير زوبعة بعد أخرى منذ الإعلان عن بعض مقتضياته، لابأس من بعض الرؤى المسبقة لما قد يتسبب فيه بناء عن بعض التعديلات المصرح بها إلى حد الآن…

فهناك من قال بأن “مدونة وهبي” ليست مدونة الأسرة بل “مدونة المرأة”، ولكن يتضح أنها في الحقيقة “مدونة الزوجة” أو “مدونة المطلقة”، لأن الأم بدورها ضحية هذا المشروع بحيث يراد تجريدها من حق من حقوقها في الإرث و هو حقها الشرعي الثابت؛ و هي “مدونة الزوجة” أيضا لأنها تجرد الرجل أو الزوج من جميع حقوقه بما فيها إخراجه من بيته و نزع أطفاله منه ليتربوا في حضن غريب تتزوجه مطلقته و على نفقة أب الأطفال و رب البيت الطليق أوالمطلق.

فإذا طلق رجل زوجته فتزوجت برجل آخر بدوره مطلق و لديه أطفال، و تزوج الأول بطليقة الثاني، فسيخرج المطلق (-بكسر اللام أو نصبها لا يهم..-) الأول من داره دون أبنائه ليسكن في دار المطلق الثاني، و هذا الأخير سيسكن في دار المطلق الأول، بحيث كل واحد سيتولى “تربية” أطفال الآخر، و المطلق الأول سيستفيد من النفقة التي سيؤديها المطلق الثاني، و هذا الأخير سيستفيد من النفقة التي سيؤديها المطلق الأول، و “سيربح” أكثر من كان لديه أكبر عدد من الأبناء لأن مبلغ النفقة رهين بعدد الأطفال، و أما الضياع فسيخص الأطفال و نفسيتهم طبعا و الخراب العام الشامل سيعم الأسرة فالمجتمع.

و سيترتب أيضا عن “مدونة وهبي” أن الرجل يمكن أن يأخذ دينا و يصرفه على هواه، في الملاهي و كل ما فيها من أسباب لهدر النقود، مثلا، أو في لعبة “البوكير” أو “الكينو” أو “اللوطو” و ما شابه، و ستكون زوجته مجبرة على التضامن معه و أداء قسط من ذلك الدين أو الدين كله الذي على زوجها المتهور المغفل، بدون موجب حق. و كذلك يمكن للزوجة أن تأخذ دينا لتنفقه في تفاهات و أكسيسوارات باهضة الثمن، و كماليات لا تتناسب مع ميزانية الأسرة، و سيكون زوجها مجبرا على أداء ديون زوجته المتهورة المغفلة، بدون موجب حق؛ أولا و قبل كل شيء لأن الذمة المالية مستقلة..

و أما عن توثيق شرط عدم التعديد في “مدونة وهبي”، فهذا شرط يفسد فرحة الخطيب و الخطيبة على السواء منذ البداية، ناهيك عن كونه شرط يمكن بسهولة إسقاطه بالقوانين الوضعية لأنه شرط يتعلق بحالة نفسية إنسانية آنية و هي الرغبة في الزواج، و ليس شرطا يتعلق ببيع و شراء في مجال العقار أو التجارة…

إذ أن الشاب المقبل على الزواج يريد إكمال تدينه، كما يقال، و ذلك بإنشاء أسرة في الحلال الطيب، إذا ف”مدونة وهبي” تخيره بين الزواج الذي هو ميثاق غليظ في الإسلام و بين إعلان تخليه عن ما يراه حقا من حقوقه الشرعية كرجل، ففي أغلب الأحيان سيكون المقبل على الزواج مجبرا لا مخيرا في لحظة توثيق عقد الزواج، فهو بالتالي شرط لا يجوز قانونا؛ و لا شرعا بطبيعة الحال. و الله أعلم.

و من دون إطالة و كخلاصة، يبدو أن “مدونة وهبي” لن تحل أي مشكل لدى عامة الناس من الفقراء و الطبقة شبه المتوسطة المجتهدة المتبقية و الصامدة إلى حد الآن، بل ستزيد المشاكل تعقيدا خاصة و أنها مدونة ستضرب في الصميم التضامن الأسري و العائلي الذي يجنب الحكومة متاعب كثيرة إلى حد الآن نظرا لارتفاع نسبة البطالة بشكل مهول، كما أن “مدونة وهبي” ستتسبب في العنوسة و العزوف عن الزواج، و ذلك من شأنه أن يعقد مهمة الحكومة في الحفاظ على الاستقرار في ظل تزايد عدد العاطلين و العاطلات عن العمل، لأن “مدونة وهبي”، بحكم الواقع الذي ستفرضه، لن تترك أي شباب لديه عمل قار أن يتزوج من عاطلة عن العمل مما سيضاعف معاناة العائلات و المجتمع كله، و قد يترتب عن ذلك سخط شعبي لا قدر الله. فكأن “مدونة وهبي” أعدت للبورجوازيين وحدهم و ليس لعامة الناس… و الله أعلم.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M