هل نحن بحاجة إلى خطيبٍ أم إلى مُسجِّل صوت؟

هوية بريس – شريف السليماني*
زرتُ مؤخراً إحدى القرى المغربية لحضور جنازة أحد أعلامها، رجلٍ مشهود له بالصلاح والورع، محبٍّ لكتاب الله، ويكفي أن جميع أبنائه، حفظهم الله، من حَفَظة القرآن الكريم أو المقبلين عليه حباً وتعلماً وعملاً.
كان ذلك يوم جمعة، وكان من الطبيعي أن أؤدي الصلاة مع أهل القرية.
دخلتُ المسجد، وبينما لا تزال القلوب معلّقة بخبر الوفاة، والألسنة لا تتحدث إلا عن المرحوم، مناقبه، أثره، صلاح ذريّته، تآزر الناس، واستحضار المعاني الإيمانية العميقة… إذا بنا نُفاجأ بخطبة جمعة عن عيد العرش، وأهمية البيعة، وضرورة الوحدة الوطنية.
لم أكن لأعترض لو أن الموضوع جاء في ظرفه الطبيعي.
لكن في مثل هذا اليوم، وبهذا الحضور الكبير الذي جاء معظمه من خارج القرية، كان الأَولى أن تُخصص الخطبة للحديث عن الوفاة، والعِبَر، والتذكرة، وحسن الخاتمة، وصلاح الأبناء، وفضل القرآن الكريم… كل تلك المعاني التي كانت حاضرة وجدانياً في قلوب المصلين.
شعرتُ -ويبدو أن كثيراً من الحاضرين شعروا كذلك- أن الخطبة مفصولة عن السياق، وبعيدة عن وجدان الناس.
بدت وكأنها خطاب رسمي يُتلى، لا موعظة جمعة تنبع من روح المكان والمناسبة.
ومن هنا أعود إلى موضوع سبق أن تناولته مراراً، وهو: قرار وزارة الأوقاف بتوحيد خطبة الجمعة.
لقد مارستُ الخطابة لما يزيد عن ثلاثين عاماً، وأعرف وجوه الناس، وأسمع صدى كلمات الخطبة في عيونهم ونفوسهم، وأشعر بتأثرهم أو بعدهم الوجداني عنها.
وصليتُ مراراً في مساجد لا أخطب فيها، لأتأمل وأستمع وأُقارن.
ومن هذا المنطلق أقول بثقة وتجربة:
√ الخطيب ليس ناقلاً لخطاب مكتوب، بل هو رسول دعويّ، يعيش مع الناس ويتفاعل معهم، ويترجم نبضهم بلغة الدين والقرآن.
قد يكون التوجيه المركزي ضرورياً في بعض المدن أو المناسبات، لكن في القرى والبلدات الصغيرة، حيث يعرف الخطيب أحوال المصلين، وظروفهم، ومناسباتهم، فـ “أهل مكة أدرى بشعابها”.
وهنا أطرح سؤالاً بسيطاً وعميقاً:
√ حتى إذا تقرر تناول موضوع وطني عام، مثل عيد العرش، أليس من الحكمة ترك مساحة للخطيب ليُدرج فقرة إضافية أو موضوعاً موازياً يعكس خصوصية المناسبة المحلية؟
بهذا وحده نكون صادقين في البلاغ، راشدين في الدعوة، أوفياء لرسالة المسجد، كما كان في عهد النبوة منبراً حيًّا نابضاً بالحكمة والرحمة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* إمام وخطيب وكاتب.



