قبل يومين صدر أكثر من تصريح من قبل قادة العدالة والتنمية أن الحزب سيتصدر المشهد السياسي، فقد صرح أمينه العام سعد الدين العثماني، أنه على الرغم من تغيير القاسم الانتخابي بشكل يسيء إلى الديمقراطية في المغرب (تم اعتماد قاسم انتخابي على قاعدة عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية وليس على قاعدة عدد المصوتين تصويتا صحيحا)، كما صرح رئيس فريقه النيابي السيد مصطفى الإبراهيمي، أن بإمكان حزبه تصدر المشهد الانتخابي بالحصول على مقعد في كل دائرة انتخابية (عدد الدوائر 92) بعدما حرم القاسم الانتخابي حزبه من الفوز بأكثر من مقعد بها، وأنه بإمكان مراكمة أكثر من عشر مقاعد أخرى بالتصويت الجهوي، ليصير عدد المقاعد 104 أو أكثر.
تصريحات جاءت في سياق ملتهب، يعرف فيه العدالة والتنمية أزمة غير مسبوقة بسبب الشرخ القيادي الذي تعرض له مؤخرا بإقدام الأمين العام السابق، عبد الإله بن كيران (رئيس الحكومة السابق ايضا) بتجميد عضويته من الحزب، بسبب مصادقة المجلس الحكومي على قانون استعمال القنب الهندي لأغراض طبية وصناعية.
أزمة تجميد ابن كيران لعضويته، جاءت بعد أزمة تقديم السيد إدريس الأزمي لاستقالته من عضوية رئاسة المجلس الوطني (برلمان الحزب) ومن عضويته في الأمانة العامة.
كما جاءت هذه التصريحات عقب انتقادات واسعة تعرض لها الحزب سواء من داخله أو من قبل خصومه، باختلاف مقاصد كل طرف على حدة.
من حيث الشكل ينبغي التمييز بين تصريح سعد الدين العثماني، وتصريح مصطفى الإبراهيمي، فالثاني، كان يعبئ الجاهزية الداخلية، مفترضا إمكان تحقيق الحزب للصدارة إن كانت الجاهزية في أعلى مستوياتها، وأن القاسم الانتخابي، رغم أنه جاء مصمما في الأصل لمنع الحزب من الحصول على مقعدين أو أكثر، إلا أن بالإمكان تصدر المشهد في ظله، لكن، بالنسبة إلى تصريح العثماني، فقد جاء في سياق حملة تواصلية عاجلة، قررها لتهدئة الداخل الحزبي بعد حملة انتقادات وجهت لأدائه، وبعد أن وصلت الأزمة القيادية لأعلى مستوياتها بسبب سوء تدبيره لعلاقة بين القرار الحزبي والقرار الحكومي.
من الناحية الموضوعية، نسجل أنه من الصعوبة بمكان أن يحصل العدالة والتنمية على مقعد في كل دائرة، فهذا التطلع لم يتحقق في انتخابات السابع من أكتوبر 2016، التي كان فيها الحزب في أعلى مستويات جاهزيته السياسية والانتخابية، وكان تماسكه الداخلي الرأسمال القوي في مواجهة خصومه، وكان الانسجام بين القرار الحزبي والقرار الحكومي مدعاة لتحامل الخصوم على الحزب، واتهام رئيس الحكومة، بكون قرارات حزبه هي التي تدير أعمال المجلس الحكومي. فعلى الرغم من اختراقات الحزب لمناطق لم تكن تقليدية بالنسبة إليه، إلا أنه لم يستطع أن يضمن مقعدا في كل دائرة في بعض الدوائر القبلية أو بعض دوائر الأقاليم الجنوبية (الصحراء) أو بعض مناطق زراعة القنب الهندي (الريف)، وإنما حصل الوفرة في المقاعد في المجال الحضري وفوزه في بعض المدن الكبرى والمتوسطة بأكثر من مقعد وتحصيله لمقاعد في مدن صغرى وفي بعض الدوائر القروية.
اليوم، حصلت تحولات كثيرة، ما من شك سيكون لها تأثيرات على جاهزية الحزب الداخلية من جهة، وعلى قاعدته الانتخابية من جهة أخرى، بل حدثت تحولات في السياسة، سيكون لها تأثيرات على نسبة المشاركة، بما يضعف حظوظ الحزب الذي كان يستفيد من توسع نسب المشاركة، وتحول القواعد الناخبة لعدد من الأحزاب الوطنية إلى منح أصواتها لفائدة العدالة والتنمية.
فالشرخ القيادي الذي يعانيه، فضلا عن غضب الداخل الحزبي، سيكون مؤثرا على جاهزية الحزب، ما لم يتم تطويقه بشكل جدري، من خلال إجراءات تنظيمية وسياسية قوية، فانتخابات الرشيدية الأخيرة، التي لم خسرها الحزب، مع أن هذه الدائرة تعتبر قلعته الاستراتيجية، تشير إلى أن الوضع سيكون أصعب، فبعد هذه الانتخابات التي تم فيها العودة لمنطق القبيلة والأعيان، تعمقت أزمة العدالة والتنمية أكثر، أصبحت القيادة، أو على الأقل جزء منها، تقر بوجود أزمة أو مطبات، بعد أن كانت في السابق تنفي ذلك.
ينضاف إلى ذلك، أن التدبير السياسي للقيادة الحالية، كرس صورة أخرى عن حزب الإسلاميين، فأصبح في نظر كثير من العاطفين السابقين عليه، أشبه ما يكون بحزب إداري، فهذه الصورة، مع القاسم الانتخابي الجديد، الذي يسوي بين أحزاب تحصل على ستين ألف صوت وأحزاب تحصل على ألفين صوتا في الحصول على مقعد واحد، تعزز ثقافة الإحباط والياس من مفعول العملية السياسية، وتدفع إلى عزوف انتخابي سيكون حزب العدالة والتنمية أكبر متضرر منه.
كانت للعدالة والتنمية ميزة نوعية ساعدته في الاستحقاقات السابقة، كونه كان يتمتع بقاعدة انتخابية مستقرة ووفية، اكتسبها من واقع استناده إلى المرجعية الإسلامية ودفاعه عن القضايا الهوياتية، ودعمه لقضايا الأمة. فهذه القاعدة اليوم، تشعر، أن هذا الحزب قد خذلها في محطة فرنسة التعليم، ومحطة الموقف الحزبي من التطبيع (صريحات بعض القيادات)، ثم محطة مصادقة المجلس الحكومي على قانون استعمال القنب الهندي لأغراض طبية وصناعية، والتي ترى فيها خذلان الحزب لمبادئه ومواقفه السابقة.
هذه الاعتبارات الثلاثة، أي التوتر الداخلي الذي يضعف جاهزية الحزب الانتخابية، وتراجع نسبة المشاركة، وهروب جزء من القاعدة الناخبة عن العدالة والتنمية بسبب انزياح مواقفه عن مبادئه، فضلا عن مفعول القاسم الانتخابي، وتغيير نمط الاقتراع في المناطق التي تتراوح ساكنتها ما بين 35 ألف و50 ألف من نمط الاقتراع اللائحي الذي يخدم العدالة والتنمية إلى نمط الاقتراع الفردي، الذي يخدم مصالح الأحزاب التي تراهن على القبيلة والأعيان.
هذه الاعتبارات تجعل القول بإمكان فوز العدالة والتنمية في كل دائرة بمقعد أمرا بعيدا وصعبا، بل ربما تجعل فوزه بالرتبة الأولى احتمالا مرتهنا لقدرة الحزب على التصالح الداخلي، والتصالح مع قواعده عبر القيام بنقد ذاتي صريح ومصارحة ومكاشفة، وهو ما لا توجد مؤشراته في الواقع.
ولذلك، المرجح أن تصريحات العثماني، هي موجهة للداخل الحزبي، أكثر مما هي استشراف سياسي مبني على معطيات دقيقة، فالرجل لا يريد أن يكتب عليه، أن تدبيره السياسي تسبب في الأزمة الداخلية للحزب، ولذلك، يسارع الخطى للإقناع بإمكان تحقيق المعجزة، وأن الأمر يتوقف فقط على الجاهزية الحزبية وتحريك الآلة الانتخابية، وأن الخط السياسي للحزب، لن يكون مؤثرا على نتائجه، فالذي يصنع النتائج هو تحرك القواعد، وتواصلهم مع المجتمع، وأن تمثلات الناس عن خط الحزب الإصلاحي وتحولات موقفه، فهي بسبب حملات خصومه، وأن ما يغيرها هو الحملة التواصلية للقواعد لا تغيير الخط السياسي. عربي بوست