هل يصل خطر التمدد الإقليمي الخليجي إلى المغرب؟
هوية بريس – بلال التليدي
التحولات التي تجري في منطقة شمال إفريقيا تطرح تحديات على الأمن القومي المغربي، وتسائل مفردات الدبلوماسية المغربية التي تنحاز لمبدأ عدم التدخل والحياد الإيجابي، فالتمدد الإقليمي أصبح على خط التماس مع الحدود الشرقية للمغرب، يستثمر حراك الشعب الجزائري لتبئير المنطقة، ونسج تحالفات استراتيجية، ظاهرها تشكيل حزام مناهض للتحولات الديمقراطية والإسلاميين، وباطنها إيجاد موطئ قدم استراتيجي في كل دول المنطقة
المغرب بذل جهدا مقدرا وذكيا في التوصل لاتفاق ينهي الاقتتال في ليبيا، فكانت “الصخيرات” منصة لدينامية دبلوماسية اعتمدت مبدأ رعاية الحوار للخروج بحل سياسي دون توجيه مضامينه ولا الانحياز لأي طرف.
اليوم، ثمة تنسيق إماراتي مصري فرنسي لنسف مخرجات الصخيرات، ومحاولة تحريك الورقة العسكرية لإسقاط الشرعية وفرض أجندة إقليمية ممتدة مضرة بالأمن القومي المغربي.
الجيش في الجزائر (قيادة المؤسسة)، بلغ “توافقه” مع الشعب الجزائري خط الخلاف، فبعد إسقاط الولاية الخامسة واستقالة بوتفليقة، يبدو منزعجا من رفض الحراك لقيادة أحد رموز النظام لدفة الحكم لمدة تسعين يوما التي يقرها الدستور الجزائري، ويسابق إلى اتهام المغرب بمسمى “جهات “معادية تاريخيا للجزائر”، بـ”رعاية بعض العناصر التي تؤجج الحراك بمطالب تعجيزية”، ويبدو من خطابه المعلن أن قدرته على إدارة التكتيكات سيصل إلى الباب المسدود في حالة الإصرار على رحيل رموز النظام، ويمكن أن يلجأ للمغامرة، بافتعال احتكاك مع المغرب للخروج من الورطة الداخلية، وهو في ذلك يتلقى الدعم من المحور الإقليمي.
لحد الآن، ليس هناك وضوح في الموقف الفرنسي بالجزائر، وإن كانت تميل إلى متابعة الوضع باحتياط شديد من إمكان عودة الجزائر للحظة الديمقراطية، لكن، في الجملة، سياساتها في المنطقة تنطلق من تقدير استراتيجي يناهض الإسلاميين والتحولات الديمقراطية، ويتجه لدعم الجهات التي ترعى مصالحها التقليدية، وسلوكها في ليبيا التي تبحث فيها عن موطئ قدم استراتيجي تنتزعه من إيطاليا، يظهر حجم عنف الموقف الذي يمكن أن تلجأ إليه في حال حدوث تحول سياسي معاند لهذه المصالح.
المغرب، يبدو أكثر انكماشا وحذرا، مع أن المخاطر محدقة بأمنه القومي، فهو من جهة، يراقب جهده في الصخيرات يهدده التنسيق الخليجي المصري الفرنسي، فلا يقدم على المناورة، ربما خوفا من الاحتكاك مع فرنسا، مع أن أطرافا دولية كبرى تبدي انزعاجا مما يحدث في ليبيا بما في ذلك الأمم المتحدة نفسها، أما موقفه في الجزائر، فمحكوم بانكماش أكبر، خوفا من أن يتهم برعاية وتحريك الحراك الشعبي الجزائري.
في السياسات الخارجية ثمة حكمة تقول :”أحيانا عدم فعل أي شيء يكون الأحوط والأصوب”، لكن مفعول هذه الحكمة ينسحب على الأوضاع التي تكون خادمة للموقف أو غير مضرة به، أما في الحالة، هذه، فالوضع يحتاج من المغرب إعادة تعريف مصالحه، إذ من الخطر الإبقاء على التعريف القديم، وثمة واقع جديد يصنع في المنطقة، قد يصبح فيه المغرب محاصرا من كل اتجاه.
لا تنقصنا أوراق للمناورة، بل ما ينقص هو الوضوح الاستراتيجي، وهل سيبقى المغرب محتفظا بمفردات دبلوماسيته التقليدية مترددا في الإقدام، ينتظر عودة شركائه للحكمة والتعقل وكف صناع القرار الجزائري عن اتهامه وهو ينأى بالنفس عما يجري بالجزائر، ويخشى الاحتكاك مع فرنسا، أم أن التحولات الجارية والمخاطر المستشعرة ستدفعه إلى تحريك أوراقه وضبط تموقعاته الجديدة؟
المغرب وضع نفسه في دائرة دول التحول الديمقراطي، ومطلب تأمين الاستقرار السياسي فرض عليه أكثر من مرة عدم مسايرة الطلب الخليجي، ومصالحه الاستراتيجية مرتبطة بالبقاء في هذه الدائرة..
لقد كانت لحظة رمزية قوية حينما مدد الملك زيارته إلى تونس إعلانا منه عن دعم التجربة الديمقراطية رغم التحديات التي كانت تواجهها، وربما اليوم نحتاج إلى أن تتحول هذه الرمزية إلى مفردات سياسة خارجية جديدة في المنطقة، تعيد للنموذج المغربي الإشعاع ورمزية الاستثناء في المنطقة، وتشكل في الوقت ذاته، قوة ردع لـ”شركائه غير الأوفياء”، وترفع عنه الحرج في مدافعة سيناريوهات مضرة قد تصنع على شرق حدوده.
بالإمكان المضي في هذه الطريق، لكن ليس قبل أن يتم الاشتغال في الداخل على ثلاث مهام عاجلة، مسار ديمقراطي جدي يرص الجبهة الداخلية، وانفراج حقوقي شامل، وحوار اجتماعي فعال يوفر قاعدة لسلم اجتماعي قوي.
الاستاذ منشغل لربما لأن فرنسا لم تشركنا في لعبتها القدرة في دول الجوار ولو اشركتنا لكان هناك موقف مخالف !!!
اعيد نشر مقال التدخل الفرنسي في مالي الاستاذ بلال التليدي:
في مناقشة المنطق الحدي في التعامل مع التدخل العسكري في مالي
بلال التليدي19-يناير-2013 13:24
المنطق الذي تحدث به بعض الرموز السلفية في مقاربتهم لقضية التدخل العسكري الفرنسي في مالي، يحتاج إلى نقاش للمنهجية التي يتم التعاطي بها في مجال يندرج ضمن السياسة الشرعية المحكومة بمنطق التقدير والموازنة والترجيح بين المصالح والمفاسد.
فالقضية في جوهرها تتضمن جانبين اثنين، يؤولان إلى سيناريو واحد، فمن جهة هناك التحدي الإرهابي الذي يمس منظومة الأمن والاستقرار بالمنطقة، ويرهن مصيرها ومستقبلها بتنظيمات مسلحة إرهابية، ومن جهة ثانية، هناك التدخل الأجنبي الذي لا ندرك بالتحديد خلفياته ونواياه، مما يجعل المنطقة برمتها مرهونة بوجوده أو برهاناته.
فإذا كان الخطر الإرهابي بهذا الحجم من التحدي، فإن مهمة مكافحته، تتطلب تعاونا دوليا يمكن أن يشترط تحديد مفهوم الإرهاب، والتمييز بينه وبين الحق في المقاومة المشروعة للاحتلال، ويمكن أيضا أن يشترط الاتفاق على مقاربة مندمجة في مكافحته، تعطي للبعد السياسي والديمقراطي مكانته المحورية، بل يمكن أن يتم النقاش والتداول أيضا في أشكال هذا التعاون في مختلف مستوياته، ثم تقدير موقف كل دولة باحترام تام لسيادتها واستقلال قرارها السياسي.
كما أن تحدي التدخل الأجنبي، يفرض التساؤل عن شرعيته، وطبيعته ورهاناته، وضرورة تسييجه بالقانون الدولي، بل يفرض قبل ذلك استباقه بالمبادرات الإقليمية التي تستهدف توفير إمكانيات بديلة عن التدخل الأجنبي في مواجهة الخطر الإرهابي لاسيما في شكله العسكري .
بناء، على هذا التكييف، يمكن أن يكون الاختلاف مشروعا حول العديد من التفاصيل التي تخص مشمولات التعاون الدولي، ومن ذلك مثلا الخلاف حول المقاربة الناجعة للتصدي للخطر الإرهابي في مالي، وهل الأولوية للتدخل العسكري أم للحل السياسي؟ بل حتى ذلك الحل العسكري، يمكن أن يكون النقاش حول العديد من التفاصيل فيه، ناهيك عن تفاصيل أخرى يمكن أن تناقش في قضية الموقف من التدخل العسكري الأجنبي نفسه، سواء ما يتعلق بسؤال الشرعية أو شكل التدخل وطبيعته أو التوقيت أو ما يتعلق بسؤال وماذا بعد الذي طرحنا بصدده رأيا في افتتاحية سابقة، أو بالموقف الممكن فعله لتسييج هذا التدخل ألأجنبي ضمن إطار القانون الدولي.
في المحصلة، هذه السعة التي تميز هذا الموضوع، وهذه التفاصيل الدقيقة التي تضطرب فيها موازين الترجيح و الموازنة لإنتاج موقف رشيد بهذا الخصوص، لا ينبغي أن يتم الاستعاضة عنها بلغة الحسم التي قد توظف بعض المفردات الدينية الحساسة.
فتكييف المسألة باختصارها وتبسيطها في اعتداء “صليبي” على دولة مسلمة، واستدعاء الموقف الفقهي الجاهز الذي يعتبر “من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم”، هذا التكييف، لا ينسحب على الواقع، لأن مواصفات الدولة في مالي غير موجودة، فبالأحرى أن يتم الحديث عن دولة مسلمة، هذا فضلا عن كونه تكييفا يستبعد العديد من الحيثيات التي ينبغي أن يؤطرها الاجتهاد الفقهي أيضا، وفي مقدمتها قضية التحدي الإرهابي الذي يهدد منظومة الأمن والاستقرار في المنطقة، بل يهدد الإسلام ويضر بمصالحه في العالم بأجمعه.
المفارقة أن هذا التكييف لم يستحضر من طرف العديد من التنظيمات السلفية لما كان التدخل الأجنبي يستهدف إزالة نظام القذافي، وإلى اليوم، تتطلع تنظيمات سلفية أخرى إلى تدخل أجنبي في سوريا لإسقاط النظام السوري، إذ يتم بسهولة الاستناد إلى تخريجة “تكفير الحكام” لإجازة الخروج عنهم والاستعانة بمن تسميهم “الكفار” للإطاحة بهم، جريا على قاعدة ضرب “الكفار” بـ”الكفار” لتحقيق مصلحة للمسلمين !
هذه المفارقات الظاهرة، تتطلب إعطاء مسافة كافية من هذا المنطق في التكييف، وتبني المنهجية المقاصدية التي تقيس قضايا السياسة بعيدا عن مفردات التكفير والتخوين، إذ تنطلق بالأساس من فهم القضية في جميع أبعادها المعقدة، واستحضار التشابك بين المصالح والمفاسد فيها، واستحضار المصالح في قوتها ومراتبها ومداها الزمني، والأخذ بعين الاعتبار الخارطة الجيوسياسية، والتمييز بين الممكن والمستحيل في السياسة، واختيار الأرجح من الممكن فعله، وغير ذلك من التفاصيل التي يفترض في العقل الأصولي المقاصدي أن يجعلها أدواته في التحليل وإنتاج المواقف.
إن الاشتغال على ترشيد الخطاب له راهنية خاصة في هذه المرحلة، ولعل من أول أولوياته، أن يتم الكف عن استعمال التكفير في حقل التقدير المصلحي، وأن يتم التركيز على تحقيق المناط الذي سيتنزل عليه الحكم (فقه الواقعة) قبل إصداره، وذلك يتطلب الخبرة بالقضايا والملفات في جميع أبعادها.