هل يعقلون.. وإن سمعوا وأبصروا؟
هوية بريس – سعيد المرواني
قال الدكتور موريس بوكاي في كتابه “التوراة واﻷناجيل والقرآن الكريم بمقياس العلم الحديث”: “إنني أعتقد اعتقادا جازما أن هذا القرآن يستحيل أن يكون من إنشاء إنسان كان يعيش منذ أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان. إنه كلام الله”.
قال ربنا ﴿مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا أفلا تذكرون﴾ [ هود:24]، أى: أتشكون في عدم استواء الفريقين؟ لا إن الشك في عدم استوائهما لا يليق بعاقل.
فالفريق الأول يفتقد إلى اﻵليات البديهية التي تمكنه من تلقي العلم وتحقيق المعرفة بغلبة الظن أو اليقين باﻷشياء أما الفريق الثاني فهو سوي يفرق بين اﻷشياء أمامه كما أنه في سمعه نور وفي بصره نور يقيس النتائج على المقدمات فيحدث له اليقين بالنبأ العظيم.
وهذا مثال ولا شك أن اﻷمثلة هي لتقريب المعاني التي ضربت فيها، وإلا الحقيقة الحسية فكلا الفريقين سميع وبصير قال ربنا ﴿إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا﴾ [ الإنسان:2] فمن كمال خلق اﻹنسان أن يكون سميعا بصيرا، وهذه صفة يشترك فيها مع كثير من الدواب على الأرض بل منهم من هو أقوى بصرا وسمعا لكن تلك الدواب لا تدرك قطعا كينونة ومعنى أو أهمية الأجهزة التكنولوجيا مثلا ، واﻷصل أننا ننتظر منها أن تهاجهمها وتعطلها بالعض والضرب أو أن تهملها. بل كثير منها تملك مهارات باعتبار الكيفية وليس العلة والسببية.
فالعبرة بعقل اﻷشياء تفكرا وتدبرا بإلقاء السمع وشهود القلب وليس العبرة بأن تكون سميعا ﴿إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد﴾ [ق:37].
ألا ترى أن شخصين قد يعيشان نفس الحدث في نفس المكان والزمان ثم اﻷول يخرج بحكمة واآخر يضاف جهل على جهله، فمثلا الرياضيات هو علم مقدماته قطعية وحقائقه ملموسة لها تطبيقات ومع ذلك يكرهه بعض الطلاب ويفرون منه ويدعون أنه ممل، ومنهم من يقول إنه غير قابل للفهم لكن طلاب آخرون يتلذذون بحل مسائله بل يجعل لهم معيارية في عقولهم للحكم على كثير من اﻷشياء فالسمع والبصر متوفران كآليات تلقي لكن محل العقل والفهم رافض للقبول والتحليل.
قال عز وجل ﴿فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون 45 فألقي السحرة ساجدين 46 قالوا آمنا برب العالمين 47﴾ [الشعراء] إنه يوم عيدهم اجتمع الفرعون مع شعبه وجنوده وسحرته المهرة لرؤية وسماع ما جاء به موسى وهارون عليهما السلام، نعم لقد رأوا وسمعوا كلهم فماذا كانت النتيجة؟ السحرة عقلوا الفوراق وتدبروا الخوارق فصدقوا الخبر واستسلموا للمرسل أما الفرعون فقد عقل واستكبر أما شعبه وأتباعه فخفاف العقول والتدبر والتفكر لقد أطاعوا المستكبر ﴿فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين﴾ [ الزخرف:54]. موقف واحد مع حضور السمع والبصر والحقيقة جلية بإيمان أهل التخصص بأنه حق وليس سحر، ومع ذلك نفر الذين قالوا إنهم سيتبعون السحرة وليس الحق والناس على دين ملوكهم.
قال ربنا ﴿ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون﴾ [يونس:42].
إذا كلمت أحد الناطقين بالعربية المدعي لسعة الثقافة عن الحضارة اﻹسلامية وأثرها على الحضارة الحديثة تراه يشمئز ويستضغر وإن كانت النصوص أمامه مسموعة ومقروءة والوقائع جلية ولو على المستوى الكلي بل اﻷكثر إن حدثته على أنه لم يكن وجود علمي للعرب لولا التوجيه القرآني والنبوي زاد كبره وفجر في الخصومة، بينما غيره من المنصفين يثبت ذلك قطعا.
يقول بريفولت في كتاب “بناء اﻹنسانية”: “فإنه على الرغم من أنه ليس ثمة ناحية واحدة من نواحي اازدهار اﻷروبي إلا ويمكن إرجاع أصلها إلى مؤثرات الثقافة اﻹسلامية بصورة قاطعة”.
ويقول دريبر في كتابه “بين العلم والدين”: “وإنا لندهش حين نرى في مؤلفاتهم من اﻵراء العلمية ما كنا نظنه من نتائج العلم في هذا العصر”.
نعم انظر كيف أن نفس الشيء ونفس التاريخ أنكره واحد منه وأقره غريبون عنه وذلك لعقل اﻷشياء وفهمها على حقيقتها.
وصدق ربنا عز وجل ﴿أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا﴾ [الفرقان:44].