هل يوقف ترامب الحرب في الشرق الأوسط؟
هوية بريس- محمد زاوي
منذ سنوات قال المفكر الاقتصادي المصري سمير أمين إن “النظام الاقتصادي الأمريكي نظام مغشوش، وإنه سينهار من الداخل، ما دام قائما على السيطرة الخارجية”. فمنذ الحرب العالمية الثانية، بقيت الولايات المتحدة الأمريكية حبيسة هذا النمط من الاقتصاد، حيث ربط العملة والاقتصاد والاستثمار، لا بالإنتاج الداخلي، وإنما بمدى سيطرة أمريكا وابتزازها واستهدافها لدول العالم، خاصة منها دول الجنوب. ويقدر ما يعود هذا النوع من الاقتصاد بالربح على نوع بعينه من الرأسمال المالي الأمريكي (رأسمالية السوق السوداء)، فإنه يضعف الرأسمال الأمريكي عموما ويضر بقدراته الإنتاجية والابتكارية. فيصير أضعف مما كان، ويفقد القدرة على التنافس مع اقتصاد صاعد بوتيرة جد مرتفعة، هو الاقتصاد الصيني.
دونالد ترامب لا يمثل نفسه، وكذلك هم “الجمهوريين”؛ إنهم جميعا بمثابة تعبير عن مطلب رأسمالي يسعى إلى إعادة امتلاك المبادرة الإنتاجية وتنميتها وإعداد الاقتصاد الأمريكي لمنافسة “اشتراكية السوق” الصينية. على هذا الأساس، يرى ترامب أن تواجد أمريكا في “الناتو”، وفي الصراع بين الكوريتين، وفي الشرق الأوسط لحماية “إسرائيل”، وفي تايوان؛ يرى كل ذلك إرهاقا للرأسمال الأمريكي، ويتبنى بدله سياسة العودة إلى الداخل الأمريكي وترميم رأسمال كاد يفقد قدرته الذاتية على منافسة الصين.
من تجليات هذه السياسة إذن، وضع سياسة جديدة في الشرق الأوسط، لعل أبرز عناوينها: “تخفيف التوترات وإيقاف الحروب”. وهنا نتحدث عن مختلف نقاط التوتر في المنطقة، وهي: التوتر بين السعودية وإيران (هناك مصالحة بوساطة صينية)، الحرب في اليمن بين “التحالف” و”الحوثيين”، الانقسام وصراع القوى في سوريا، الحرب في لبنان، العدوان “الإسرائيلي” على قطاع غزة، التوتر العسكري بين إيران و”إسرائيل”، التوتر بين مصر وإثيوبيا، الحرب الداخلية في السودان. وذلك بالإضافة إلى توترات أخرى في المغرب العربي، أبرزها: التوتر بين المغرب والجزائر، والانقسام الليبي. ملفات مشتعلة منذ فتنة “الربيع”، وقد زادها “الديمقراطيون” اشتعالا بمجرد وصول بايدن-هاريس إلى البيت الأبيض.
وما يهمنا في هذه المقالة هو محاولة الإجابة على سؤال: هل يوقف ترامب حرب غزة ولبنان؟ الإطار السياسي العام لدونالد ترامب لا يرفض الحرب فقط، بل يسعى إلى خلق واقع جيوسياسي جديد يحول دون انجرار الولايات المتحدة الأمريكية إلى حرب أو دعم طرف من أطرافها في المنطقة. وقد أبان ترامب عن هذه السياسة من خلال “صفقة القرن”، باعتبارها مشروعا السلام في الشرق الأوسط؛ هناك من رفضه جملة و تفصيلا كإيران ومن يدافع عن سياستها التكتيكية؛ وهناك من قبله دون أن يكون على حساب الفلسطينيين ودول الطوق (مثل مصر والأردن)، وهذا هو الموقف العربي ومنظمة التحرير الفلسطينية عموما.
يبدو إذن أن سياسات ترامب لا تعني إمكان تحقيقها بسهولة، نظر لتعدد مصالح الأطراف في الشرق الأوسط، فمصالح قطر ليست مصالح السعودية، ومصالح إيران ليست مصالح تركيا و”إسرائيل”، ومصالح فلسطين ليست مصالح اليمين المتطرف في “إسرائيل”، ومصالح أمريكا ليست مصالح روسيا؛ ليست المصالح متطابقة بالضرورة، بل إن الأطراف المتقاربة والمُجمِعة على استراتيجية واحدة قد تختلف مصالحها في هذه النقطة أو تلك.
الأمر إذن يحتاج إلى تسويات وترضيات، وربما إلى مزيد من الحرب. فعندما طالب ترامب نتنياهو بإيجاد حل للحرب في أقرب وقت، وقبل تاريخ تنصيبه (حسب تقارير دولية)، فإنه لم يكن يقصد إيقاف الحرب بالضرورة، وإنما الإعداد لهذا الإيقاف، وهو لا يمنع الاستمرار في الحرب والضغط الذي لعل أبرز تجلياته ما يرُوج من حديث عن “إغلاق مكتب “حماس” في الدوحة”، وكذا إقالة “وزير الدفاع الإسرائيلي” غالانت وتعويضه بآخر (غالانت كان ضد الاستمرار في الحرب ويقول إنها أدت أغراضها).
ترامب يفهم أن بعض السلام يتحقق بالحرب، ولذلك من مصلحته الضغط على “حماس” وإيران وفصائلها إلى أبعد الحدود، فهذا بالنسبة إليه هو الشرط الواقعي للسلام. إيران بدورها لا تريد الخروج بأقل المكاسب، وهو ما يفسر التصعيد الذي ينهجه “حزب الله” وباقي الفصائل مؤخرا. “حماس”، رغم ما لحق بها من ضرر، لا تريد أن تتم التسويات على حسابها، وهو ما يفسر تصعيد الضغط عليها من خلال الدوحة.
فإلى أي حد ستجد هذه المعارك حلولا لها في المستقبل القريب؟! وإلى أي حد تستطيع إدارة ترامب الضغط على جميع الأطراف لوقف الحرب؟! وإلى أي حد تستطيع إدارته الاستجابة لمصالح جميع الأطراف؟ وإلى أي حد يتوافق ترامب مع روسيا والصين على واقع جيوسياسي بعينه في الشرق الأوسط؟! شروط اليوم ليست شروط 7” أكتوبر 2023″، وربما أصبح الواقع أكثر قابلية لسياسة ترامب، إلا أن الواقع لا يخلو من تعقيد، وقد لا يستجيب بالسرعة المطلوبة لإستراتيجية ترامب، خاصة في بداية فترته الرئاسية.