همّ الطلبة الأساتذة وهموم المغرب الكبرى
شريف السليماني
هوية بريس – السبت 06 فبراير 2016
من السياسة ومن الحكمة ونحن نتحدث عن الإصلاح أن نولي القضايا المطروحة ما تستحقه من اهتمام. إذ لا شك أن أي قضية أعطيت من الاهتمام أكثر مما تستحق، فإن ذلك سيكون على حساب قضايا أخرى. والإفراط في الاهتمام بهذه القضية سيؤدي حتما إلى التفريط في قضايا قد تكون أكثر أهمية وذات أولوية بالنسبة لعموم المغاربة!
قضية الطلبة الأساتذة قضية تهم فئة قليلة من المغاربة. إنهم بضعة آلاف من بين خمسة وثلاثين مليون مغربي! ثم إن مشكلتهم ليست مع عدو خارجي أو مع شيطان. إن مشكلتهم مع مرسومين صدرا عن حكومة تمثل أغلبية الشعب! وقد أصدرت الحكومة أو الوزارة الوصية هذين المرسومين بناء على رؤيتها واستراتيجيتها للإصلاح، ونظرا لما تتوفر عليه من ميزانية كذلك.
ومن حق أي حكومة أن تصدر من المراسيم ما تراه مناسبا لتحقيق أهدافها، ثم تتحمل مسؤولية نجاح أو فشل هذه المراسيم بعد تنزيلها كما تتحمل مسؤولية نجاح أو فشل فترة حكمها بشكل عام. والذي يحدد فشل الحكومة من عدمه هو غالبية الشعب وليست فئة من فئاته! وغالبية الشعب لا تعبر عنها تظاهرات وإن وصفت بالمليونية! ولا تعليقات على المواقع الإليكترونية أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي! إن الذي يحدد ذلك هي صناديق الاقتراع التي لا يفصلنا عن موعدها وقت طويل.
ومن حق الطلبة كغيرهم من فئات المجتمع أن يحتجوا ويعترضوا حسب ما يسمح به القانون. لكن، لا بد في الأخير من جهة تكون لها صلاحيات الحسم أخلاقيا وسياسيا وحتى قانونيا. لأن بقاء كل الملفات مفتوحة دون حسم سينهك مشروع الإصلاح ويحدث فوضى وتشويشا على الذين يريدون العمل بصدق لإصلاح الوطن.
فالمشكل إذا بين الحكومة وفئة قليلة من أفراد هذا الشعب تدافع عن “مصالحها”، وذلك حقها كما ذكرت. لكن، كيف تحّول هذا المشكل العادي البسيط إلى شبه قضية وطنية؟ ولماذا هذا الزخم والاهتمام الإعلامي حيث لا يكاد يمر يوم دون خبر يتعلق بموضوع الطلبة الأساتذة عبر كل الجرائد والمواقع الإخبارية وغير الإخبارية؟ وقد وصل الأمر إلى مطالبة البعض بإسقاط الحكومة!
إن الاهتمام الذي نالته هذه القضية فاق الاهتمام بكارثة الزلزال الذي ضرب بعض المناطق في المملكة وفاق الاهتمام بكارثة الجفاف الذي يهدد المغرب بأكمله! فهل هذا الأمر طبيعي ومعقول؟
إن الذي يحرص فعلا على مصلحة الوطن والمواطنين عليه أن يهتم بأولوياتهم وبقضاياهم ومصالحهم الكبرى. وإنني أتساءل الآن: أي مصلحة للشعب المغربي في محاولة الزج به في هذا الصراع بين الحكومة ومجموعة من الطلبة؟ ألا يستنزف هذا الأمر طاقة الدولة التي ندّعي الغيرة عليها؟ ألا يهدد أمن المجتمع الذي ندّعي الحرص عليه؟ أليس للمغاربة همّ بل وهموم أخرى غير همّ الطلبة الأساتذة؟
إن بوادر الصراع الإيديولوجي بين الإسلاميين والعلمانيين بدأت تلوح في الأفق وبشكل أكثر حدة، خاصة بعد تصريحات السيد إلياس العماري وما أثارته من ردود أفعال من قبل بعض الإسلاميين.
وإن الصراعات القبلية والعرقية بلغت أوجها بين أفراد المجتمع وفي الجامعات حيث بدأ العنف يحصد الأرواح! ثم إن الموسم الفلاحي الحالي لا يبشر بخير نظرا لشح التساقطات المطرية. ناهيك عن ملفات أخرى كالفساد والرشوة وملف الصحراء المغربية الذي لازال يؤرق كل المغاربة.
لهذا كله، فالحكمة تقتضي أن لا ينال موضوع المرسومين أكثر مما يستحق ويجب أن يطوى وبأية طريقة. ولا يهمني كثيرا إسقاط المرسومين أو بقاؤهما، فلست طرفا في هذا الصراع. وبقدر ما أتضامن مع الطلبة الأساتذة ومع غيرهم ممن يطالب بحقه في التوظيف، بقدر ما أتفهم كذلك إمكانيات الدولة المادية التي لا تسعفها في توفير وظيفة لكل مواطن! لكن الذي يهمني هو أن لا نستنزف جهود الوطن ولا نغامر باستقراره من أجل قضايا هامشية ومطالب فئوية وأمامنا قضايا مصيرية كالتي ذكرت.
إذن فمن حق الوزارة الوصية إغلاق دور القرآن وتوقيف الخطباء … بناء على رؤيتها واستراتيجيتها …
ووزارات أخرى وصية من حقها تنظيم مهرجانات … بناء على رؤيتها واستراتيجيتها …
إلخ نتبع القاعدة
أحسنت وأوجزت. بوركت أخي. لكن الكثيرين لا ينظرون إلى الأمور بهذه النظرة الحكيمة مع الأسف. وهم مستعدون لتخريب الوطن من أجل مطالبهم الخاصة. بمنطق “أنا ومن بعدي الطوفان “