“هوية بريس” تجري حوارا مع د. عبد الكريم القلالي الفائز بجائزة قطر العالمية لحوار الحضارات..
هوية بريس- حاوره: محمد زاوي
فاز الباحث المغربي د. عبدالكريم القلالي بجائزة دولة قطر العالمية لحوار الحضارات، التي تم الإعلان عنها أول أمس الأحد، بالعاصمة القطرية الدوحة.
وحصل الباحث المغربي على المرتبة الثانية، بموضوع “دور وسائل الإعلام في الوقاية والحد من الكراهية وبناء التعاون الحضاري”، فيما تم حجب المرتبة الأولى.
وراكم الفائز بالجائزة مسارا علميا حافلا بالنشر والعطاء العلمي والمعرفي، كما أنه حاصل على شهادة العالمية من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وخريج مدرسة الإمام مالك الخاصة للتعليم العتيق بتطوان.
والدكتور عبد الكريم القلالي أستاذ جامعي متخصص في العقيدة والفكر والأديان، بشعبة الدراسات الإسلامية، بكلية الٱداب والعلوم الإنسانية سايس جامعة سيدي محمد بن عبدالله بفاس.
كما أنه حاصل على الدكتوراه من جامعة القرويين كلية أصول الدين بتطوان، وله مقالات ومؤلفات علمية منشورة، وسبق له الفوز بمسابقة دولية بالجزائر عام 2018.
وبهذه المناسبة، أجرت “هوية بريس” مع الدكتور عبد الكريم القلالي الحوار التالي:
السؤال الأول: أولا نهنؤكم بمناسبة فوزكم بجائزة قطر العالمية لحوار الحضارات، ونرجو منكم إطلاعنا على مضمون البحث الذي حصلتم بموجبه على الهذه جائزة.
جواب: يتناول البحث بالتحليل والنقد واقع وسائل الإعلام وخطاب الكراهية من خلال رصد وتتبع ذيوع هذا الخطاب في الإعلام سيما الإعلام الجديد الذي صار بمقدور كل فرد امتلاكه، ويعرض البحث لمختلف النظريات الإعلامية والمؤثرات التي تجعلها موجَّهة فاقدة لرسالتها الإنسانية النبيلة في بعض الأحيان، وذلك حين تصير هذه الوسائل وسائل لنشر الكراهية بينما يفترض فيها أن تكون من عوامل الوقاية. كما تناول البحث جملة من المواثيق الدولية المتعلقة بخطاب الكراهية وتحليلها وفق معايير قيمية تبدي ما لهذه المواثيق وما عليها، كما تم تقويم جملة من بنودها ومقارنتها بوثيقة المدينة المنورة، وتم عرض جملة من الرؤى الاستشرافية المقترحة للوقاية والحد من الكراهية وبناء التعاون الحضاري وفق أسس إنسانية تراعي الإنسان وتقدر كرامته، إضافة إلى سبل تقليص الفجوة بين الجانبين النظري والتطبيقي، سيما لدى المؤسسات التي تزعم التصدي الكراهية بينما تمارسه في خطابها، وتعتمد الهيمنة والإقصاء.
وتتجلى أهمية الموضوع في كونه يعالج معضلة وآفة واقعية منتشرة وهي آفة الكراهية التي أرقت العالم بما ترتب عنها من آثار، ومن عنايته ببناء إعلام قاصد وهادف بناء يحقق التعارف ويعزز السلم ويسهم في التعاون الحضاري، ومن كونه يبرز جهود “وسائل التواصل الاجتماعي” نحو ما عجز عنه الإعلام الرسمي المكبل بمختلف القيود، واقتراحه لمشروع “التعاون الحضاري” الذي يعتبره الباحث مقصدا للتعارف، والحوار الحضاري، ومشروعا يمكن الانطلاق في تحقيقه بما تيسر من الوسائل.
السؤال الثاني: هل بإمكاننا الحديث عن تعاون حضاري في عالم سادت فيه نظرية صدام الحضارات؟
جواب: نظريات صدام الحضارات يمكن أن أقول لك بأنها سادت بالقوة والغلبة والهيمنة ومنطق سيطرة الأقوى واستلاب حقوق الضعيف، وهي إلى الأفول إن شاء الله، فقط نحتاج زيادة وعي وتعاون بين شعوب العالم من خلال توظيف وسائل الإعلام في الوقاية والحد من الكراهية وتسخيرها في التأسيس لتعاون الحضارات، بدلا من الاقتصار على الحديث عن “حوار الحضارات” وتجاوز الأطروحة الاستعلائية المغذية للصدام، وما ينبغي الاهتمام به وتوجيه الإعلام إليه هو التعاون الحضاري باعتباره مقصدا إنسانيا أسمى ونمطا جامعا لوسائله الأخرى من قبيل “الحد من الكراهية” و”التعارف” و”التعايش” و”المشترك الإنساني” و”الحوار الحضاري” و”تحالف الحضارات” وهذه أمور في نظرنا كلها وسائل مؤسسة للتعاون الحضاري، ومنها ما جاء رد فعل لنقائضها.
ولا يخفى أن الصدام هو الحاصل الآن لأسباب متعددة ومتداخلة منها ما هو اقتصادي وما هو فكري وكل وسائل الصدام من صنع الإنسان، والذي صنع الصدام بمقدوره أن يصنع التعاون، غير أننا في الحديث عن التعاون ينبغي أن نراعي الإمكان والمتطلبات والتحديات، دون إفراط في المثاليات المغتربة عن تحديات الواقع، سعيا للتغلب على ذلك برؤية متكاملة شاملة. ومستندنا في مشروع هذا التعاون الحضاري ما ورد في القرآن الكريم من حث على التعاون على البر والتقوى واجتناب التعاون على الإثم والعدوان ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ (المائدة: 2) وقد وردت الآية في القرآن الكريم في سياق الحديث عن علاقة المسلمين بغيرهم، وتحريم الاعتداء وهي إشارة لها مراميها ودلالاتها. وأرى أن الحضارة الإسلامية تمتلك كل المقومات للانطلاق منها في سبيل تحقيق هذا التعاون إذا توفرت النوايا الحسنة.
السؤال الثالث: هل تساهم، في نظركم، هذه الجائزة ومثيلاتها في التبيئة للتعاون والحوار الحضاريين؟
جواب: هذه الجائزة جزء من الجهود الفكرية التي ينبغي أن تبذل ليعيش العالم حياة آمنة من جوع ومن خوف، ومن خلال اختيار هذه المواضع في مثل هذه الفعاليات العالمية والدولية فإن من شأن ذلك بيان وسائل الإعلام وخطاب الكراهية بين الواقع والمأمول، وتحديد رؤى واضحة للحد من خطاب الكراهية في وسائل الإعلام، وتقديم رؤية نموذجية لدور وسائل الإعلام في درء خطاب الكراهية وصدام الحضارات، وإبراز دور وسائل الإعلام في نشر قيم السلم والتعايش والتعاون الحضاري، بل وأثر الإعلام في التأسيس لحضارات متعاونة وفق رؤية استشرافية تراعي الواقع وتنشد الممكن تتطلعا للأفضل، وبيان أسس مشروع الحضارات المتعاونة الذي ننشده. وهذه أمور كلها بينتها بالتفصيل في ثنايا موضوعي الذي فاز ولله الحمد بالجائزة، وما توفيقي إلا بالله.