هي لحظة للنهوض
هوية بريس – إبراهيم أقنسوس
قليلة هي اللحظات الفارقة في حياة الأمم والشعوب، وبكل تأكيد، وبلا مقدمات كثيرة، تعتبر لحظة مشاركة المنتخب الوطني، لكرة القدم، في إقصائيات كأس العالم، من تلك اللحظات القوية، بالنظر إلى مارافقها، وامتزج بها، من روح وطنية، بدت عالية، ومن شعور متجدد بالإنتماء، شاركت فيه وبحماس ظاهر، جل شرائح المجتمع، حتى لا أقول كلها، ما يعني أن الأمر يتعلق بلحظة يمكن وصفها بالتاريخية، وتتطلب الكثير من التأمل والتدبر، في مساراتها، وما حملته إلينا من رهانات وأسئلة.
هذه اللحظة، بهذه الصفة، هي بين أيدينا الآن، وتتعلق بنا وتهمنا، نحن المغاربة تحديدا، برجالنا ونسائنا، وبكل أطيافنا وألواننا، وتنتظر منا أن نقبض عليها، ونحسن القبض، حتى لا تضيع منا، كما ضاعت منا مثيلاتها، فما أكثر تضييعنا للفرص واللحظات، وتكفي الإشارة إلى : (لحظة الإستقلال وعودة ملك البلاد من المنفى، لحظة المسيرة الخضراء، لحظة عشرين فبراير.
وغيرها ) ؛ هي لحظة تحكي هبة عفوية، جل الأطراف وجدت نفسها معنية بها، بشكل من الأشكال، وبدرجة من الدرجات ؛ والمهم في كل هذا، أن الغاية تكاد تكون واحدة، مفادها، التطلع العفوي والحقيقي والصادق، إلى الظهور والإنتصار، في كرة القدم، وعبرها في كل المجالات الأخرى ؛ وهذه رسالة بليغة، يمكن التقاطها وقراءتها، في ثنايا هذه الهبة، التي بدت مريدة وعازمة. هذه اللحظة تحتاج إلى الكثير من كلام العقلاء، وإلى الكثير من تدبير الحكماء، وإلى الكثير من الجد والإخلاص، وإرادة الإنطلاق الفعلي ؛ فالعواطف الجياشة الآن، سرعان ما ستهدأ، والحماسة المرتبطة بمجريات التنافس الرياضي، سرعان ما ستخبو، فما الذي سيتبقى لنا، نحن المغاربة، بنات وأبناء هذا البلد العزيز؟؟
ما الذي سيحصل لنا وبنا، بعد كل هذا الفرح والكلام الجميل ؟؟
هذا هو السؤال الحارق الذي يواجهنا الآن، ويبدو أن جوابه، لا يقبل الكثير من التسييس، بالمعنى الذي درجنا عليه، وأتعبنا كثيرا ؛ فيكفي أن صناع هذه اللحظة، هم هؤلاء المواطنون والمواطنات، العاديون كما نحب أن نصفهم، هم هؤلاء اللاعبون الجادون، وهذا المدرب العبقري، الذي يتحدث عن تغيير العقليات، وكل هؤلاء الشابات والشبان، الذين نسجوا باقتدار وحب، هذا الالتحام والحضور، عبر ربوع المملكة كلها، وبلا استثناء.
ولنا أن نتذكر ونتفكر، أنه حين كان فريقنا الوطني يسجل الانتصارات، في ملاعب قطر، كانت مياه الأمطار تغمر الكثير من شوارعنا وأزقتنا، وتعوق حركة المرور، وكانت الكثير من الدور في أحيائنا الفقيرة، تتساقط على رؤوس أصحابها، وتطردهم إلى العراء، فما الذي يعنيه كل هذا بالنسبة إلينا؟؟ وما مبرر كل هذا التناقض؛ العواطف الجياشة في جهة، والواقع في جهة أخرى.
تتميز اللحظات الكبيرة في حياة الأمم عادة، بالندرة والقلة، وهكذا هي بداهة، والعقلاء هم من يحسنون استثمارها، بما يجعلها لحظة صحو حقيقية، ونقط انطلاق جديدة، نحو التغيير المنشود، حقيقة لا ادعاء وكذبا، ونحو الانتصار على مختلف المعيقات والتراجعات.