وإنْ عدتم عُدْنا!!
هوية بريس – لطيفة أسير
قرأت كلمة حكيمة للدكتور الفاضل البشير عصام المراكشي يقول فيها: (إذا كان الحماس غير المنضبط مضرّا بقضايا الأمّة.. فإن برودة مشاعر الإيمان المتسترة بلبوس الحكمة، وقسوة القلوب المتدثرة بسربال مراعاة المصلحة، لا تقل ضررا).
تصوير وجيز وحكيم لحالِ أمة أهلكها أبناؤها تارة بالاندفاع والتهور، وأخرى بالصمت والخذلان. فالذي تأخذه الحماسة في فقه الدين ومحاولة تطويعه قسرا ليلائم الواقع فيُحدث فيه ما ليس فيه ويبتدع ما لم ينزل به الله سلطانا يضر به، والذي يبصر (الآخر) يتطاول على دين الله ويحرفه ولا يردعه بدعوى مراعاة المصلحة والتحلي بالحكمة وتجنب الفتن، أيضا يضر به.
ولهذا لا أعتبر الرد على هؤلاء المتفيهقين الذين يتجرأون على شرع الله، ضربا من العبث، أو الاستهلاك الخطابي المتجاوز، بل هو كلمة حق ينبغي أن يقولها كل حامل فقه أو علم أو قلم معذرة إلى ربه يوم القيامة. وكما يعتبرون وقاحاتهم حرية تعبير، وتطاولهم سيرا على درب التنوير، فمن باب أولى أن نمتلك نحن أيضا الحق في هذا التعبير، ليقيننا أن ناصية الحقّ بيد من استمسك بدين الله غير منقوص، غير أن الحرية كما تعلمنا ليست على إطلاقها في شرعنا الحنيف، بل هي منضبطة بضوابط الشرع الحكيم الذي قال عنه ربه (ما فرّطنا في الكتاب من شيء).
ما أحب الإشارة إليه في هذه العجالة أنه بقدر ما تكون خشية الله متمكنة في قلب العبد بقدر ما يكون إذعانه لشرعه ورضاه بتشريعه وإن عجز عن فقه معناه.
وبقدر ما تضعف هذه الخشية في قلب العبد بقدر ما تكون الجرأة على هذا التشريع والدعوة لتغييره بدعوى عدم صلاحيته لمستجدات العصر.
لهذا فطريقة تعاطي المسلم اليوم مع شريعة الله تبقى رهينة بخشيته له ومدى تعظيمه لشرعه، والخاسر من استسهل الاجتهاد في دروبها دون أن يمتلك أدوات هذا الاجتهاد، ولا ورع أهل العلم الذي يشفقون على أحوالهم إن هم أساؤوا فهْم مراد ربهم .
وغير خافٍ علينا أن الإسلام لم يمنع الاجتهاد، ولكن أباحه بشروط وضوابط، وما أعلمه أن الاجتهاد لا يكون في الأمور التوقيفية الثابتة بنصوص شرعية قطعية، فلماذا يصر من ينتسبون للعلم والفقه على (خلق الحدث) بـ(خرجات غبية) لن تزيدهم من الله إلا بعدا.
مشاكل مجتمعنا مردّها سوء تدبيرٍ لشؤون حياتنا بسبب قوانين وضعية فيها شططٌ وعدم مرونة، وليس بسبب شريعة ربانية نعلم يقينا أنها حوَت بين أحكامها وتشريعاتها ما يجعلها تحفظ العدل والأمن والاستقرار لمن يلتزم بها كاملة.
والله كثيرا ما أشعر بالشفقة على هؤلاء المتطاولين من أهل الإسلام، خصوصا حين أبصر من يصفق لهم ويأزهم أزّا للمضي في مسارهم وكأنهم فتحوا حصون الإسلام المستعمرة، أو أزالوا لباس الذل والعار عن أمة المليار الغارقة في المعاصي والغفلة والإدمان والجهل.
سرور وحبور يعلو محياهم وهم يقرأون شعارات التضامن الجوفاء، ولو صدقوهم النصح لبصّروهم بعيوبهم.. لكن متى فُقدت البصيرة فلا حرج على البصر!!
شخصيا لست متضامنة مع من يشكك في كمال الشريعة ويتهمها بالنقص وينادي بتعديل ما قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم (اقْسِمُوا الْمَالَ بَيْنَ أَهْلِ الْفَرَائِضِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ). وخط أحمر -هذه المرة- تحت كتاب الله، أي أن المرجع في قسمة الفرائض هو كتاب الله، وليس مدونة الأسرة، أو أي قانون وضعي.. فافهم (يا الفاهم)!!!
جعل الله هذه الكلمات في ميزان حسناتك، وإن جملة في الدفاع عن شرع الله من أمثالك من المؤمنات القانتات، لهي أشد على العلمانيين والمستغربين من الضرب بالمطارق على جاجمهم المتحجرة.