واشنطن بوست: فظائع صيدنايا.. حين يفرغ النظام السوري السجون بالإعدامات
هوية بريس – الجزيرة
نشرت واشنطن بوست تقريرا مطولا عن حالات الإعدام في السجون السورية، قائلة إن الزنازين التي كانت مكتظة بالمعتقلين أصبحت فارغة جراء الإعدامات الجماعية التي ازدادت بازدياد فرص توقف الحرب في البلاد.
وقالت إنه في الوقت الذي عززت فيه الحكومة السورية سيطرتها، بدأت قوات النظام تضاعف إعداماتها مع تسريع القضاة العسكريين إصدار أحكام الإعدام.
وأشارت إلى أنها قابلت 27 ناجيا أفرج عنهم مؤخرا من سجن صيدنايا العسكري، في مدن تركية -غازي عنتاب وإسطنبول وأنطاكيا وسيفريك- وفي لبنان وسوريا والعراق وألمانيا، وصفوا لها فظائع الحملة الحكومية لإخلاء السجن من المعتقلين السياسيين.
قبل الفجر
وقال النزلاء السابقون للصحيفة إن المعتقلين يُنقلون من سجون أخرى على نطاق البلاد لإضافتهم إلى طوابير الإعدام في قبو سجن صيدنايا، حيث يتم إعدامهم بالمشانق قبل الفجر.
وأوضحوا أنه رغم النقل المستمر للمعتقلين من السجون الأخرى إلى صيدنايا المزدحم كثيرا، فإن عدد المعتقلين في هذا السجن ظل يتناقص كثيرا بسبب الإعدامات التي لا تتوقف، مشيرين إلى أن واحدا من أقسام صيدنايا -على الأقل- قد فرغ من نزلائه تماما تقريبا.
وكان بعض المعتقلين السابقين -الذين تحدثوا للصحيفة- قد حُكم عليهم بالإعدام، لكنهم نجوا من ذلك المصير بعد أن دفع أقاربهم عشرات الآلاف من الدولارات للإفراج عنهم.
ووفقا لناجيين اثنين مثلا أمام محكمة دمشق العسكرية في المقر الرئيسي للشرطة العسكرية بالعاصمة مرتين، مرة في وقت مبكر من الحرب الأهلية وأخرى هذا العام، قارنا بين عمل هذه المحكمة السرية في الفترتين؛ فإن المحكمة كانت متشددة للغاية خلال مثولهما الأخير أمامها إلى حد أن كل من حاكمته في ذلك اليوم قد حكمت عليه بالإعدام، وكانت أحكام الإعدام تُعلن بصوت عال.
يموتون قبل الإعدام
وذكرا أن كثيرا من المعتقلين المحكوم عليهم بالإعدام يموتون قبل وصولهم إلى المقصلة، وذلك بسبب سوء التغذية أو الإهمال الطبي أو التعذيب، وأحيانا كثيرة بسبب الانهيار النفسي.
معتقل سابق آخر حكى أن حراس السجن أدخلوا أنبوبا معدنيا بالقوة في حلق أحد جيرانه بالزنزانة، وهو من درعا، وثبتوه على الحائط بهذا الأنبوب وتركوه ليموت، ثم نقلوا جثمانه إلى الزنزانة ليمكث وسط المعتقلين طوال الليل.
وحكى آخر عن إجبار الحراس النزلاء في زنزانته على قتل أحد المعتقلين معهم، وهو من درعا أيضا.
وأوضحت واشنطن بوست أن الحكومة السورية لم ترد على طلباتها بالتعليق على هذه المادة، وقالت إن حكومة دمشق لم تعترف أبدا بإعدام معتقلين ولم تصدر أي أرقام حول الإعدامات، كما لا توجد مصادر مستقلة لأعداد من تم إعدامهم.
صور بالأقمار الصناعية
وأشارت إلى أن صور الأقمار الصناعية التي أُخذت لسجن صيدنايا في مارس الماضي، تظهر تراكم عشرات الأجسام السوداء، ويقول خبراء الطب الشرعي إنها تتضمن أجسادا بشرية.
وقال شاهدان آخران كانت زنزانتهما بالقرب من غرفة لحراس السجن، إنهما سمعا الحراس يتحدثون في وقت مبكر من مارس/آذار الماضي عن مجموعة من الجثامين التي نُقلت إلى فناء السجن.
كذلك أظهرت صور أخرى للأقمار الصناعية منطقة عسكرية بالقرب من دمشق -حددتها منظمة العفو الدولية من قبل باعتبارها مكانا لمقابر جماعيةـ زيادة في عدد حفر الدفن وشواهد القبور في مقبرة واحدة على الأقل هناك منذ بداية العام الجاري.
وقال منشقون عملوا في هيئة السجون العسكرية السورية إنهم يرجحون أن هذه المنطقة -الواقعة جنوب العاصمة- هي مكان الدفن الجماعي لمن يُعدمون في سجن صيدنايا.
رعب مطلق
وبعد سبع سنوات من الحرب السورية، لا يزال هناك أكثر من مئة ألف معتقل مجهول المصير. ورجحت الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان أن يكون آلاف -إن لم يكن عشرات الآلاف- من هؤلاء قد قتلوا.
ويستمر المعتقلون الناجون من الإعدام في شهادتهم لواشنطن بوست، قائلين إن حراس سجن صيدنايا يفرضون الصمت شبه التام بين المعتقلين الذين ينامون تحت أغطية ممتلئة بالعث والقراد، وفوق أرضيات حجرية لزجة بسوائل الأجسام من عرق وبول.
وقال محمد (28 عاما) إذا كنت في صيدنايا فلن تفكر في أي شيء، ولن تستطيع حتى التحدث إلى نفسك، أصوات الضرب تعذب كل المعتقلين والصمت يعذبهم أيضا.
الموت أرحم
ووصف محمد زملاءه الذين تركهم وراءه في صيدنايا بأنهم “كالحيوانات المحبوسة في الأقفاص”، قائلا “بعضهم تحطمت أرواحهم تماما وآخرون فقدوا عقولهم وسيكون الموت أرحم لهم، وهذا كل ما ينتظرونه في هذه الحياة”.
ورغم أن أيام الإعدامات تختلف في سجن صيدنايا، فإن الشهود يقولون إن الحراس يزورون الزنازين في الغالب مساء الثلاثاء وينادون أسماء قوائم بصوت عال. ويضيف الشهود “نعرف أنهم قدموا عند قرعهم الأبواب المعدنية، ثم يبدؤون بالصراخ في وجوهنا آمرينا بالالتفات نحو الحيطان والوقوف دون أي حركة، ثم نقف ساكنين إلا من دعاء صامت بألا يشدني أحدهم نحوه”.
بالنسبة للطالب السابق محمد، فإن هذا ما حدث له بالضبط. جروه من قميصه وأخرجوه من زنزانته إلى طابور الإعدام في القبو، وقبل أن يصل إلى هناك ضربوه حتى سقط على الدرج، وكانت صرخات الآخرين تحيط به.
عرايا تماما
دفعه الحراس هو وبعض زملائه إلى زنزانة مكتظة في القبو، وجردوهم من ملابسهم تماما قبل أن يغادروا، واحتجزوهم هناك لمدة أسبوع.
وكان حال الزنزانة المجاورة مثل حال زنزانتهم. كان فيها حسن (29 عاما) الفلاح الذي نُقل إلى صيدنايا من سجن مدني بمدينة السويداء الجنوبية.
وكانوا جميعهم يقفون على أرجلهم طوال الليل بانتظار الإعدام، ولا يتحدثون إلا همسا، يتبادلون قصص حياتهم، ويتحدثون عما يندمون الآن على عدم فعله.
يقول حسن للصحيفة “الظلام شديد، لكن ما كنت أراه على وجوههم هو الرعب المطلق. وأخيرا توقف الجميع عن الكلام”.
الإفراج مقابل المال
عندما جاء الحراس وأخذوا المعتقلين إلى الإعدام، لم يأخذوا محمدا ولا حسنا اللذين علما فيما بعد أن أسرتيهما دفعتا عشرات الآلاف من الدولارات لوسيط له علاقة بالحكومة، وهو جزء من شبكة نشأت خلال الحرب لتزويد الأسر بالمعلومات عن ذويهم المعتقلين والإفراج عنهم في بعض الحالات مقابل مبالغ كبيرة من المال.
وقالت واشنطن بوست إن تصاعد أحكام الإعدام جاء في وقت بدأ فيه نقاش مصير المعتقلين بالسجون السورية، في محادثات العاصمة الكزاخية أستانا.
في هذه الفترة بدأت الحكومة السورية إصدار إخطارات إعدام المعتقلين السياسيين بمعدل غير مسبوق، وضمن هذه الإخطارات التي تُسلم إلى أسر المعدمين حالات إعدام قديمة منذ بدء الحرب.
يقول تقرير لهيئة شكلتها الأمم المتحدة للتحقيق في جرائم الحرب في سوريا صدر الشهر الماضي، إن كمية الإخطارات الجماعية بالإعدام الصادرة في سوريا تصل إلى مستوى الإقرار من الحكومة السورية بأنها كانت المسؤولة عن موت المعتقلين في السجون الذين ظلت تنكر اعتقالها لهم لسنوات.
أوهام النظام
ويعلق كبير المحققين في هذه الهيئة هاني مجلي أنهم يعتقدون أن ذلك يجب أن يُفهم بالربط بفترة ما بعد الصراع، وبتفكير النظام الذي يتوهم أن وجوده لم يعد تحت التهديد أبدا، “إذ يفكر النظام بأن عليه أن ينظر للأمام بشأن الكيفية التي يجب أن يعامل بها الشعب”.
ويضيف مجلي أن الشعب السوري يطالب حاليا بمعرفة المزيد من المعلومات حول ما جرى؛ لماذا، وكيف، وأين الجثامين؟
وتستمر الصحيفة في سرد قصة إعدامات المعتقلين السوريين عن منظمة العفو الدولية، لتقول إنه وبمجرد شنق الشخص يُحمل جثمانه من غرفة الإعدام إلى شاحنة أو سيارة تنتظر في الخارج، من ثم يُنقل إلى التسجيل في مستشفى عسكري قبل دفنه في المقابر الجماعية بالمنطقة العسكرية.
وتختتم الصحيفة تقريرها بقول حسن -الذي فقد رجله بانفجار لغم أرضي على الحدود مع تركيا- إن “ذكريات صيدنايا لا تُنسى، فجميع زملائي بالزنزانة قد أُعدموا، أفكر حاليا وباستمرار بمن لا يزالون أحياء من المعتقلين”.