وجهة نظر في مناظرة عصيد ود.لحلو

هوية بريس – د.عبد الحميد بنعلي
لن أتحدث عن مضامين المناظرة -بعد التسليم بأنها مناظرة-، ولن أتحدث عن التفوق العلمي والمعرفي القاهر للدكتور محمد الحلو باركه الله.
إنما أتحدث عن السبب الذي جعل المغاربة ينوهون بهذه المناظرة ويشيدون بها إلى هذه الدرجة التي لا نجد لها مثيلا في مناظرات شتى.
علما بأنه لطالما دخل عصيد في مناظرات مع مثقفين مغاربة كثر، وقد (سلخوه) وكشفوا عواره سواء منهم الرجال والنساء، وفي موضوعات شتى، وفيهم بلا شك من هو أكثر علما في موضوع المناظرة من د محمد لحلو نفسه، فلماذا هذه المناظرة بالذات نالت هذه الشهرة؟
والجواب فيما أرى والله أعلم: أن ذلك راجع إلى عقد المناظرة بلغة موليير، وإتقان د الحلو لهذه اللغة، بمعنى: أن أكثر المشيدين بالمناظرة لم تهمهم المضامين بقدر ما أهمتهم اللغة نفسها، ولهذا تم التركيز عليها في عامة التحليلات المشيدة بها، وإظهار التفوق اللغوي للحلو على عصيد!!
بعبارة أخرى: لو قدر أن هذا اللقاء كان مجرد دردشة باللغة الفرنسية بين عصيد ود الحلو حول تحليل أسباب غلاء الاسعار في الصيف، أو أسباب إحجام كثير من مغاربة الخارج عن السفر إلى المغرب، لنالت الدردشة نفس الاشادة ونفس الانبهار!
وهنا يطرح سؤالان مهمان:
الأول: لماذا هذا الانبهار باللغة الفرنسية، وكيف صارت هذه اللغة هي المعيار الوحيد الدال على (ثقافة) الناطق بها، و(تفوقه) العلمي مع أن اللغة كيفما كانت إن هي إلا أداة للتواصل لا تدل بحال على علم صاحبها ولا تستلزمه، فقد يتقن اللغة من لا يعرف الكتابة، وقد يتكلم بها من هو موغل في الجهالة؟
والجواب: أن هذا ما عملت عليه فرنسا بواسطة اذرعها الفرنكفونية في كل البلاد التي احتلتها، لقد رسخت في نفوس الناس أن من يتكلم لغة المستعمر فهو إنسان مرموق بالضرورة، ومثقف بالضرورة، ولو كان مجرد مرشد سياحي أو بائع أباريز (بهارات) اضطر لتعلم هذه اللغة لتسويق بضاعته.
وفي سبيل ذلك أنفقت فرنسا ملايين الدولارات لترسيخ هذا الشعور الوجداني، وعززته بتعبيد الطرق أمام الراغبين في الحصول على الوظائف، حتى صار عبيدها يشترطون هذه اللغة دون غيرها في أكثر الوظائف المعلنة ولو كانت تلك الوظيفة لا حاجة لها إلى الفرنسية في قليل ولا كثير.
ولسنا ننكر أن فرنسا نجحت في هذه المهمة، ولهذا تجد كثيرا من الناس يسارع إلى إثبات (ثقافته) برمي بعض الكلمات بالفرنسية ولو كان يعرف ألفاظها بالعربية، وهذا في الحقيقة (مرض) مزمن، وعاهة نفسية، وعطب فكري.
وإلا فنفس الأبي تأبى عليه أن يرطن بلغة من استعمر بلده، ونهب ماله، ورسّم فقره، بل كرامة النفس تلزم صاحبها ألا يتكلم بلسان غيره إلا لحاجة ماسة أو ضرورة ملحة.
والأوروبيون أنفسهم مع أن اكثرهم مزدوجو اللغات يأنفون كل الأنفة ان يتحدثوا بغير لغتهم، وهذا مرده الى ما في نفوسهم من العزة والإباء والشموخ.
السؤال الثاني: لماذا عقدت هذه المناظرة باللغة الفرنسية مع أن موضوعها يهم المغاربة الناطقين بالعربية؟؟
والجواب كامن في جواب السؤال الأول لا يخرج عن ذلك في قليل ولا كثير.
فهذه نكتة المسألة في هذه المناظرة، والله تعالى أعلم.



