يعتبر إقليم ورزازات أحد أعرق أقاليم المملكة المغربية، هذا الإقليم الذي كان يحمل اسم “ًتمغززتً قبل أن يتم تغييره إلى ورزازات وهي كلمة أمازيغية مركبة من ” ًوار” التي تعني “بدون” و”زازات” التي تعني “ضجيج ” أي إقليم بدون ضجيج، إن الحديث عن ورزازات هو حديث ذو شجون خاصة عندما نتأمل الفسيفساء الأنتروبولوجية المتنوعة والزاخرة التي يمتاز بها هذا الإقليم فمن ناحية نستمتع بالزخم التاريخي التي صنعته القصبات التاريخية الكثيرة والضاربة في جذور التاريخ غلى غرار قصبات الكلاوي بتلوات أو أيت بن حدو، تاوريرت وغيرها من القصبات التي جعلت ورزازات تصبح إقليما للألف قصبة وقصبة، ومن ناحية ثانية تجعلنا ورزازات نتأمل في تراثها الفلكوري الإحتفالي الدسم دون نسيان الطبيعة الخلابة التي يمتاز بها من وديان على غرار “واد أونيلا ” بتلوات التاريخية، وجبال شاهقة على غرار جبال الجماعة القروية إيمن أولاون، دون نسيان البحيرات الساحرة.
كما أن هذا الإقليم قد شكل مادة دسمة للأنتروبولوجيين والسوسيولوجيين التابعين للكولونيالية الإستعمارية التي كانت تحت إسم البعثة العلمية التي كان من روادها روبير مونطاني وأصحاب النظرية التجزيئية أمثال إرنست كيلنير وإدموند دوتي وجون واتربوري، الذين اعتبروا المجتمع المغربي مقسم ومشتت وهم من دفعوا بخروج الظهير البربري اللعين الذي حاول الاشتغال على ثنائية الأمازيغ والعرب، النظام أو السيبا، كما قام هؤلاء بدراسات ميدانية للبنية الثقافية للمغرب كمثلا الأجزاء التي تتكون منها القبيلة كالفخدة، المدشر، التويزا، اللف؛ لكن هذا لا يعني أن جميع السوسولوجيين الفرنسيين تابعون للاستعمار فهناك من انتقدهم أمثال العملاق الذي تحتاج مدينة ورزازات لأمثاله أنا هنا أتحدث عن بول باسكون الذي فند النظرية الانقسامية من خلال دراساته المدونة في كتبه ومن أهمها ً البنية المركبة للمجتمع المغربيً كما لا يمكن نسيان جاك بيرك الذي حفظ القرآن الكريم.
أما في الوقت الراهن فإن إقليم ورزازات قد عرف تغيرات جد سلبية على مستوى البنية المجتمعية خاصة الأسرية، فقد أصبح المجتمع الورزازي خاصة في مجاله الحضري ينتقل بشكل سريع من التضامن الآلي المبني على التكافل الاجتماعي والمصلحة العامة إلى التضامن العضوي المبني على المصلحة الشخصية ومبدأ “الغاية تبرر الوسيلة”، هذا الانتقال راجع بالأساس إلى مجموعة من الأسباب من أهمها الانتقال من العائلة الممتدة التي كان الجد هو رئيسها إلى الأسرة النووية (الأب + الأم + الأبناء)، هذا الانتقال جعل مجموعة من الأمور تذهب أدراج الرياح على غرار التكافل الأسري، صلة الرحم، هذا دون نسيان الانقراض التدريجي لمجموعة من العادات والتقاليد التي كانت ضاربة في جذور التاريخ الورزازي لكن ما نعيشه اليوم من تحولات عالمية جعلت تلك العادات تبدأ بالاندثار والزوال، فاليوم أصبحت التكنولوجيا ووسائل الإعلام تلعب دورا خطيرا جدا إذ أصبحت تحلل الحرام وتحرم الحلال، كما أصبحنا نشاهد ونسمع ثقافات بعيدة كل البعد عن مجتمعنا لكن بفضل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي أصبحت ثقافة عادية ومقبولة بعدما كانت ثقافة دخيلة عن مجتمعاتنا على غرار ظاهرة الأطفال المتخلى عنهم والأطفال المتكفل بهم، وظاهرة الأمهات العازبات التي أصبحت وللأسف الشديد موجودة وبنسب لا يستهان بها خاصة بالمجال الحضري لإقليم ورزازات.
أما بخصوص واقع إقليم ورزازات من الناحية السوسيو-اقتصادية فهو على الرغم من كل ما ذكرناه من تراث أنتربولوجي وسوسيو-ثقافي، وبالرغم من كل المستجدات التي عرفها إقليم الألف قصبة وقصبة من قبيل مشروع الطاقة الشمسية دون نسيان الاستثمارات السينمائية الكبيرة من خلال تصوير العديد من الأفلام السينمائية والوثائقية بهذا الإقليم العزيز، وبالرغم من المعادن التمينة التي يزخر بها الإقليم على غرار مناجم إيمني، إيمضر، للأسف بالرغم من كل هذا فإن إقليم ورزازات لم يتحرك في مكانه من ناحية التنمية التي يتمناه كل مواطن ورزازي، هذا الأخير مازال ينتظر الإجابة عن العديد من الأسئلة التي تشغل بال العديد من الورزازيين على غرار: إلى أين تذهب كل هذه الاستثمارات التي تدخل لإقليم الألف قصبة وقصبة؟ هل من المعقول أن نجد إقليم ورزازات بالرغم من كل هذه المشاريع يعاني من نسب جد مرتفعة من الفقر والهشاشة؟ هل يعقل أن تكون ورزازات من الأقاليم المحتلة دائما للصدارة على مستوى نسب البطالة خاصة في صفوف شباب الإقليم؟ هل من المعقول أن نسمع في القرن الواحد والعشرين عن إقليم يعاني من نسب مرتفعة جدا من الأمية والهدر المدرسي خاصة في صفوف الفتيات؟ هل من المعقول أن نجد ورزازات بمستشفى كارثي، والذي يسميه البعض بمستشفى الموت؟ هل من المعقول أن يكون إقليم ورزازات الشاسع بدون ملعب معشوشب واحد؟ هل يعقل أن يكون إقليم ورزازات على هذه الوضعية بالرغم من توفره على أكبر مشروع للطاقة الشمسية؟ هل يعقل أن تكون ورزازات المسكينة على هذا الحال بالرغم من الإستثمارات السينمائية الكبيرة؟ إلى متى هذا التهميش؟ إلى متى ستصبح ورزازات عاصمة للمغرب غير النافع؟ إلى متى يا ورزازات الغالية.