ورقةٌ عن بعض “مصادر فقه البيئة” في التراث الإسلامي المغربي
هوية بريس – د. عادل رفوش
إن من مظاهر عظمة هذا الدين الذي جاء به الصادق الأمين نبينا محمد صلوات ربي وسلامه عليه؛ هو الكمال والشمول والثبات؛
فهي عناصر ثلاثة تكاد تحتل الصدارة في خصائص دين الإسلام؛ تلك الخصائص التي أكسبته الظهور على كل الأديان وعلى استيعاب كل أنواع الإنسان؛ وقد فطن أمناء الشريعة من صالح العلماء والفقهاء لهذه الخصيصى؛ فأولوا المواضيع التي تُعنى بها البشرية عبر العصور عنايةً خاصة يبرزون من خلالها التأصيل الشرعي لتلك الاهتمامات التي تؤرق البشرية وتستدعي اهتمامها؛ وقد كانت المكتبة الإسلامية بما ينتجه الأئمة الأعلام في كل المجالات والفنون أكبر مكتبة عرفها الإنتاج البشري عبر التاريخ؛ وقد استوعبت كل المعارف الإنسانية، وكان للسلف والخلف مشاركات واضحات في كل التخصصات..
حتى ألفوا في دقائق التَّرف العلمي والفكر التفكهي لشدة توسعهم في المهمات واستيعابها…
ولذلك لا يجد عنتاً من يبحث في المواضيع العصرية؛ كحقوق الإنسان وكالسلام العالمي وكالنظام الديمقراطي وكالمجتمع المدني ونحوها؛ أن يجد تأسيساً قويماً لها من الناحية الشرعية مع المحافظة على ثوابت العقيدة الإسلامية…
وإن من جملة المواضيع التي اكتست في زماننا اهتماماً عالميا هو ما يتعلق بقضايا المناخ حيث صارت له أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية.. لا تخفى على المتتبعين بل إن أبعاده صارت تنذر بنذُر سوء قد لا تحمد عقباها على العالم أجمع…
وسَط هذا الاهتمام العالمي فإن نظرة العالَم الإسلامي وبرؤية علمائه وفقهائه؛ تبقى نظرة أكثر بصيرة وأهدى سبيلاً ؛ إذ تستقي أسس استصلاح الكون في “قمة المناخ” من صانع الكون وخالقه سبحانه فهو الذي سخر وهو الذي خلق فسوى وهو الذي قدر فهدى وأخرج المرعى فجعله غثاءً أحوى؛
“له الخلق والأمر“، “ألا يعلم من خلق”..
وقد قال معَرِّفاً خلقه به سبحانه وهو الظاهر القاهر:
﴿الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار﴾.
وقال سبحانه: ﴿إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون﴾.
ولذا كان لزاماً أن لا يغيب الخطاب الشرعي عن واقع الكلام في المناخ بكل أبعاده؛ وأن نحرص على تجلية آثار الإسراف والتبذير؛ وآثار الطغيان الاجتماعي؛ وآثار اختراع الحروب وآثار الجشع الاقتصادي؛ وآثار الكبائر والمحرمات والجرائم وأكل المال بالباطل ونحوها؛ على فساد المناخ واختلال نظام الكون العام …
وأن الصلاح والطاعة متلازمان ..
وأن العدالة صِمَام أمان ضد كل أنواع الفساد ..
ومن هذا المنطلقِ بادرت مؤسسة ابن تاشفين للدراسات والأبحاث والإبداع بمراكش؛ بإطلاق “جائزة” أحسن بحث يتناول محاور هامة حول فقه البيئة؛ بأبعاده المتنوعة في الشريعة الإسلامية وفي التراث المغربي الأصيل ..
ونحن في هذه الورقة الموجزة سنشير إلى نماذج من البحوث التراثية المتصلة بفقه البيئة في كتابات علمائنا الفقهاء غير ذاكرين ما تناولوه في ثنايا المطولات من تفاسير القرآن الكريم وشروح الحديث النبوي الشريف ؛ ومن كتاباتٍ حول المصادر الفقهية كأحكام القرآن وشروح مختصر خليل ؛
وغيرَ متتبعين لقدماء المؤلفين ممن تناول أبوابا من علوم المناخ والطبيعة والكون كل من تخصصه كما نجد عند طائفة من أساطين اللغة العربية:
1/ كالإمام أبي زيد سعيد بن أوس الأنصاري: صاحب كتاب الإبل والشاه, و كتاب المطر, وكتاب خلق الإنسان, و كتاب النبات والشجر, وكتاب التمر, وكتاب المياه, وكتاب الوحوش, وكتاب نعت الغنم. {انظر الفهرست لابن النديم (1/ 82)}.
2/ وكالإمام الأصمعي: وله من الكتب: كتاب خلق الإنسان, وكتاب خلق الفرس, وكتاب الخيل,و كتاب الإبل, وكتاب الشاه, وكتاب الوحوش, وكتاب النحلة, وكتاب النبات والشجر,وكتاب المياه. {الفهرست، (1/ 103)}.
3/ وكالإمام السجستاني: سهل بن محمد بن عثمان أبو حاتم البصري توفي سنة 250، وقيل سنة 248هـ: له من التصانيف:كتاب الإبل, وكتاب الجراد, وكتاب الحر والبرد والشمس, وكتاب الحشرات, وكتاب الزرع, وكتاب الطير, وكتاب المياه, وكتاب النبات والشجر, وكتاب النحل والعسل, وكتاب النخلة, وكتاب الوحوش. انظر: {هدية العارفين، (1/ 450)}.
4/ وكالإمام ابن الأعرابي: محمد بن زياد الكوفي البغدادي أبو عبد الله اللغوي المتوفى سنة 231. له من الكتب: كتاب الخيل, وكتاب الذياب, وكتاب صفة الخيل, كتاب صفة الزرع, وكتاب النبات, وكتاب نسب الخيل. هدية العارفين، (1/ 489)..
ونحو هؤلاء ممن صنف في الطب النبوي وفي الأطعمة وفي الحيوان ونحو ذلك من الأبواب والصنوف؛ بل سنذكر نماذج لبعض المؤلفات التي خصت جانباً ما أو قضية من قضايا البئية في أضيق صورها؛ وإلا فإن البيئة من حيث هي وعاء الكون بأقطابه السبعة الظاهرة: “الإنسان والأرض والسماء والهواء والماء والنبات والحيوان”؛ لا تكاد تجد نصا دينيا ولا فقهيا في الإسلام إلا وهو يتناولها بالإجمال وبالتفصيل..
ومن تأمل فقط في”علم أقسام القرآن العظيم” التي استفتحت بها كثير من سوره الكريمة ك”والذاريات ذرواً“، “والشمس وضحاها”.. ونحوها؛ لكفاه شاهداً بيِّنا على ذلك؛ وما ذلك إلا لأن الشريعة ما جاءت إلا لاستصلاح الإنسان ؛ ولن تنصلح أحواله إلا بإصلاح أرضه ومعائشه؛
كما قال جل ذكره : “ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها” وقال سبحانه: ﴿ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون﴾.
وذلك في القرآن كثير وكثير جدا؛ بل إن الله جعل استحقاق العذاب ممن يفسد الأرض بضرر العبيد أوجب ممن يضيع حق الله في التوحيد..
فقال جل ذكره: ﴿واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين﴾، وقال الله تعالى: ﴿وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون﴾…
إذا فقضية استصلاح الكون و حسن عمارته والحفاظ على مناخه و نظافته ؛ مقصد شرعي جليل يحتل مكانة عظيمة في ديننا الإسلامي نصوصاً وأصولاً و ذلك جلي واضح بين..
و قد ذكرني هذا الاستيعاب الشرعي لقضايا البيئة والمناخ بقصة الإمام القاضي إسماعيل ابن إسحاق المالكي (ت 282هـ) لما سئل عن تأليف في أدب القضاء: ”ألا تؤلف كتاباً في أدب القضاة؟
فقال: اعدِلْ و مُدَّ رجليكَ في مجلس القضاء؛ وهل للقاضي أدَبٌ غير الإسلام”؟
وكذلك نقول :”وهل للبيئة أدَبٌ وقانونٌ كالإسلام”..
ولذا فقد أولاه كثير من المعاصرين عناية خاصةً تأليفاً وتوضيحاً:
5/ ككتاب فقه البيئة في الإسلام، لإبراهيم علي حسن النحاس.عن مؤتمر التجديد في الفكر الإسلامي. نشر وزارة الأوقاف، القاهرة، 2001،
6/ وفقه البيئة: السيد آية الله محمد الشيرازي
7/ ورسالة دكتوراه عن : البيئة في السنة النبوية، يونس ماجد، صامصون،
8/ والبيئه والبعد الإسلامي، لفؤاد عبداللطيف السرطاوي.
9/ ورؤية الدين الإسلامي في الحفاظ علي البيئة، لعبدالله شحاتة.
10/ ورعاية البيئة في شريعة الإسلام، للعلامة يوسف القرضاوي.
11/ كما أفاده الأستاذ عبد السلام الوجيه اليمني في ورقته لمؤتمر سلطنة عمان بعنوان:
((المؤلفات التراثية في فقه البيئة والكون والكائنات إعداد: أ. عبد السلام الوجيه))
ونحن هنا سنشير لبعض تلك الكتابات التي كتبت مفصولةً عن عموم المطولات وفي ثنايا عموم المصادر الإسلامية كما ذكرتُ سلفاً وسأقتصر غالباً على علماء المالكية المغاربة تفاديا للتطويل الذي إن لم نضيق دائرته فإن النماذج تسع رسالةً أطول وأرحب…
فمن ذلك -والله ولي التوفيق-:
من ناحية السياسة العامة التي تشمل استصلاح كل شئون المجتمع بما فيه الصحة والبيئة:
12- الإشارة الناصحة لمن طلب الولاية الصالحة لمحمد بن سعيد المرغيتي السوسي ت1089هـ
14- تمهيد السَّلاسة في علم السياسة ودفع الخساسة عن أهل السياسة؛ كلاهماللعلامة عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي؛ صاحب الأقنوم ت1096هـ
14- وله أرجوزة في الحسبة يقول في مطلعها:
عِلْمٌ به يُزالُ غِشُّ الباعَةْ … يُنْظَرُ في الميزانِ وَالصِّناعَةْ
15- زهر الرياض الورقية في عقد الأحكام الماوردية في السياسة المدنية الشرعية لمحمد المامي الشمشوي ت1282هـ
16- ودفع النقمة وجلب النعمة بمجانبة الولاة الظلمة لأحمد بابا بن أقيت التنبكتي الصنهاجي ت997هـ (مخطوط في الوطنية بالرباط517د/مجموع)
كما أفاده مشكورا الدكتورالعلمي في دليله الكبير..
وما قيل في هذه النماذج من كتب السياسة والتدبير يقال مثله في كتب الأقضية والنوازل والوثائق والشروط والماجريات؛ فكثير من قضاياها هي من صميم الاعتناء بالبيئة بالاستصلاح وحمايتها من الاعتداء ومن ذلك:
17- الشروط والتمويه مما لا غِنى عنه لكل فَقِيه لإبراهيم بن أحمد الغرناطي الشهير بحَنْكالْشْ ت597هـ
18- منهج البراعة في القضاء بين المتخاصمينِ وقضاة الجماعة ؛ لأبي العباس أحمد القبَّاب الفاسي ت779هـ
19- شرح الوثائق الفرعُونية لأبي عبد الله محمد بناني الشهير “بفِرعون”ت1261هـ شرحها جماعة كعبدالسلام الهواري وأبي الشتاء الصنهاجي…
ومن ذلك على الأبواب؛
20- جامع المبادئ والغايات في علم الميقات لأبي علي حسن بن علي المراكشي ت660هـ
21- والسندسة في معرفة الأوقات والهندسة لمحمد بن علي الشبراملسي المالكي ت1021هـ
22- سلم الإظهار في الفرق بين الليل والنهار في الطهارة لمحمد مولود بن أغشممت المجلسي ت1327هـ
23- الدليل الواضح المعلوم في طهارة كاغد الروم لمحمد بن مرزوق الحفيد الفاسي ت842هـ ؛ ذكرها بتمامها الونشريسي في المعيار 1/75
24- إحكام المصروف من أحكام الظروف لأبي محمد عبد السلام بن الطيب القادري الحسني وهو مخطوط في الحسنية:11986كما أفاده العلمي في دليله التاريخي الماتع ص354.
25- وقاية الجسم والعِرض في إثم من ترك زكاة العَرْض لأحمد الصغير التشيتيت1272هـ
26- إزالة الطلب والعطب عمن أدى الزكاة من البُسر والرطب لأحمد الأفرم الجكني.
27- تأليف في جواز التطيب للصائم للمولى سليمان أبي الربيع سلطان المغرب ت1238هـ قال الحجوي في الفكر السامي ص628هـ.
وعندي تأليف له في جواز التجمير بعود الطيب في رمضان.
قلت: وعندنا في مؤسسة ابن تاشفين الخزانة العامرية مصورة عن نسخة مكتبة علال الفاسي لهذه الرسالة برقم:407
وإذا تجاوزنا أبواب العبادات فسنجد المواضيع أكثر تنوعاً:
28- تغيير المنكر فيمن زعم حرمة السُّكَّر لسليمان بن محمد الشفشاوني ت1231هـ مخطوط بالحسنية برقم:13874و13906
29- تسهيل المطلب الطالب في الرد على من حرَّم سُكَّر القالب لمحمد العربي التاودي بن سودة ت1229هـ مخطوط بالحسنية برقم:14124
30- إبانة اللبس في حكم السُّكَّر المصفى بالنَّجْس لابن دَحُّو أحمد عبد الرحمن ؛ مخطوط بالحسنية برقم: 10203
31- النصائح فيما يحرم من الأنكحة ومن الذبائح لأبي القاسم بن خَجُّو الحسَّاني ت956هـ
32- تقييد في أحكام الصيد بالرصاص للعلامة عبد القادر الفاسي ت 1091هـ
33- جواب في مقاتل الحيوان للسامونكي ق 12
34- قصيدة في أحكام أكل الدجاج لأبي محمد عبد الله الهبطي ت963هـ
35- كتاب رهن العريش في تحريم الحشيش لمحمد بن سليمان المعافري الشاطبي ت672هـ
36- النفحة الوردية في أحكام العشبة الهندية لابن شقرون المكناسي كان حيّا 1140هـ
37- جواب حول سؤال السلطان عن تسريح صاكة الأعشاب (الصَّاكَة) للعلامة جعفر بن إدريس الكتاني ت1323هـ
38- شهود العيان في تحريم الشَّمِّ والدخان لمحمد بن سليمة اليونسي ت1354هـ
39- كتاب أحْمية الحصون لأبي الحسن القابسي ت403هـ
40- الخير الوابل في تعطيل المطابل لمحمد التافلالتي المغربي المالكي مفتي بيت المقدس ت 1191هـ والمطابل: ماء مكشوف يغتسل فيه اليهود.. (مخطوط بالوطنية :1865/ 3د/مجموع)(العلمي).
41- الروض اليانع في أحكام التزويج وآداب المُجامع لعبد الله الدرعي التفكروتي ت بعد980هـ
42- الروض الأريج في مسألة الصهريج لإبراهيم بن محمد الصفاقسي ت743هـ
43- الأصداف المُنفضَّة عن أحكام صنعة الدينار والفضة لأحمد حمدون الجزنائي مخطوط بمكتبة عبد الله كنون برقم10477(الدليل التاريخي للدكتور العلمي ص:403).
44 – رسالة في البيع إلى الأجل في المجاعات لمحمد الباعقيلي ت1323هـ
45- هزُّ السمهري فيمن نفى عيب الجُدَري لعبد الوهاب أدراق الفاسي ت1159هـ
46- إضاءة الحلك في الرد على من أفتى بتضمين الراعي المشترك للعلامة الونشريسي ت914هـ
47- رسالة في كيفية قسم المياه على الساقية أو القادوس لأبي القاسم الفشتالي الغُول ت1059هـ (مخطوط بالصبيحية بسلا386/5/العلمي ص408).
48- التفسير والتيسير في ذكر ما أغفله الشيخ خليل من أحكام المُغارسة والتوليج والتصيير لعبد الرحمن الفاسي صاحب الأقنوم ت1096هـ(طُبع قديماً).
49- رفع الالتباس عن مزارعة الخَمَّاس للحسن بن رحال أبي علي المعداني ت1140هـ
50- الإمتاع بأحكام الإقطاع للعباس بن إبراهيم المراكشي ت 1378هـ
51- كتاب “الزبل” لسحنون (انظر المعيار 8/25 )
52- الإعلان في أحكام البنيان لابن البناء ت بعد718هـ
53- الروض البهيج في مسألة الخليج لابن مرزوق الحفيد الفاسي ت842هـ
54- كتاب الأمراض لأبي المطرف الطليطلي ت403هـ
55- مقالة في الوباء لمحمد المزدغي ت655هـ
56- عمدة الراوين في أحكام الطواعين للحطاب الرُّعَيْنِي شارح خليل ت954هـ
57- رفع الأوهام النفسية في إباحة استعمال العطور الروسية لأحمد بن الخضر العمراني ت1370هـ (وهو مخطوط بمؤسسة علال الفاسي برقم 231).
فهذه قائمة بنماذج منتقاة من كتب التراجم والفقه والمعاجم وبالأخص الدليل التاريخي لمؤلفات المذهب المالكي الذي جمع فيه كثيرا من فوائد كتب الفهارس و كشافاتها ؛ تؤكد ما ذكرنا سلفاً من تنوع الاهتمام لسلفنا من علماء الأمة وأن هذه التفصيلات تأتي متوافقة مع مثيلاتها من مجملات التصانيف كالذي ذكرنا عن جماعة من اللغويين
ومثلهم جماعات من المحدثين والمتفننين..
58- كأبي مروان الأندلسي الذي تحدث في كتابه (التيسير في المداواة والتدبير) عن فساد الهواء الذي يهب من المستشفيات والبرك ذات الماء الراكد.
59- وكمحمد بن أحمد التميمي [ق4هـ]، الذي صنف كتاباً كاملاً عن التلوث البيئي وأسبابه وآثاره وطرق مكافحته والوقاية منه، وفصل الحديث فيه عن ثلاثية الهواء والماء والتربة وتبادل التلوث بين عناصر هذه الثلاثية وجعل عنوانه (مادة البقاء في إصلاح فساد الهواء والتحرز من ضرر الأوبئة).
ومنهم فيما ذكر الأستاذ عبد السلام اليمني في ورقته عن التراث البئيي:
60- أبو العلاء زهر بن عبد الملك (طبيب أندلسي) توفي سنة 557هـ، من أوائل من تحدث عن ما تسببه المستنقعات والهواء المتصاعد منها من آفات وكان يؤكد على أهمية الهواء النظيف ومن أكبر المشهورين في الطب التجريبي.
وله التذكرة في الدواء السهل، طبع ضمن كتاب الطب والأطباء في الأندلس الإسلامية، بيروت سنة 1988. وله كتاب في تفضيل العسل على السكر ضمن السابق..
61- ومنهم: محمد بن معمر أبو عبد الله المالقي اللغوي من أعيان مالقة كان متفننا في علوم شتى والغالب عليه اللغة توفي بعد سنة 524 أربع وعشرين وخمسمائة. له:شرح كتاب النبات لأبي حنيفة الدينوري في ستين جزأ. كما ذكر صاحب إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون، (4/ 305).
62- ومنهم ابن ليون (أبو عثمان سعد بن أحمد بن إبراهيم التجيبي) (671-750هـ): أديب وشاعر وفقيه أندلسي.– له إبداع الملاحة وإنهاء الرجاحة في أصول صناعة الفلاحة (خ).
فكل هذه النماذج {الواحد والستين: 62} سواء ما ذكرناه بالأعلام المؤلفين أو ما سردناه على تبويب المواضيع؛ إنما ذكرناه تمثيلاً على الاستيعاب التخصصي لكثير من دقائق ارتباط العلماء وفقهاء أئمة الإسلام بالتقعيد البيئي والفتاوى المناخية التي لا تغفل أي باب من أبواب شئون الناس واستصلاح الحياة؛ ترسيخاً منهم لمبدإ الاهتمام الشامل والكامل بكل ما فيه دفع للمفاسد وجلب للمصالح..
وحضور العلماء الدائم للمشاركة في تمام الوعي وفي حسن الإعمار ؛ فكانوا بحق خير أعمدة لحضارة الإسلام في أزهى عصوره ؛ وأن هذا الدين العظيم لا يقف دون قيادته للأمم والحضارات إلا تقصير أبنائه وعلمائه في إبراز محاسنه و تفعيل دوره في كل مناحي الحياة و في كل احتياجات الإنسان…
فنرجوا أن نكون قد أعطينا صورة تقريبية لهذا الاعتناء التراثي والتصنيفي في مجال البيئة والمناخ من خلال تلخيص جمل تدل على المقصود..
راجيا من الله تعالى أن تكون دالةً على المراد، معينةً لمن يريد الاستزادة على منابِتِ الزاد…
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.