وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ومنطق “دوي ترعف”

هوية بريس – سعيد حجي
وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، التي كان يُنتظر منها أن تكون صمّام الأمان للوعي الجمعي، اختارت أن تُفعّل منطق “دوي ترعف”، فعزلت رئيس المجلس العلمي لفكيك بدعوى الغياب، لا بدعوى الموقف. لكن الجميع قرأ التوقيت، وسمع الصمت الذي تلا التدوينة، وفهم أن الأمر ليس تقصيرا إداريا، بل عقابا على صدق غير مرغوب فيه…
الرجل كتب عن غـزة، كتب ما يقوله الشارع بصوت مكتوم، عبّر عن الألم الجمعي بلغة بسيطة، لكنه كسر قاعدة “الصمت المريح”. لم يكن خارجا عن السياق، بل داخلا في ضمير أمّة. وما كان يُفترض أن يُحتفى به، صار سببا للعزل…
حين تتحول المؤسسة التي وُجدت لحماية الأمن الروحي إلى جهاز رقابي يخنق الضمير، فإن الفجوة بينها وبين الناس تتسع. الناس لا تحتاج خطبا موسمية بقدر ما تحتاج إلى عالم يشاركهم الوجع، لا يقرأ من ورقة مُعدّة سلفا…
ما حدث ليس مجرّد قرار إداري، بل لحظة رمزية: لحظة تُخبر فيها الوزارة الوصية علماءها أن التعبير عن الألم جريمة، وأن الحياد واجب، حتى أمام الدم..
ولذلك، فإن ما حدث يُعيد إلى الواجهة سؤالا جوهريا لا مفرّ منه: هل يمكن للمجالس العلمية أن تحتفظ بصدقيتها، وهي مرهونة بقرارات إدارية تصدر من وزارة وصية، تُمسك بسلطة التعيين والعزل؟
أصبح من الضروري أن يُعاد النظر في علاقة المجلس العلمي بالوزارة الوصية، وأن يُضمن له استقلال حقيقي، فكري وتنظيمي، بعيد عن التوجيه السياسي أو الإداري…
عزل عالم دين او خطيب جمعة لموقفه الأخلاقي، من طرف جهاز إداري، هو تناقض صريح مع فلسفة المؤسسة ذاتها: مؤسسة يُفترض أن تستمد شرعيتها من الضمير، لا من التقارير…
الروح العلمية لا تُقاد بالمذكرات، ولا تقاس بالحضور والانصراف، بل تُحيا بحرية الموقف، وبالارتباط الصادق بقضايا الأمة…
إن لم يكن للمجلس العلمي صوت مستقل، فما الفرق بينه وبين أي مرفق بيروقراطي آخر؟



