وزارة الأوقاف.. ورسالة المسجد في ظل الثورة الإلكترونية
هوية بريس – نبيل غزال
لا أحد ينكر الدور الكبير للمسجد في تبليغ رسالة الإسلام، ومركزيته في تأطير المجتمع، لكن في ظل الثورة الإلكترونية، وقضاء كثير من المغاربة، خاصة فئة الشباب منهم، معظم أوقاتهم في العالم الرقمي، يتحتم على كل من يريد إيصال خطاالجزربه مراعاة هذا المستجد المؤثر والمهم في الآن نفسه.
فقد ذكر تقرير دولي أن المغاربة يقضون أكثر من 3 ساعات و34 دقيقة يوميا في استعمال وسائل التواصل الاجتماعي، أي أكثر من المعدل العالمي الذي يصل إلى ساعتين و29 دقيقة.
وأفاد التقرير، الذي تصدره سنويا مؤسسة “Hootsuite” بالتعاون مع شركة “We Are Social”، أن 65.4% من المغاربة يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بمعدل يقدر بـ4.7 حساب لكل مستخدم.
وكشف موقع “Digital Global Overview”، أنه في سنة 2022 استخدم 31.59 مليون مواطن مغربي الإنترنت، وتواصل 23.80 مليون عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
وأفاد التقرير أن “غوغل” و”يوتيوب” و”فيسبوك” و”تيك توك” و”أنستغرام” و”واتساب” أكثر المواقع زيارة من قبل المغاربة.
وفي ظل واقع كهذا تمرر فيه العقائد والأفكار والقناعات بكل حرية وانسيابية، وبقوالب مغرية، ما الذي يمكن أن تحققه خطبة الجمعة، التي لا تتعدى مدتها في المتوسط حدود 15 دقيقة؟
وكيف يمكن للوزارة الوصية على الشأن الديني أن تحمي دين المغاربة من موجات الإلحاد والشك واللاأدرية التي يسوق لها بشكل كبير وغير مسبوق اليوم؟
ثم ما الذي جنته الوزارة حين منعت الخطباء والأئمة من التفاعل مع المواطنين عبر الفضاء الرقمي، وعمدت إلى نصب محاكم تفتيش ومحاسبة القيمين الدينيين بناء على ما ينشرونه في حساباتهم الشخصية على الفيسبوك وغيره؟
الدراسات والوقائع التي تطالعنا يوميا تؤكد أنه بفعل منظومة قيمية وافدة، عدد من الشباب قد تأثر بأفكار منافية للمرجعية الإسلامية المنصوص عليها دستوريا، ولا يشكل ذاك الشاب الذي استهزأ قبل أيام بآية من القرآن الكريم، ولا “الرابور” الذي اتهم الإسلام بالخرافة ووصف النبي ﷺ بلفظ قدحي، حالة استثنائية، وإنما الشجرة التي تخفي وراءها غابة موحشة، ستشكل لا محالة خطرا محدقا على اللحمة الوطنية والدينية بالمغرب.
ففي ظل الرقمنة الشاملة وكسر كل القيود والحواجز والانتقال إلى عالم “القرية الواحدة” لازالت الوزارة مصرة على الانغلاق على نفسها وعدم التفاعل مع محيطها والمستجدات الوقتية الراهنة، وذلك على الرغم من امتلاكها ميزانية وموارد بشرية وقدرات هائلة.
وفق الأرقام الرسمية فالوزارة لديها 50.000 إمام، لكن كم منهم لديه تكوين شرعي وفكري، يجمع بين التأصيل العلمي والبعد المعرفي والمتابعة للواقع، تمكنه من التفاعل مع محيطه والإجابة عن أسئلة الوقت الراهنة والملحة.
عقب محاضرة ألقاها بالجامعة الدولية بالرباط، قال أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، جوابا على سؤال أحد الطلبة بأن “الأئمة والمرشدين الدينيين يدرسون أيضا علوما مستجدة، كانت إلى عهد قريب بعيدة عن مناهج تدريس الفقهاء، مثل علم الجنس Sexologie”.
فعوض أن يفتخر السيد الوزير بتدريس “الجنس Sexe” للقيمين الدينيين عليه أن يعيد النظر في ترتيب أولوياته، وما يحتاجه الخطباء والدعاة بشكل عاجل لتأطير المواطنين، أو على الأقل كي يتمكنوا من إلقاء خطبة جمعة يمكنها أن تشد انتباه الحضور وتؤثر فيهم.
فدون تعميم، هناك خطباء بينهم وبين الإلقاء والخطابة بون شاسع، لا من جهة اللغة وتقنية التواصل فحسب، بل من جهة المحتوى والمضمون والمواضيع التي يتم اختيارها.
القيمون سيدي الوزير، قبل علم الجنس، هم بحاجة لتكوين متكامل في مجال الشبهات التي يتم ترويجها بشكل واسع في الفضاء الرقمي، والتي تمتح من مرجعيات إلحادية ومادية، وتشكل خطرا محدقا على اللحمة الدينية ومؤسسة إمارة المومنين والسلوك والسلم المجتمعي لهذه الدولة.
في كل يوم تنتهج فيه الوزارة الوصية في الشأن الديني سياسة الجزر المعزولة فهي بذلك تفرط في حماية المواطنين من أخطار تتهددهم في الدنيا بالضياع وفي الآخرة بالخسران المبين، وبذلك تكون أيضا قد فرطت في مهمة كبرى تضطلع بها.
من أجل كل هذا فالوزارة في حاجة اليوم، قبل أي وقت مضى، لإعادة النظر في سياستها وفسح المجال لعلمائها للتأثير الإيجابي في مجتمعهم، تأدية للواجب الشرعي المناط بهم، وتمكينهم من استغلال الترسانة البشرية واللوجستيكية التي تمول من الميزانية العامة للدولة، ومن أوقاف آباء وأجداد المغاربة، ووضع برنامج محكم لاستغلال الفضاء الرقمي على الوجه المطلوب.
فمن غير المعقول أن تفرط الوزارة في هذه الوسائل التي تحقق مصالح عظيمة، وتعزل العلماء والخطباء والقيمين الدينيين عن الفضاء الرقمي والتواصل مع الناس، فإذا انضاف هذا إلى سياسة الوزير في تحييد منبر المسجد عن الخوض في ما يتهدد الشباب من غزو عقدي وفكري؛ تكون وزارة الأوقاف حينها مخلة بواجب أدائها لوظيفتها الأساسية في حماية الملة ودين المغاربة.