وزير التعليم العالي السابق.. الصمدي: يدق جرس إنذار بمناسبة الدخول المدرسي
هوية بريس – د.خالد الصمدي
الكتاب المدرسي ليس كتابا عاديا يتم اقتناؤه من رصيف، أو يحدده شخص طبقا لرؤيته وتلبية لإرادته واختياراته، ثم يفرضه على التلاميذ في أي مؤسسة تعليمية.
إنما هو كتاب مقدس في أذهان التلاميذ بالمعنى التربوي للكلمة، يقدم للأساتذة والمتعليمين على حد سواء مادة علمية مؤطرة للفعل التربوي وحاكمة له داخل المؤسسة التعليمية وخارجها، ويعتبره التلميذ مصدرا رئيسيا لاستلهام أفكاره وتعلماته، وحول مضامينه تدور معظم العمليات التعليمية التعلمية معرفيا وبيداغوجيا.
لكل هذه الاعتبارات يحرص كل بلد على أن تكون مضامين الكتب المدرسية المعتمدة في مؤسساتها التعليمية مبنية على أسس قانونية وعلمية وبيداغوجية تعكس خياراتها الدينية والتاريخية والحضارية وتحصنها من كل الاختراقات العقدية والإديولوجية التي تمس بها، مستلهمة أحدث الطرق والوسائل البيداغوجية التي تجعل منها كتبا جذابة للمتعلمين، ميسرة لتعلماتهم داخل الفصل الدراسي وخارجه.
وفي هذا السياق يستمد أكثر من سبع ملايين متعلم ومتعلمة بمختلف مكونات المنظومة من أبناء المغاربة معارفهم ومهاراتهم وأسس هويتهم وانتمائهم الديني والوطني.
وقد سجلنا في بداية السنة الدراسية الماضية وهذه السنة على وجه الخصوص قلقا متزايدا للاباء و الامهات والتلاميذ والتلميذات على حد سواء من ما يتسرب إلى الكتب المدرسية من تلوث عقائدي وإديولوجي واجتماعي وأسري وخاصة في ما تسميه بعض المؤسسات التعليمية كتابا موازيا مستوردا من بيئات ثقافية وتعليمية مخالفة لبيئتنا وثقافتنا،. وتصبح هذه الكتب والقصص بالتدريج كتبا رئيسية والكتاب المدرسي الرسمي الوطني المعتمد من طرف الوزارة الوصية كتابا هامشيا ينظر إليه بنوع من الازدراء والتنقيص في عدد من المؤسسات التعليمية الخصوصية، في ظل ضعف وهشاشة جهاز الرقابة الذي تكلفه الوزارة الوصية بصيانة أبناء المغاربة من كل ما يهدد قيمهم وهويتهم الدينية والوطنية.
وفي هذا السياق نسجل باعتزاز ما ورد في خطاب العرش الذي نبه فيه جلالة الملك الى ضرورة الوعي بخطورة التحولات والتحديات القيمية والاجتماعية التي يعرفها العالم والتي ينبغي ان يتعامل معها الفاعلون التربويين على وجه الخصوص بالجدية اللازمة.
كما نثمن المذكرة التي أصدرتها الوزارة الوصية، بشأن تكثيف المراقبة على ما يروج في المؤسسات التعليمية وسحب كل ما من شأنه أن يضر بهذه الهوية.
وهنا بالضبط تظهر الأهمية القصوى للجنة الدائمة لملاءمة وتجديد البرامج والمناهج التي نص القانون الإطار لاصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي على إحداثها محددا أدوارها ومهامها الجسيمة، في ضبط وصيانة الاختبارات التربوية لأبناء المغاربة، وتدقيق وتحديد ما يقدم لهم داخل الفضاءات المدرسية والتكوينبة والجامعية.
وقد صدر مرسوم إحداث هذه اللجنة قبل سنتين محددا تركيبتها ومهامها التفصيلية، دون أن ترى هذه اللجنة النور لحد الساعة، مما أحدث فراغا مهولا في جهاز الرقابة التربوية الذي لا يمكن أن تسده مذكرات وزارية وهي على أهميتها لا يتعدى دورها التنبيه والتأثير الظرفي.
وهذا التأخر يضفي نوعا من اللاجدية في التعامل مع هذا الملف البالغ الحساسية والخطورة،
أن هذه اللجنة وتركيبتها ومهامها تؤكد على أن قضية البرامج والمناهج ليست مسؤولية وزارة التربية الوطنية وحدها بل هي مسؤولية قطاعات حكومية متعددة من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ممثلة في المجلس العلمي الأعلى ووزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي، ووزارة الداخلية، ووزارة الثقافة، ووزارة التجارة والصناعة، وغيرها من القطاعات ذات الصلة.
ولذلك ضمت اللجنة فاعلين من عالم التربية والتاريخ والاقتصاد والثقافة والفن والاعلام والاتصال وغيرها من المجالات ذات الصلة، والتي تشرف على التخطيط والتأطير والاستشراف لوضع برامج ومناهج تعليمية تجمع بين الهوية والتنمية وتقييمها وتجويدها، بشكل دائم ومستمر، (اقرأ هذا أيضا).
وإذا كان الجدل قد تحدد بمناسبة الدخول المدرسي الحالي حول مضامين بعض الكتب المدرسية والوثاىق التربوية التي تعرضها الاسواق والتي تتضمن ما يهدد قيم هوية أبناء المغاربة فإن معالجة الخلل يمكن في الإسراع بتنصيب هذه اللجنة حتى تضطلع بأدوارها الموكولة إليها يحكم القانون إذا أردنا أن نتعامل مع الموضوع بالجدية اللازمة التي دعا إليها جلالة الملك.
كما أن الآباء و الأمهات وكل الفاعلين التربويين ونشطاء المجتمع المدني الغيورين عليهم التحلي باليقظة اللازمة والقيام بدور التحسيس والتوعية كلما تعلق الأمر بمقرر دراسي او وثيقة تربوية تروج في أي مؤسسة تعليمية تتضمن ما يخالف هوية المغاربة وثوابتهم الدينية والوطنية.
إنها اليقظة الجماعية التي تشكل الحصن المنيع لابنائنا من كل اختراق يائس يلبس لبوس التجارة، بعيد عن كل حس تربوي مسؤول.