وزير الخارجية السعودي يصف “إسرائيل” علنًا بـ”المتطرفة” و”الرافضة للسلام”

هوية بريس – شريف مراد
تصريحات وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان -التي تصف إسرائيل علنًا بـ”المتطرفة” و”الرافضة للسلام”، وتتهمها بالسعي إلى “العنف”- ليست مجرد موقف اعتراضي على سلوك دولة. هي انقلاب لغوي على قاموس التطبيع ذاته.
في أدبيات العلاقات الدولية، هذا النوع من الخطاب لا يصدر عن دولة تخطط لتوقيع اتفاق سلام خلال شهور. بل عن دولة قررت أن تحيد عن المسار، وتستعيد الحد الأدنى من الخطاب العربي التقليدي الذي ارتبط تاريخيًا بدعم القضية الفلسطينية.
توقيت التصريحات – بعد رفض إسرائيل استقبال وفد وزاري من دول عربية وإسلامية بقيادة السعودية – يمثل لحظة كاشفة: إسرائيل لم تعد قادرة على تغطية عزلتها السياسية، والسعودية تعلن هذا أمام العالم.
حرب طويلة، وصور مروعة، ورفض التعاون مع الوسطاء، وفشل في إدارة الرهائن، ومجازر علنية، كلها تُفقد إسرائيل صورتها كحليف “متفوق” و”مفيد” لدول الخليج.
هذا التحول السعودي ليس معزولًا، بل يُقرأ في سياق أوسع يمتد من الخليج إلى شمال إفريقيا مرورًا بالشام، ويعيد رسم خارطة التحالفات في المنطقة. بعد السابع من أكتوبر، أصبحت إسرائيل بالنسبة لدول المنطقة عبئًا ثقيلًا لا فرصةً للسلام أو الشراكة الاقتصادية. السعودية، التي كانت تخطط لمسار مختلف تمامًا قبل عام، أدركت أن التقارب مع إسرائيل في ظل حكومتها الحالية لم يعد مجديًا، خاصة بعد أن تراجعت التهديدات الإيرانية نتيجة التراجع الواسع للمحور الإيراني بسقوط نظام الاسد، ما سحب ورقة “الخطر الإيراني” من الحسابات الأمريكية -السعودية، وأعاد النظر في جدوى العلاقة مع إسرائيل.
وفي هذا السياق أيضًا، ظهرت تحركات مصر، التي تحاول اليوم إعادة تموضع نفسها بعيدًا عن الاعتماد الحصري على الولايات المتحدة وإسرائيل. توتر العلاقات المصرية الإسرائيلية الأخير لم يأتِ من فراغ، بل من إحساس بالوحدة امام تحولات الإمارات والسعودية في السابق باتجاه اسرائيل وتراجع دورها والجنون الإسرائيلي الحالي، ترجمته القاهرة إلى خطوات عملية، مثل التقارب العسكري مع الصين عبر صفقات الأسلحة المرتقبة والتدريبات المشتركةمع الصين ومع تركيا ، إضافة إلى التفاهمات الاقتصادية الاستراتيجية مع قطر وتركيا بخصوص الغاز. خاصة بعد أن حاولت إسرائيل استخدام هذا الملف للضغط عليها.
في الجوار السوري، تعيد دمشق الجديدة ترتيب أوراقها تحت مظلة إقليمية جديدة تشمل السعودية وتركيا، وبرضا أمريكي حذر، ومع تراجع اي اتفاق بين السعودية وإسرائيل تتخلص إدارة أحمد الشرع من تحدي مسعصي ومزعج جدا . بينما في لبنان، تتحرك القوى السياسية تحت مظلة مشابهة، وهو ما يعني بشكل ضمني، نهاية مسار التطبيع اللبناني الإسرائيلي غير المعلن والذي كان يتم التلميح إليه في سنوات سابقة. أما مشاريع التطبيع في السودان وليبيا، فهي تتوقف الآن بالضرورة، مع تغير المناخ الإقليمي وتراجع المظلة الخليجية والأمريكية الداعمة لها. في حالة السودان، لم يعد لأي حكومة شرعية كافية لإتمام التطبيع وسط أزمة داخلية وانقسام عسكري دموي.في ليبيا، تحول الموقف التركي، واصطفاف القاهرة – أنقرة في توازن جديد، يعني أن أي حليف إسرائيلي محتمل سيتم عزله إقليميًا.
بهذا المعنى، فإن العملية التي قادتها المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر، رغم تكلفتها الإنسانية الهائلة وما أعقبها من معاناة مستمرة، قد حققت هدفًا استراتيجيًا واضحًا: لقد هدمت التصور الإسرائيلي – الخليجي المشترك عن إمكانية فرض سلام بلا فلسطين. وأثبتت للجميع أن القضية الفلسطينية ليست مجرد تفصيل سياسي قابل للتجاهل، بل هي محور الصراع ومستقبله، وأن إعادة تشكيل الإقليم على حساب الفلسطينيين هو رهان خاسر.
السعودية، اليوم، ومعها مصر وتركيا ودول أخرى، تُدرك أن إسرائيل في نسختها الحالية ليست سوى مصدر للاضطراب والعنف، لا شريكًا في استقرار المنطقة. ما يحدث اليوم هو إعادة توازن إقليمي، يعيد الاعتبار للبعد العربي التقليدي في التعامل مع إسرائيل، ويفتح الباب أمام ترتيبات إقليمية جديدة، لا تكون فيها إسرائيل نقطة ارتكاز، بل معضلة يجب التعامل معها بحذر، بعيدًا عن أوهام السلام الإبراهيمي.
المشروع التطبيعي الذي كان يُحضَّر بإحكام تحت المظلة الأمريكية – السعودية – الإسرائيلية تلاشى، ليس لأسباب أخلاقية أو رمزية بل لأن تكلفته السياسية الإقليمية صارت أكبر من جدواه، خاصة بعد فشل إسرائيل في الحسم عسكريًا رغم الدعم الأمريكي الكاسح.نجحت الحركة الخضراء – رغم الكلفة الباهظة – في نسف الأرضية السياسية للتطبيع، وربما إعادة التذكير بأن القضية الفلسطينية لا يمكن القفز فوقها أو تجاوزها.



