وزير يتحول إلى محقق بوليسي!

وزير يتحول إلى محقق بوليسي!
هوية بريس – اسماعيل الحلوتي
في خضم احتجاجات حركة “جيل زد 212” أو “Gen Z 212” التي يقودها منذ يوم السبت 27 شتنبر 2025 شباب ثائر ضد تردي الأوضاع في البلاد، لم تعد مطالبهم منحصرة في تحقيق الكرامة والعدالة الاجتماعية وإصلاحات سياسية تتمثل في الرفع من جودة خدمات الصحة والتعليم، ومكافحة الفساد وتوفير مناصب شغل للعاطلين واستقلال القضاء وغيرها، بل انتقلت البوصلة في اتجاه المطالبة بإسقاط الحكومة وتنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها، بعد أن تأخرت حكومة أخنوش الحالية في التفاعل معهم والتعجيل بالاستجابة لمطالبهم الأولى.
ورغم أن الحراك الاحتجاجي عرف في الأيام الأولى من انطلاقته موجة من مظاهر العنف والتوتر، التي خلفت عدة خسائر فادحة بلغت حد وفاة ثلاثة أشخاص وإصابة العشرات من المتظاهرين ورجال الأمن، فقد عاد سريعا لدخول مرحلة جديدة من النضج والشعور بالمسؤولية في أوساط المحتجين، لكن الأحداث المؤسفة أدت إلى ارتباك الحكومة، التي لم تتدخل بما يتطلب الأمر من سرعة لاحتواء الأوضاع، كما بدا ذلك واضحا من خلال التصريحات الإعلامية المستفزة وغير الموفقة لبعض الوزراء، ومن ضمنهم مصطفى بايتاس القيادي في حزب “الحمامة الزرقاء” والوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان، الناطق الرسمي باسم الحكومة.
وهو ذات الوزير الذي طالما أثارت خرجاته الإعلامية الكثير من الجدل، ووجهت له عديد الانتقادات بخصوص حرية التعبير في الفضاء الرقمي، حيث لم يكن يتأخر لحظة في حذف التعليقات المنتقدة للحكومة، إبان نشره للندوات الصحافية التي يعقدها عقب نهاية الاجتماع الأسبوعي الحكومي، على صفحته الرسمية بموقع “فيسبوك”. ومما يؤكد ضيق صدره وضعف حيلته أمام الأزمات، نشير هنا إلى ما حدث من مواجهة بينه وبين نوفل العواملة الصحافي المتميز والمشهود له بالكفاءة والحس الوطني الصادق، خلال يوم الجمعة 3 أكتوبر 2025 في برنامجه الأسبوعي “صدى الأحداث”، الذي يبث على “قناة ميدي 1 تي في”، حيث أنه بدل استغلال فرصة أول ظهور إعلامي له منذ اشتعال فتيل الاحتجاجات الشبابية، ويعمل على غرس الأمل في النفوس وطمأنة الشارع المغربي، أبى إلا أن يحاول استعراض عضلاته ويتحول إلى محقق بوليسي على الهواء أمام أنظار آلاف المشاهدين، مغاربة وغيرهم.
فبمجرد أن طرح “العواملة” سؤالا بريئا ومباشرا حول آخر مطالب شباب “جيل Z” لملك البلاد محمد السادس، التي تتضمن مطلبا ملحا يقضي بإقالة الحكومة، حتى ثارت ثائرة “الوزير” ولم يجد من وسيلة للهروب والتملص من مسؤوليته السياسية، عدا الادعاء بعدم علمه بمثل هذا المطلب “إقالة الحكومة”، والأفظع من ذلك أنه وأمام تأكيد الصحافي المرموق ذات المطلب ، رد بانفعال شديد بعد أن تغيرت ملامح وجهه، حيث قال بحدة ولهجة جافة بعيدة عن الأسلوب الدبلوماسي: “شوف أسيدي، دبا أنا كنسجل بأنك وليتي الناطق الرسمي ديالهم” في محاولة بئيسة لقمعه وتوجيه الاتهام له بالانحياز لشباب الحراك، غير أن العواملة ظل محافظا على برودة أعصابه وهدوئه المعهود، وحاول بكل لباقة تهدئة الموقف، بالرد: “لا، لا، أنا أردت فقط أن أنقل ما ينشر على المنصات الرقمية” وكم بدا “بايتاس” ضعيفا وضائعا وهو يواصل إنكاره للواقع “وباش عرفتي هاذ الشي؟ حينت أنا ما وصلنيش هاذ الشي”
بالله عليكم أبمثل هؤلاء الأشخاص المرتعشين تتشكل حكومة “الكفاءات”، وهي التي طالما سقطت في عدة امتحانات وفشلت في تدبير الكثير من الأزمات؟ ألم يكن حريا بوزير يفترض فيه أن يكون هادئا وبارعا في التواصل والإقناع، وأن يبعث برسالة أمل وتفاؤل للشباب الذين كانوا يترقبون أجوبة إيجابية عن تساؤلاتهم الحارقة، ويكشف لهم عما تعتزم الحكومة القيام به من إجراءات تستجيب لمطالبهم العادلة، عوض تأجيج نيران غضبهم؟ ثم كيف لحكومة تدعي أنها تجيد الإصغاء لنبض الشارع، فيما ظهر بالملموس أن أحد أعضائها يوجد “خارج التغطية”، وهو يقر بغباء على الهواء أنه غير ملم بتفاصيل الاحتجاجات الشبابية التي تهز الشارع وتجاوزت أصداؤها حدود المغرب البرية والبحرية والجوية؟ والأدهى من ذلك كله أن الناطق الحكومي الذي ضل العنوان، زاد قائلا: “أنا متابع الموضوع لأنه يدخل في اختصاصي، ولكن نهار يكون الملف المطلبي واضح ويدخل في اختصاصات الحكومة سنتفاعل معه بكل السرعة المطلوبة”. ترى عن أي متابعة، وعن أي اختصاصات يتحدث “المحقق بايتاس”؟
فليست هذه المرة الأولى التي توجه فيها موجة من الانتقادات الحادة للناطق الرسمي باسم الحكومة، بل هناك الكثير من السقطات المثيرة تارة للجدل وأخرى للسخرية، التي ما انفك يراكمها منذ توليه المهمة، مما يدعو إلى ضرورة إعادة النظر في المعايير التي يعتمدها رؤساء الحكومات المغربية المتعاقبة في انتقاء الشخص المناسب للقيام بهذه المهمة الصعبة، باعتباره المرآة التي تعكس الوجه الحقيقي للحكومة، حيث يتطلب الأمر أن تتوفر فيه مجموعة من الشروط، ومنها على سبيل المثال: الكفاءة العلمية، التحلي بالرصانة وضبط النفس، الفصاحة في الحديث بعدد من اللغات وسرعة البديهة، القدرة على الإصغاء والتواصل والإقناع، وهي المواصفات التي يفتقر للأسف الشديد “مصطفى بايتاس” إلى الكثير منها.



