وسائل التواصل الحديثة وسؤال المعنى
هوية بريس – ابراهيم أقنسوس
يتأكد مع الأيام، أن وسائل التواصل الإجتماعي الحديثة، أو ما يسمى كذلك، تضع الكثير من مستعمليها، أمام تحديات وإكراهات عديدة، بما تفرضه عليهم من هيمنة، تكاد تستهلك جل طاقاتهم وحيواتهم، وتطوح بهم في اتجاهات شتى؛ ما يعني الحاجة الماسة، إلى التوقف بين الحين والآخر، للنظر في ما يعنيه وجود هذه التقنيات التواصلية، وما يمكن أن تحمله إلينا، من وجهات وقيم ودلالات، في الإتجاهين معا، سلبا وإيجابا؛ ولنا أن نفكر في العناصر التالية :
_أولا : إنها وسائل، وليست غايات، وهذه هي صفتها ابتداء؛ هي معينات تقنية، ينتظر ويطلب، أن تساعدنا على المزيد من الفهم والوعي والرقي، الفكري والسلوكي، عبر توظيفها، والتمكن من توظيفها، لصالح تأكيد وجودنا المعاصر، وتحيين مساراتنا، ووجهاتنا المختلفة؛ لكن الذي حصل، والذي يحصل، بالنسبة إلى الكثيرين، هو انقلاب هذه الوسائل إلى غايات، وتحول هذه التقنية إلى سلطة جديدة، بالمعنى السلبي للكلمة، تمارس اكتساحها واجتياحها، على جل حيوات مستعمليها؛ وبدل ممارسة المواطن لدور الفاعل والمبادر، يتحول سريعا، إلى مفعول به، مبديا كامل استسلامه وقبوله ورضاه، بكل ما تجود به النقرات المتسارعة، التي يتحمل مسؤوليتها إنجازها، دون القدرة على التفكير في نتائجها ومساراتها.
_ ثانيا : هي وسائل للتواصل الحديث، ينتظر أن تعني انخراطنا في الزمن المعاصر، بلا تدقيق في الكلمات، وعلينا ضرورة أن نأخذ منها بنصيب، ولا مجال لإنكارها أو رفضها، ولذلك يلاحظ أنه، مع كل التمنع الذي يبديه بعضنا أحيانا، ومع كل النقد العاطفي، الذي يدلي به الكثيرون، فإنهم في النهاية، لا يجدون بدا من التعامل مع هذه الوسائل، وبنفس المنطق السلبي، وغير المفيد غالبا؛ وهنا تكمن المفارقة، ما يعني ضرورة مساءلة علاقتنا المرتبكة، بهذه الوسائل باستمرار، بما يقودنا إلى امتلاك منظورات ضابطة بشأنها.
_ ثالثا : هي وسائل للتواصل، والتواصل يحمل معاني، التعارف، والتثاقف، والتحاور، والتناظر، والتفاهم، والتخالف، والتباحث، والتعاون، وما إليها، وكلها تتجه، ويجب أن تتجه إلى بناء المعنى، وإلى المساهمة في إقامة العمران البشري؛ لكن الذي حدث ويحدث، مرة أخرى، بالنسبة إلى الكثيرين، هو إقامة التواصل، من أجل التنافر، والتعارف من أجل التدابر، ومن أجل إشاعة ألوان من التفاهات، والتشوهات الفكرية والسلوكية، لا فرق في ذلك بين المتعلمين من الناس، وغير المتعلمين، وهذه إحدى معضلات تفاعلنا مع هذه الوسائل، إذ سرعان ما تتحول صفحات (الفيسبوك) وغيرها، عند الكثيرين، إلى حيطان مشاعة، لعرض صورهم، وهم يلتهمون المأكولات والمشروبات، ويتجولون هنا وهناك، ويدلون ببعض الأحاديث التافهة، وعند آخرين، إلى مناسبة لاستعراض، كل شيء، وبدون تعليق؛ ما يعني إفراغ التقنية من معانيها التواصلية الجادة، التي تعني نشر ما يفيد وما يبني، وما يهم عموم المواطنات والمواطنين، من قضايا ومعاني ومعارف، بعيدا عن الشخصانيات والبهلوانيات، والمشاهد الفارغة، والتي تؤكد باستمرار، فشلنا البين، في التعامل مع التقنية، وعدم نجاحنا في امتلاكها، واكتفائنا بالاستهلاك البليد لإمكاناتها، بدل الإبداع في توظيفها، والإفادة منها.