وقفات مع طائفة القرآنيين أو أصحاب كفاية القرآن (ج1)
هوية بريس – د. رشيد بنكيران
تسعى هذه الوقفات العلمية إلى مناقشة فكر القرآنيين؛ أصحاب كفاية القرآن، أو القرآن وكفى، الطائفة التي لا تعترف بوجود وحي ثان مع القرآن الكريم، فهي تنكر السنة النبوية على أنها وحي من الله جل جلاله أنزلها على رسوله ونبيه عليه الصلاة والسلام، فكلام محمد عليه الصلاة والسلام خارج القرآن المرتبط بالدين ليس وحيا من الله، بل حكمة وقتية وسياسة تدبيرية اجتهادية غير معصومة، وبالتالي غير ملزمة لجميع المسلمين بعده، وليس مصدرا للتشريع، فالمصدر التشريعي الوحيد المعتمد لديهم، والذي ينسب إلى الشرع أو إلى الله سبحانه هو القرآن الكريم وكفى.
وتعدّ مقولة إنكار السنة النبوية على أنها وحي من الله هي العقيدة الأم أو الرئيسة لدى أصحاب كفاية القرآن، ثم تناسلت على إثرها آراء ومعتقدات في غاية الشذوذ والانحراف ولا تزال. قد يختلف القرآنيون فيما بينهم في بعضها، بين متشدد وغير متشدد، ولذا يمكن أن يصنفهم الباحث إلى أقسام، لكن لن ألتفت في هذه الوقفات العلمية إلى هذا التقسيم إلا إذا كانت وراءه مصلحة علمية وضرورة بيانية اقتضاها الحوار الهادئ، فحينئذ ستكون الإشارة إليه.
وإذا كان إنكار حجية السنة النبوية هي العقيدة الأم لدى طائفة كفاية القرآن، فإن التاريخ حفظ لنا أسماء ومناهج لفرق ضالة كان موقفها من السنة النبوية هو المباينة والمفارقة مثل الشيعة والخوارج والمعتزلة، على اختلاف في مستوى تلك المباينة والمفارقة، وهذا يعني أن جوهر مقالة القرآنيين ليست جديدة ، وإنما الجديد فيها هو القالب الذي يتضمن فكرة إنكار السنة النبوية، ولهذا قد تجد في كلام العلماء المتقدمين أو المتأخرين ما يصلح أن يكون ردا على فكر القرآنيين كذلك، إما من حيث المنقول أو من حيث المعقول، من هذا الكلام ـ وهو كثير ـ ما قاله الإمام الشاطبي: ” أن الاقتصار على الكتاب رأي قوم لا خلاق لهم، خارجين عن السنة؛ إذ عولوا على ما بنيت عليه من أن الكتاب فيه بيان كل شيء، فاطرحوا أحكام السنة، فأداهم ذلك إلى الانخلاع عن الجماعة وتأويل القرآن على غير ما أنزل الله”. الموافقات (4/ 325). وهذه الأقوال -وغيرها كثيييير- يدفع ادعاء بعض القرآنيين أن العلماء المتقدمين أو المتأخرين لم يتأتّ لهم النظر في مقالة كفاية القرآن، وهو ادعاء فارغ يدل على قلة الاطلاع الذي يفترض أن لا يقع فيه من بوأ نفسه منقذا من الضلال، وأي ضلال؛ ضلال استمر أربعة عشر قرنا.
لماذا هذه الوقفات مع القرآنيين اليوم؟
لا يخفى أن الحاجة داعية في كل وقت وحين أن نقف مع الفرق التي تدعو إلى إنكار أصول التشريع الإسلامي والتي من بينها السنة النبوية الشريفة ، وهذه الحاجة تكون أكيدة حينما تكون فرقة ما اتخذت مطية لدعوتها القرآنَ الكريم، والذي تعلقت بحبه قلوب المسلمين غاية الحب، فلا جرم أن دعوة مثل هذه تكون خطيرة على بسطاء الناس ذوي النية الحسنة الذي ليس لهم نصيب كاف من علوم الشريعة، فإن أصحاب كفاية القرآن يستغلون حب الناس للقرآن الكريم وأن مقامه لا يعلى عليه، فيستدرجونهم حتى يقعوا في شراكهم وفي سحر قولة أو شعار: القرآن وكفى، وهو مثل ما تقوم به الشيعة من استغلال حب المسلمين لآل بيت رسول الله، فتضرب على أوتار المظلومية التاريخية المتعلقة بمقتل الحسين رضي الله عنه مثلا حتى تجلب عطف هؤلاء المسلمين، ثم استدراجهم لتبني مقتضيات تلك المظلومية بزعمهم، فيعقون في منابذة الصحابة رضي الله عنهم، وهي الخطوة الأولى نحو التشيع.
وكذلك تتأكد هذه الحاجة أكثر حينما ترى بعض النخبة الفكرية التي تتوقع منها أن تكون مدافعة عن الحق، صارمة في اتخاذ الموقف الشرعي أمام الدعوات الهدامة، تراها مستقبلة مقالة كفاية القرآن على أنها من الاختلاف الذي يسعنا قبوله، أو من الاختلاف المعتبر، أو من باب حق الاختلاف!!؟. وفي تقديري أن هذا الموقف من هؤلاء يدق ناقوس الخطر الذي يستوجب الحديث عنه وبيان فساد مآله.
وأيضا تكون هذه الحاجة أوكد حينما ترى من كان مع على الدرب بالأمس القريب، جنبا بجنب، قلبا على قلب، قد خطفته شبهة كفاية القرآن وأصبح بوقا يدعو إليها ويجتر ما سبقه غيره في تأصيل ذلك الانحراف، يدعو إليه أمام الملأ في ضحى الناس اليوم، و قد كان الائق به أن يبدأ بعشيرته الأقربين من علماء وطلبة العلم ولو كان قرآنيا حقا، ولكن.. فعسى أن تكون في هذه الوقفات ما يدعوه إلى مراجعة ما علق به من شبه، ولن أقول ما أبعد هذه العسى، فمن صدق الله يصدقه، والجزاء من جنس العمل.
المنهاج المرتضى في هذه الوقفات
هذه الوقفات؛ “وقفات مع طائفة القرآنيين أو أصحاب كفاية القرآن” ليس ردا على شخص بعينه، وإنما هي رد على فكر منحرف ، أخاطبه بلغة العقل والحجة والبرهان، ولهذا لا أرى من المناسب ذكر أسماء هذا الفكر إلا إذا كانت الفكرة نفسها تستوجب ذكر من قال بها لأجل توضيحها، ولا أظن أنني سألتجئ إلى ذلك إلا قليلا -والله أعلم-.
هذه الوقفات، وإن كانت حوارا هادئا مع القرآنيين فإني أرجو الله، بفضل الله وكرمه، ان يستفيد منها الجميع.