وقفات مع كلمة بنعلي وفوز حزب أخنوش الليبرالي بالانتخابات
هوية بريس – ذ.ناصر عبد الغفور
مقدمة:
يقول الله تعالى ذكره وتقدست أسماءه: “وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ”-البقرة:251-.
فمن سنن الله تعالى الكونية سنة التدافع (تدافع الحق والباطل)، وهذه من أعظم السنن التي يدفع الله فيها بأهل الحق والصلاح ضرر أهل الباطل والإفساد، ولولا ذلك لعم الفساد ولطغى أهل العصيان والعناد ولاندحر الحق وطمس بين العباد. فالله جل جلاله قضى كونا أن تكون هذه الحياة مسرحاً للصراع بين أنصار الحق والباطل، بين قوى الخير وقوى الشر.
فالتدافع بين أهل الحق وأهل الباطل سنة كونية حتمية لا بد منها على مدى التاريخ، فلا يمكن تصور تعايش سلمي بين الحق والباطل، بل لا بد من صراع وتدافع بينهما وغلبة أحدهما على الآخر.
قال تعالى: “وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً” -الفرقان: 20-.
فلم يخل زمان ولن يخلو زمان من هذا التدافع والصراع إلى قيام الساعة، ومن رحمة الله تعالى أن قيض للحق رجالا يدافعون عنه وينافحون، ويقفون في وجه أهل الباطل ويصدون، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم و لا من خالفهم حتى يأتي أمر الله و هم ظاهرون على الناس”-متفق عليه-، وفي رواية:”و لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله”-مسلم-.
يقول الإمام النووي رحمه الله تعالى عن الطائفة المذكورة في الحديث:” قال البخارى هم أهل العلم وقال أحمد بن حنبل إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم…قلت ويحتمل أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين منهم شجعان مقاتلون ومنهم فقهاء ومنهم محدثون ومنهم زهاد وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر.”([1]).
ولا شك أن كل من قام في وجه الباطل وأهله ناهيا عن المنكر آمرا بالمعروف فإنه يدخل في زمرة هذه الطائفة المباركة.
وفي بلدنا المغرب ولله الحمد الكثير من العلماء والدعاة الذين يذبون عن الحق ويقفون بقوة في وجه الباطل-كل بحسبه وكل بطريقته([2])-، ومواقفهم في ذلك ظاهرة معلومة، ومن هذه المواقف موقفهم من تلك الكلمة التي نطق بها أحد المستغربين مبشرا بفوز حزب ليبرالي في انتخابات 08/09/2021.
وطمعا في ثواب الله وفضله وغيرة مني على دينه سبحانه وشريعته فقد رأيت أن أقف وقفات مع تلك الكلمة مبينا ما وراءها ومحذرا من الخطر الذي تحويه في طياتها وعمدتي في ذلك وحجتي كتاب ربي وسنة نبيي صلى الله عليه وسلم.
لكن قبل هذه الوقفات لا بأس من نظرة شرعية للانتخابات التي تقام في بلادنا وسائر البلاد.
وقد جاءت هذه المقالة متضمنة للنقاط التالية:
الانتخابات في ميزان الشرع.
عود على بدء.
تعريف الليبرالية.
الوقفة الأولى: (لا غرابة).
الوقفة الثانية: (انتهاك لحرمة المغاربة ولدستور البلاد).
الوقفة الثالثة: (مخطط محكم ينفذه المستغربون).
الوقفة الرابعة: (حقا إننا نعيش سنوات خداعات).
الوقفة الخامسة: (من علامات الساعة).
خاتمة القول.
الانتخابات في ميزان الشرع:
إن المتأمل للنصوص لا يشك في عدم مشروعية الانتخابات وذلك من وجوه، أكتفي ببعضها:
1- قيامها على أساس تنافسي بين أحزاب غالبا ما تكون متنازعة بل متناحرة، يصدق فيها قول البارئ سبحانه: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}.
فالأحزاب التي أخبر بها الوحي حزبان لا ثالث لها: حزب الله وحزب الشيطان:
“أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”، “أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ”-المجادلة-.
وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بالاجتماع ونهانا عن الفرقة والتشتت، فالافتراق سبب الضعف والاختلاف والنزاع والشقاق، فهاهي الأمة الإسلامية لما كانت مجتمعة متآلفة كانت في أوج قوتها وعطائها ولما افترقت وتدابرت([3]) ذب له الوهن والضعف وصارت في ذيل الأمم، والله المستعان.
قال تعالى:” وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا”-آل عمران-، يقول العلامة السعدي بالافتراق والتعادي يختل نظامهم([4]) وتنقطع روابطهم ويصير كل واحد يعمل ويسعى في شهوة نفسه، ولو أدى إلى الضرر العام“([5])، وهذا حال الأحزاب السياسية في بلادنا إلا من رحم الله.
وقال جل شأنه:” وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)”-الأنفال-.
2- الأصل في تحمل مثل تلك المسؤوليات ألا تكون بالطلب بل من طلبها لا يعطاها، فقد روى الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه –باب ما يكره من الحرص على الإمارة- عن أبي موسى-رضي الله عنه- قال: دخلت على النبي صلى الله عليه و سلم أنا ورجلان من قومي فقال أحد الرجلين أمّرنا يا رسول الله وقال الآخر مثله فقال ( إنا لا نولي هذا من سأله ولا من حرص عليه ).
وفي رواية:” إنَّا- والله!- لا نولي هذا العمل أحداً سَأَلَهُ، ولا أحداً حرص عليه”([6]).
يقول العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى:”يعني لا نولي أحدا سأل أن يتآمر على شيء وحرص عليه وذلك لأن الذي يطلب أو يحرص على ذلك ربما يكون غرضه بهذا أن يجعل لنفسه سلطة لا أن يصلح الخلق فلما كان قد يتهم بهذه التهمة منع النبي صلى الله عليه وسلم أن يولى من طلب الإمارة وقال إنا والله لا نولى هذا الأمر أحدا سأله أو أحدا حرص عليه.”([7]).
وبالنسبة لأحزاب هذا العصر فالأمر لا يقتصر على مجرد التهمة بل أصبح الأمر وصفا لاصقا بهم، فالكل لا يتنافس إلا لتحقيق مآربه ومصالحه الخاصة(إلا من رحم الله طبعا)، ولا أدل على ذلك من تلك الوعود الانتخابية التي بمجرد وصول أصحابها إلى الكراسي تصبح في خبر كان وفي طي النسيان… لكن إن نسوها وجعلوها مجرد وسائل للوصول فهناك من لا ينسى:” وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا”.
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من طلب المسؤولية والإمارة لمن لم يكن لها كفؤا، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:” إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة فنعم المرضعة وبئست الفاطمة”([8])-رواه البخاري-.
نقل ابن بطال رحمه الله في شرحه لصحيح البخاري عن المهلب:” حرص الناس على الإمارة ظاهر العيان ، وهو الذى جعل الناس يسفكون عليها دماءهم ، ويستبيحون حريمهم ، ويفسدون فى الأرض حين يصلون بالإمارة إلى لذاتهم ، ثم لابد أن يكون فطامهم إلى السوء وبئس الحال ؛ لأنه لا يخلو أن يقتل عليها أو يعزل عنها وتلحقه الذلة أو يموت عليها فيطالب فى الآخرة فيندم.”([9]).
وكل هذه الأمور التي ذكرها المهلب رحمه الله تعالى متحققة في الأحزاب([10]):
– فكل المتنافسين في غاية الحرص وأشده للوصول إلى الكراسي…
– كل الوسائل تستعمل في الحملات الانتخابية بل وصل الأمر إلى استعمال الأسلحة البيضاء للتهديد، وكثيرة هي الحوادث التي وقعت في الانتخابات الأخيرة والتي تنبئ عن مدى الجشع الكبير الذي تتصف به بعض الأحزاب، فهذا زوج مرشحة يعتدى عليه بالضرب والجرح لا شيء إلا لأن زوجته امتنعت من التخلي عن التباري، ومرشح آخر يهدد مؤيديه بالسيوف….
– أما الإفساد في الأرض سواء قبل الوصول أو بعده فمما لا يختلف فيه عاقلان ولا ينتطح فيه عنزان كما يقال، والكثير منهم يصدق فيه قول البارئ سبحانه:” وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12)”-البقرة-.
3- قيامها على أساس ما يسمى بالديمقراطية([11]) وهي باختصار تدور حول حكم الشعب بنفسه، وحكم الشعب معناه أن الشعب صاحب السيادة العليا في المسائل التشريعية، وأنه لا سلطة فوق سلطته التشريعية التي انتخب لها من يمثله، وعليه فإن كل ما حكم به الشعب عن طريق ممثليه فهو القانون الذي يخضع له كل مواطن ولا يحق لأحد مخالفته.
إذن فأين تشريع مالك الملك سبحانه وأين القانون الإلهي في ظل الديمقراطية؟ إنه الإقصاء والإلغاء نعوذ بالله من غضبه ومقته.
4- انعدام أدنى الشروط التي يجب توفرها في من سيمثل الشعب، من التقوى والنزاهة والعدالة و تقديم المصلحة العامة على الخاصة…بل وصل الأمر إلى أن بعض الممثلات في شاشات السينما والتلفاز يصلن إلى مجلس النواب…
5- اختيار الناخبين يعتبر شهادة ومعلوم أن الشاهد يجب أن تتوفر فيه مجموعة من الشروط كالعادلة والثقة، وهل كل المواطنين الذين يقدمون أصواتهم تتوفر فيهم هذه الشروط؟ الجواب طبعا بالنفي.
الأصوات أصبحت سلعا تشترى وتباع ومن أعطى أكثر حصل على الأكثر، فكم وكم من الأموال تصرف كرشاوى لشراء أصوات المنتخبين…
وهذا غيظ من فيض كما يقال.
عودا على بدء:
لم يجد المسمى بنعلي (الأمين العام لجبهة القوى الديمقراطية) ما يبشر به الشعب المغربي بفوز حزب التجمع الوطني للأحرار ووصول أخنوش الليبرالي إلى رئاسة الحكومة إلا كلمة صدمت الكثير من المغاربة -ويحق لهم ذلك-، وصدق رسول صلى الله عليه وسلم إذ يقول:” وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم”-رواه البخاري-.
يقول بنعلي بكل وقاحة وسفاهة:” في هذه المرحلة الدقيقة التي انتقل فيها المغرب من مشروع دولة إسلامية إلى مشروع دولة ليبرالية ديمقراطية اجتماعية”، وقد تلفظ بهذا النتن بالقرب من أخنوش الذي لم يحرك ساكنا والتزم السكوت لا لشيء إلا لرضاه عن تلك الكلمات الساقطات، وإيمانه التام بها واعتقاده الجازم لمضمونها وفحواها، وللتذكير فإن تلك الندوة جرت بعد لقاء بين الرجلين، ولا يستبعد أن يكونا اتفقا على تلك الكلمات قبل إلقائها.
لذا فتلك الكلمات إن صدرت عن بنعلي اليساري بلسان مقاله وحاله فهي كذلك صادرة عن أخنوش الليبرالي بلسان الحال، وكما يقال: لسان الحال أبلغ من لسان المقال.
وفي الحقيقة فإن بنعلي بكلماته تلك إنما أظهر الوجه الحقيقي لحزب أخنوش ونظرته للأمور، فهي رسالة إلى المواطنين ليعرفوا حقيقة الحزب الليبرالي الذي سيترأس حكومة البلاد([12]).
لكن ألم يعلم بنعلي أنه يخاطب شعبا آمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا…؟
أم أنها نشوة انتصار أوليائه من الليبراليين ووصولهم إلى الحكم ذهبت بعقله فهرف بما لا يعرف؟
تعريف الليبرالية:
ولمن لا يعرف معنى الليبرالية، أقول: إن الليبرالية ليست سوى وجها من وجوه شجرة العلمانيَّة الخبيثة، إنها بكل اختصار الحرية المطلقة، فالإنسان حر في عقيدته، حر في عبادته، حر في انتمائه، حر في تصرفاته، حر في أقواله، حر في آرائه وفي كل شيء، إنه إله نفسه، حال لسان الليبرالية بكل اختصار: “كل إله نفسه ومعبوده هواه لا معبود غيره”.
فأساس الليبرالية هو الحرية ولا شيء غير الحرية، وهذا الأمر هو أصل ظاهر اللفظ، فمصطلح الليبرالية مشتق من (ليبرتي) ومعناها (الحرية).
وقفات:
إن كلام ذاك المعتوه وما بشر به من وصول حزب ليبرالي إلى رئاسة الحكومة يحتاج منا أن نقف معه وقفات مستخلصين عبرا وعظات ومبينين ما وراء تلك الكلمات من حقائق وطامات.
وهذه بعض الوقفات أضعها بين يدي القارئ الكريم ليعرف مدى المكر الذي يحيكه القوم والكيد الذي يكيدونه([13]):
الوقفة الأولى: (لا غرابة):
1- لا نستغرب من تلك الكلمة المشؤومة إذا علمنا أن الحزب الذي سيحكم أعدى أعدائه الإسلام، وأبغض شيء عنده الحكم بما أنزل الله جل في علاه.
فكل القوانين إنما تصدر على أساس ديمقراطي، حتى ولو كانت تعارض معارضة تامة الحكم الرباني، فإذا اتفقوا –لا قدر الله- على قانون يبيح الخمر ولا يجرم الزنا وآخر يبيح اللواط…، صار القانون معمولا به ولا يجوز معارضته، رغم أنه مناقض لحكم الله…
2- لا نستغرب من تلك الكلمة المشؤومة إذا علمنا أن حزب أخنوش كغيره من الأحزاب الليبرالية يكون في غاية السرور إذا حكم بقوانين الغرب الكافر وقانون الشيطان، ويشمئز كل الاشمئزاز إذا ذكر حكم الله، كما قال تعالى في أمثالهم:” وإذا ذُكِر الله ُوَحدَهُ اشمَأَزَّت قلوبُ الذين لايُؤمِنُونَ بِالآخرِةِ وَإِذا ذُكِرَ الذينَ مِنَ دونِهِ إذا هُم يَستَبشِروُن ) –الزمر:45-.
3- لا نستغرب من تلك الكلمة الخبيثة إذا علمنا أنها بشرت بحزب يحارب التدين والعفاف والصلاح والاستقامة على منهج الله، ويعتبر كل ذلك تطرفا وإرهابا يجب القضاء عليه…
4- لا نعجب من تلك الكلمة إذا علمنا أن حزب الأحرار كحزب ليبرالي يدافع عن الحريات في الأجساد، كما قالت بعض الفاسقات:” جسدي ملكي أنا حرة فيه”، فالمرأة حرة في لباسها، لكن لا إذا تعلق الأمر بالحجاب فحينئذ يودون لو صودرت تلك الحريات، ولعلنا نرى ونسمع –لا قدر الله- بسن قوانين تمنع الحجاب في الأماكن العمومية ومؤسسات التعليم وهلما جرى…
5- لا نعجب إذا علمنا أن الوحيين كتابا وسنة لا قيمة لهما في ميزان الحزب الليبرالي، لأن نصوصهما تقرع آذانهم وتفزع قلوبهم…وكيف لا وهي أوامر ربانية أو نواهي إلهية تعارض كل المعارضة الأوامر والنواهي الشيطانية التي يعضون عليها بالنواجد…
6- لا غرابة إذا علمنا مدى الموالاة التي يعقدها الليبراليون مع أعداء الله من الكافرين، وفي المقابل مدى البغض الذي يكنونه لأولياء الله من المؤمنين.
يقول ربنا جل جلاه: “بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139)”.-النساء-.
يقول العلامة السعدي رحمه الله تعالى:”وفي هذه الآية الترهيب العظيم من موالاة الكافرين؛ وترك موالاة المؤمنين، وأن ذلك من صفات المنافقين، وأن الإيمان يقتضي محبة المؤمنين وموالاتهم، وبغض الكافرين وعداوتهم.”-تيسير الرحمن:209-.
7- لا غرابة إذا علمنا أن الحزب الذي سيرأس الحكومة حزب يؤمن بحرية الجنس وأنه لا يجوز تقييده في إطار الزواج بل كل العلاقات إذا كانت برضا الطرفين فلا ينبغي منعها ولو كان الطرفان من نفس الجنس…لذا فلا يستبعد-لا قدر الله- سن قوانين تشبه تلك التي صادقت عليها بعض دول الكفر كقانون المثلية وغيره.
8- لا غرابة إذا علمنا أن أولائك القوم معادين حقيقة لدين الإسلام وشعائره وإن تظاهر بعضهم بخلاف ذلك…فكيف نطمع إذن في تحسن الوضع الديني تحت حكم حزب حقيقته أنه لاديني؟
إذا كان المجال الديني قد تم تضييقه بقوة في ظل حكم حزب إسلامي([14]) من الاستمرار في غلق دور القرآن وغلق كثير من المساجد وتوقيف بل سجن خطباء جهروا بكلمة الحق…فكيف سيكون الحال في ظل حكم حزب ليبرالي؟
9 – لا نستغرب من تلك الكلمة المشؤومة إذا علمنا أنها بشرت بفوز حزب رئيسه ماسوني، وللإشارة فإن أخنوش ترأس سنة 2007 وفدا حضر مؤتمرا ماسونيا بأثينا.
والماسونية ورقة قوية بيد الصهيونية هدفها استرجاع المجد الصهيوني، فهي تحارب كل الأديان إلا الدين اليهودي-المحرف طبعا-، وتقوم على محافل في غاية السرية.
ومن أقوال المحفل الماسوني الأكبر سنة 1912: ” سوف نقوي حرية الضمير في الأفراد بكل ما أوتينا من طاقة، وسوف نعلنها حرباً شعواء على العدو الحقيقي للبشرية الذي هو(الدين)، وهكذا سوف ننتصر على العقائد الباطلة وعلى أنصارها”([15])، والمقصود بالدين طبعا كل دين إلا اليهودية.
وقال كوكفيل في محفل منفيس بلندن: “إننا إذا سمحنا لمسلم أو نصراني الدخول في أحد هياكلنا، فإنما ذلك قائم على شرط أن الداخل يتجرد من أضاليله ويجحد خرافاته وأوهامه التي خدع بها في شبابه.”([16]).
وفي محاضرات محفل الشرق لعام 1923 قولهم: “إنه يجب أن تبقى الماسونية وتصرفاتها المستمرة لملة واحدة، وعليه يجب محو جميع الأديان ومنتسبيها من الأساس”([17]). والمقصود بالملة الواحدة الملة اليهودية.
فلا غرابة أن يصدر مثل ذلك الكلام عن مبشر برئيس ماسوني وإن أخفى ماسونيته، فإخفاءها أمر معلوم عند القوم،{ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ }.
10- لا غرابة إذا كان حزب الأحرار يؤمن إيمانا جازما لا يخالطه أدنى شك في وجوب الفصل التام بين الدين والسياسة، وأنه لا دخل للإسلام لا من قريب ولا من بعيد في شؤون الدولة وتدبير سياساتها، وهذا أمر ظاهر فحزب الأحرار كما أسلفت حزب ليبرالي قد سرت العلمانية المقيتة في جدوره، فعقيدتهم:« دع ما لقيصر لقيصر ، ودع ما لله لله».
الوقفة الثانية: (انتهاك لحرمة المغاربة ولدستور البلاد):
إن كلام الرجل يعد انتهاكا لحرمات كل المغاربة الذين دانوا لله بالإسلام فهم مسلمون أبا عن جد رغم أنوف الحاقدين…وكل الدول التي تعاقبت على حكم المغرب كان دينها ولله الحمد الإسلام، فمن الأدارسة إلى العلويين، الكل يدين بالإسلام.
فهو كذلك انتهاك صارخ لدستور الدولة الذي ينص في فصله الثالث بأن:
( الإسلام دين الدولة ).
الوقفة الثالثة: (مخطط محكم ينفذه المستغربون):
إن كلام ذاك النكرة ليس مجرد كلام نطق به رئيس حزب من الأحزاب، بل هو داخل في إطار مخطط محكم هدفه طمس الإسلام في بلاد المغرب وتغيير هوية المغاربة…مخطط وضع أسسه المستعمر ولم يخرج حتى ترك من ينوب عنه ممن تتلمذ على يديه وتربى في حجره وأشرب فكره…
فقد علم المستعمر أن الغزو العسكري لم ولن يجدي شيئا فانتقل إلى نوع آخر من الغزو يعتبر أكثر فتكا وأشد قوة ألا وهو الغزو الفكري، فالغزو العسكري أقصى ما يصل إليه أن يلحق الضرر بالأبدان، أما الغزو الفكري فإنه يفسد الأفكار والأديان…
وقد نوع المستعمر آلياته ووسائله وأساليبه لتحقيق هذا الغزو، وفي مقدمة هذه الوسائل اعتماد فئة من ضعفاء الإيمان الذين آثروا متاع الدنيا على رضا الرحمن وباعوا دينهم بثمن بخس وهذا عين الخسران، نعوذ بالله من الخدلان.
إنهم المستغربون الذين ظاهرهم الإسلام لكن قلوبهم مع أعداء الإسلام، دعاة على أبواب جهنم كما وصفهم الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، فقد روى الإمام البخاري رحمه الله تعالى بسنده عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه:” كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال ( نعم ). قلت وهل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال نعم وفيه دخن ). قلت وما دخنه ؟ قال (قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر). قلت فهل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال ( نعم دعاة إلى أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها ) . قلت يا رسول الله صفهم لنا ؟ فقال ( هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ).”.
يقول الدكتور سليم الهلالي حفظه الله تعالى في كتابه الماتع (لماذا اخترت المنهج السلفي):
“لكيلا تستيقظ الأمة الإسلامية على وخز الإبر السامة المحقونة بالجراثيم الفاتكة التي تغرز في جسمها، وإمعانا في تضليلها وتعتيم الأمور عليها وحجب الحقائق عن بصرها، فقد قام أئمة الكفر بإقامة مصانع داخليه، لإفراز سمومهم من الداخل فلا تظهر أعراض المرض الخبيث إلا بعد مدة طويلة، وحينئذ يستعصى على الطبيب وتحير اللبيب.
هذه المصانع التي تردد ما يلقى في سمعها من أعداء الله وتفرز ما يحقنه بها أئمة يهدون إلى النار هي من جلدتنا وتتكلم بلغتنا وتزعم الحرص على أمتنا والعمل على بعث حضارتنا.
ولذلك فإن الذين غرسوا هذه الجراثيم في جسم الأمة الإسلامية هم من أبنائها.
ولكن الرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم لم يترك في الأمر لبسا فقد بينه بوحي من الله ولم يكن حدسا. ففي حديث حذيفة وصف لهؤلاء النفر الذين صنعهم أئمة الكفر على أعينهم وغذوهم بلبانهم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها قلت يا رسول الله صفهم لنا قال هم قوم من جلدتنا يتكلمون بألسنتنا”([18]).
وقد جلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر أكثر فذكر وصفا آخر لهم ففي رواية عند الإمام مسلم رحمه الله تعالى:” قال: يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس…”.
فالأجساد أجساد إنس لكن القلوب قلوب شياطين عياذا بالله، يظهرون الحرص على مصالح الأمة ونموها ورقيها لكن الحقيقة عكس ذلك فقلوبهم مع الكافرين، لا يميلون قيد أنملة عن تقرير ما لقنوه في محاضن الكفر ومجالس الشياطين في بلاد الكفرة الملحدين.
لا يملّون ولا يفترون من ترسيخ المقررات التي درسوها عند أساتذتهم والأفكار التي أشربها عند أسيادهم.
وقد وصف ربنا جل في علاه مثل هؤلاء فقال:” وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ”-البقرة:14-، يقول العلامة السعدي رحمه الله تعالى:” هذا من قولهم بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، و[ذلك] أنهم إذا اجتمعوا بالمؤمنين، أظهروا أنهم على طريقتهم وأنهم معهم، فإذا خلوا إلى شياطينهم – أي: رؤسائهم وكبرائهم في الشر – قالوا: إنا معكم في الحقيقة، وإنما نحن مستهزءون بالمؤمنين بإظهارنا لهم، أنا على طريقتهم، فهذه حالهم الباطنة والظاهرة، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله.”([19]).
الوقفة الرابعة: (حقا إننا نعيش سنوات خداعات):
يقول رسول الله صلى عليه وسلم:” سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب و يكذب فيها الصادق و يؤتمن فيها الخائن و يخون فيها الأمين و ينطق فيها الرويبضة قيل : و ما الرويبضة ؟ قال : الرجل التافه يتكلم في أمر العامة.”-صحيح ابن ماجة-.
هذا والله ما نعيشه اليوم، الخونة الذين خانوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وخانوا الأمة الإسلامية هم الذين يؤتمنون ويقررون ويسنون قوانين البلاد رغم أنهم لا هم لهم إلا تنفيذ مخطط يعارض الإسلام ويهدف طمس الهوية الإسلامية.
في حين أن الأمناء الأشراف الذين استسلموا لله وامتلأت قلوبهم غيرة على دين الله هم في نظر أولائك خونة لا لشيء إلا أنهم رفضوا السير على نهجهم وآثروا رضا ربهم على الإذعان لأساتذة القوم وأسيادهم، { وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ }.
فجدوا في تشويه صورتهم باللمز ووصفهم بأقبح الصفات(إراهبيون متطرفون متشددون…) مسخرين في ذلك وسائل الإعلام التي في قبضتهم.
“ينطق فيها الرويبضة قيل: و ما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة”.
صدقت يا رسول الله، فتجد الواحد من هؤلاء لا يحسن وضوءه بله صلاته يترأس المجالس ويتكلم في الأمور العظام التي ربما لو كانت في زمان عمر رضي الله عنه لجمع لها شيوخ بدر.
تراه يقرر وينظر ويتكلم في أمور تتعلق بمصير شعب بأكمله قد فوّض له الأمر في المدلهمات ووكل إليه عقد الصفقات المهمات وهو في ميزان الشرع من أتفه الناس وأجهلهم بدين رب الأرض والسموات.
ورحم الله العلامة الألباني إذ يقول:” و ما أكثر هؤلاء ( الصغار ) الذين يتكلمون في أمر المسلمين بجهل بالغ”([20]).
الوقفة الخامسة: (من علامات الساعة):
إن ما يعيشه المغرب وغيره من كثير من بلاد الإسلام ممن أسندت فيه المناصب والمهمات وكلف بعظيم الأمور وفض المشكلات من ليس أهلا لذلك بل ليس من العدول الثقات يعتبر علامة من العلامات على قرب الساعة وفناء هذه الحياة.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما النبي صلى الله عليه و سلم في مجلس يحدث القوم جاءه أعرابي فقال متى الساعة ؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث فقال بعض القوم سمع ما قال فكره ما قال . وقال بعضهم بل لم يسمع . حتى إذ قضى حديثه قال ( أين – أراه – السائل عن الساعة). قال ها أنا يا رسول الله قال (فإذا ضعيت الأمانة فانتظر الساعة). قال كيف إضاعتها ؟ قال (إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)-رواه البخاري-.
وقد روى الإمام البخاري رحمه الله تعالى هذا الحديث تحت باب: ( رفع الأمانة )، قال الحافظ في الفتح:” هي ضد الخيانة والمراد برفعها ذهابها بحيث يكون الأمين معدوما أو شبه المعدوم”([21]).
وهل من يصل إلى الكراسي ويفوز في الانتخابات بالرشاوى والوعود الكاذبة يعد في ميزان الشرع أمينا؟
وهل من يكون همه من تولي المسؤولية تحقيق مآربه ومصالحه الخاصة على حساب المصلحة العامة يعتبر أمينا؟
وهل من يعمل في إطار مخطط محكم هدفه طمس هوية المغاربة والاستخفاف بدينهم الذي فطروا عليه يعتبر أمينا؟
إن إقصاء أهل الدين والإيمان وأهل العلم والعرفان من تقلد الأمور في البلاد وتولية المستغربين الذين أشربوا آراء الغرب وفكره فصار هدفهم طبع المغرب والمغاربة بطابع الغرب يعتبر علامة من علامات الساعة التي أخبر بها من لا {يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى}.
خاتمة القول:
كانت تلكم وقفات مع تلك الكلمة التي خرجت من فيه ذاك النكرة وما تضمنته في طياتها من حقائق وأخطار قد يظنها البعض مجرد فلتات لسان، لكنها والله (مكر الليل والنهار).
فأسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يحفظ بلادنا وسائر بلاد المسلمين من كيد الأشرار ويقيض لها من عباده الأخيار من يكون كفؤا لتحمل الأمور بأمانة واقتدار ويكون في خدمتها من المخلصين الأبرار.
كما أسأله سبحانه أن يرد عنها كيد الكائدين ومكر المستغربين الذين استنسروا في البلاد وهضموا حقوق العباد، فاللهم يا رافع السموات بلاد عماد طهر بلادنا من كيدهم وأبطل مخططاتهم وردهم هم وأسيادهم من الكفرة خائبين ذليلين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين واخذل الكفرة والملحدين وأهل البدع والضلالات والمشركين، وهيئ لملك البلاد بطانة صالحة تعينه على الخير في كل أوان وحين.
وصلى الله وسلم على سيد ولد آدم وخاتم المرسلين وعلى آله وأصحابه أجمعين.
كتبه الفقير إلى عفو ربه أبو أحمد ناصر عبد الغفور.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1] ) شرح النووي على مسلم(المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج):13/67.
([2] ) رغم ما يبتعرض له البعض منهم من التضييق بل من السجن والتعذيب، وتلك سنة الله في أهل الحق، فهم مبتلون ولكن العاقبة لهم.
([3] ) بتخطيط وتدبير الغرب الكافر علما منه بمفعلول هذه التفرقة، ويقينا منه بالقولة المشهورة:”فرق تسد”.
([6] ) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه وصححه الألباني.
([8] ) يقول الدكتور مصطفى ديب البغا في شرح لصحيح البخاري:”( ندامة ) لمن لم يعمل فيها بما ينبغي عليه. (فنعم المرضعة) أول الإمارة لأن معها المال والجاه واللذات الحسية والوهمية . ( بئست الفاطمة ) آخرها لأن معه القتل والعزل والمطالبة بالتبعات يوم القيامة.”.
([9] ) شرح صحيح البخاري لابن بطال:8/218.
([10] ) إلا من رحم ربك وقليل ما هم.
([11] ) الديمقراطية كلمة لاتينية وهي مكونة من شقين: الشق الأول demos وتعني الشعب، والشق الثاني cratie وتعني حكم أو سلطة.
([12] ) وقد بلغني وأنا أراجع مقالي هذا قبل نشره أن أخنوش اعتذر عن كلام بنعلي، وعندما استمعت كلامه في مقطع قصير تبين لي أنه ليس هناك أي اعتذار فإن أخنوش إنما قرر في كلمته أن دين البلد الإسلام وهذا لا أراه إلا جسا للنبض وتعمية على حقائق الحزب والله المستعان.
([13] ) لكن كما قال ربنا:” وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ”.
([14] ) أقصد حزب العدالة والتنمية.
([15] ) موسوعة البحوث والمقالات العلمية.
([18] ) لماذا اخترت المنهج السلفي:18-19.
مقال موفق والحمد لله
اللهم ول علينا خيارنا ولا تول علينا شرارنا يارب
ولكن أين هم المصلخون الصالحون؟