وقفات نقدية مع وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية

13 يوليو 2025 18:09

هوية بريس – د.محمد عوام

لا يخفى أن للمملكة المغربية ثوابت، وعلى رأس هذه الثوابت وأجلها، وأشرفها الإسلام دين الدولة كما هو مقرر ومنصوص عليه في دستور المملكة المغربية، وما كان ليضمن ذلك في هذا الدستور إلا لتأكيد ذلك، وإلا فالواقع التاريخي والواقع يغنيان بنفسيهما عن هذا التنصيص.

ثم ما لبثت وزارة الأوقاف منذ زمن غير يسير، تؤكد وتشدد على هذه الثوابت، التي حصرتها في المذهب المالكي، والعقيدة الأشعرية، والتصوف على مذهب الجنيد، وإمارة المؤمنين. وقد أقامت في ذلك دورات تكوينية للأئمة في المساجد، وبرامج إذاعية وتلفزيونية، ومحاضرات وندوات. كما لم يتوقف السيد الوزير عن التذكير بهذه الثوابت في كل مرت سنحت له الفرصة في لقاءات، مرشدا وموجها السادة القيمين على الشأن الديني من مندوبين ونظار وغيرهم.

على أن هذه الثوابت التي يراد ترسيخها حسب وزارة الأوقاف، لا نجد لها أثرا في باقي المجالات، كالإعلام والتعليم والاقتصاد، وغير ذلك، بل نجد ما ينسفها، ويخالفها صراحة، فإعلامنا ما فتئ يروج للأفلام والمسلسلات الساقطة، كما ينشر الميوعة والعري المخزي. وتعليمنا هو الآخر في بعض مواده معاكس ومشاكس لهذه الثوابت، وبخاصة في الفرنسية، حيث وقفنا على نصوص تقدم للتلاميذ وهي تنسف العقيدة، وتنشر الخلاعة، و”التحرر” السائب.

أما بعض سياسيينا فقد أخذوا معول هدم هذه الثوابت بالترويج للزنا باسم العلاقات الرضائية، كما فعل وزير العدل غير ما مرة، متحديا في ذلك ثوابت المملكة. ولم يتحرك وزير الأوقاف التوفيق، ولا نطق ولا لمح بالرفض، من كون ذلك مخالف للشريعة وثوابت المملكة، ومناقض للبيعة المشروطة بإقامة الدين، وحماية مصالح الدنيا.

لكن الغريب إذا كان رب البيت، والموكل بحماية هذه الثوابت هو أيضا ممن يسهم في هدمها، وتقويضها، ومسخها بالتأويل، والتحريف. وفي هذا السياق تندرج كلمة السيد وزير الأوقاف التي قيدنا حولها وقفات نقدية، نروم من خلالها بيان تهافت ما جاء به الوزير.

ونقيد هذه الوقفات النقدية فيما يلي:

الأولى: التطاول على اختصاص المجلس العلمي الأعلى

وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق أستاذ التاريخ، وليس عالما في الشريعة، لم يتخرج لا من القرويين، ولا من الدراسات الإسلامية، ومع ذلك ألفيناه يتطاول على اختصاص العلماء، وذلك حينما سمح لنفسه بالحديث عن الفوائد البنكية، والقول بجوازها. وهذا ليس من اختصاصه، وإنما ذلك موكول إلى مجلس العلماء، الذين يملكون أدوات الاجتهاد والنظر، والمتمكنون من الشريعة فهما وعلما وتنزيلا.

من هنا حق لنا أن نتساءل عن خلفية هذا التطاول، وتحدي العلماء في اختصاصهم، هل يعني هذا أنه يدرك مسبقا أن العلماء لن يوافقوا على جواز الفوائد البنكية، باعتبارها فوائد ربوية محرمة؟

وهل سبق منه أن حدث بعضهم في الموضوع فوجد منهم المنع وعدم القول بحلية الربا؟

ومهما يكن من أمر، فإن خوض وزير الأوقاف في حلية وجواز الفوائد الربوية، هو منه تطاول على صلاحية المجلس العلمي الأعلى، وهو الذي ما فتئ يردد أن الفتوى موكولة إلى هذا المجلس، وأنه يمثل الجهة المختصة بذلك في المملكة، لا غيرها، سواء كانوا أفرادا أو جماعات.

لكنه بسلوكه وتطاوله، خرق ما كان ينادي، ويلهج به بالأمس، علما أن الملك باعتباره –كما ينص الدستور- أميرا للمؤمنين، لم يسمح لنفسه في يوم من الأيام أن يتجاوز المجلس العلمي الأعلى، ولا أن يتصدر الفتوى، أو يروج لشيء لم يقل به العلماء، بالرغم من كونه رئيسا لهذا المجلس. بل وجدناه يسأل ويكاتب المجلس، كما فعل في قضية المصالح المرسلة. فهل أصبح وزير الأوقاف بتطاوله على اختصاص المجلس الأعلى أكثر من الملك أمير المؤمنين؟

هذا شيء عجاب، وزير لا علم له بالشريعة من حيث التخصص فيها، ينصب نفسه مفتيا فيحل الفوائد البنكية، فينسف ما هو معلوم قطعيته ضرورة، حتى صغار الطلبة وعوام الناس يعلمون ذلك، فضلا عن العلماء والمتخصصين.

ثم الذي جرى به العرف العلمي في الندوات والمؤتمرات، أن الضيوف إذا طلبت منهم اللجنة المنظمة إلقاء كلمة افتتاحية، فإنما يكتفون بالتنويه بأهمية الموضوع، وشكر المنظمين وشيء من هذا القبيل، ولا يتطرقون البتة إلى صلب الموضوع، لكن الوزير التوفيق خرق هذا البروتوكول، كأنه يريد من ذلك توجيه المؤتمرين إلى ما يريد، وهذا –طبعا- ليس من جيد الحكمة واللياقة، وبخاصة في موضوع قد حظي بالإجماع بين علماء الإسلام منذ نزول الوحي، لقطعية نصوصه.

مع الأسف فنحن أمام وزير أصبح يتمرد على اختصاصات المجلس العلمي الأعلى، ولا يحترم الملك باعتباره رئيسا لهذا المجلس، وقد دأب أن يسأل العلماء جريا على أسلافه رحمهم الله، ولا يلتزم حتى بروتوكول وأدبيات إلقاء الكلمة الافتتاحية.

على أن صلة السيد الوزير النظرية بـ”موضوع القروض المالية، -كما جاء في كلمته- ترجع إلى أبعد من نصف قرن. ذلك أنني في تدريسي لتاريخ اليونان في الجامعة في أوائل أعوام السبعين من القرن الماضي كان من النصوص التي كنت أقترحها على الطلبة نص من كتاب السياسة لأرسطو عنوانه “النقود لا تلد”.

كل ذلك لا يخول له أن يتحدث في موضوع من الخطورة بمكان، ذلك أننا لا نجد للوزير كتابات اقتصادية شرعية في الموضوع، ولا هو من أهل هذا الشأن. وما يذكره عن نفسه، إنما كان منه تدريسا لتاريخ أثينا. وهنا تختلف النظرة التاريخية والنظرة الشرعية للموضوع، وهو ما لم يحققه السيد الوزير، علما أن تحريم الربا مما اتفقت عليه جميع الشرائع، وهو أمر جرى عليه العقلاء أيضا.

يتبع..

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
10°
19°
أحد
19°
الإثنين
20°
الثلاثاء
19°
الأربعاء

كاريكاتير

حديث الصورة