وقفة أولية تأويلية لآية المنازعة

27 يوليو 2025 22:03

هوية بريس – د.ميمون نكاز

المعتبر القرآني: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، ذلك خير وأحسن تأويلا} [ النساء59]…

بعد المقالة الاستدراكية على التوظيف التحريفي لدلال “آية المبايَعة” في خطبة الجمعة، نختص هذه المقالة بالبيان الاستدراكي على التوظيف التحريفي لآية المنازعة حيث صُدِمَ المصلون بِشَرِّ القول وأفسدِ التأويل، حين تَحَرٌَف كاتبُ الخطبة عن إلزام الوحي الشريف بوجوب الرد إلى الكتاب والسنة في حال التنازع إلى الدعوة إلى وجوب الرد إلى ولي الأمر في إحداثية منكرة تخالف النص المحكم القطعي الصريح الدال على وجوب الرد إلى المرجعية السيادية الأعلى في الاجتماع الإسلامي (مرجعية الكتاب والسنة التي تستوجب لازم الخضوع لها من المؤمنين كافة، يشمل هذا اللزوم أولياء الأمور ضرورة وبداهة، وما الرد إلى أولي الأمر كما ورد في بعض النصوص الأخرى إلا رد إلى هذه المرجعية من حيث المآل والمنتهى، لكن الآية في مناطها المحلي قاطعة لدابر كل تأويل)، لا ريب أن في ذلك منابذة من الجهة الوصية على الشأن الديني لإجماع الأمة التاريخي والحضاري والمذهبي والعلمي العقائدي والأصولي والفقهي والصوفي المحرر، وبالنظر إلى الاختيارات الدينية المغربية التي يعكف الخطاب الديني الرسمي على التبشير بها والإنذار من مخالفتها، فلا مالك ولا أئمة المذهب تأولوا الآية على هذا النحو التحريفي، كذلك ولا الأشعري ولا الجنيد السالك، بل الثابت عنهم بيقين وجوب الرد إلى الكتاب والسنة…

يبدو أن هنالك منزعا ظاهرا ملحوظا على أرضية تثبيت القداسة الذي ألمحنا إليه في التوظيف التحريفي لدلالة “آية المبايعة” إلى التأسيس الديني للسلطة المطلقة المقدسة، حيث التنزيه الديني الأخلاقي والسياسي لولي الأمر من كل تبعة أو مسؤولية متعلقة بالمنازعات التي تحدث في الأمة، وقد يكون بعضها بينها وبين أولي الأمر فيها، والقول بوجوب الرد إلى أولي الأمر فيه إحلال لهم محل الكتاب والسنة، وفي ذلك إعدام لمرجعيتهما السيادية الأعلى في الأمة، كما أن فيه مصادرة للمطلوب عندما تكون المنازعة بين الأمة وأولي الأمر فيها…

قول الحق سبحانه: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، ذلك خير وأحسن تأويلا} بالغ منتهى القطع والإحكام في صراحة الإلزام بوجوب التحاكم إلى الكتاب والسنة في حالات التنازع والخلاف، بين مكونات الأمة، وهو وجوب عقدي وإلزام وجوبي بمقتضى الإيمان، فليست المسأل متعلقة بجزئيات الأحكام العملية، بل هي مسلمة عقدية كلية، لم يشذ عن تقرير لازمها وملزومها مذهب من مذاهب الإسلام قاطبة، فالخير وأحسن التأويل في التسليم بمسلمتها، والشر وأفسد التأويل في مُحارَفة هذه الثابتة العقدية المنهاجية…

مما يقتضيه “خير المعرفة” و”أحسن التأويل” الموصولان بآية المنازعة ضرورة وصلها بسياقها القرآني، إذ فيه كفاية البيان لتقييدات الوحي الشريف واشتراطاته “بخصوص “الولايات الأمرية، وهذا بعض البيان حيث نقرأ من الوحي الشريف هذا النص السياقي من سورة النساء:

{إِنَّ ٱللَّهَ یَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّوا۟ ٱلۡأَمَـٰنَـٰتِ إِلَىٰۤ أَهۡلِهَا وَإِذَا حَكَمۡتُم بَیۡنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحۡكُمُوا۟ بِٱلۡعَدۡلِۚ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا یَعِظُكُم بِهِۦۤۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِیعَۢا بَصِیرا، یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَطِیعُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِیعُوا۟ ٱلرَّسُولَ وَأُو۟لِی ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ فَإِن تَنَـٰزَعۡتُمۡ فِی شَیۡء فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِۚ ذَ ٰ⁠لِكَ خَیۡر وَأَحۡسَنُ تَأۡوِیلًا، أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِینَ یَزۡعُمُونَ أَنَّهُمۡ ءَامَنُوا۟ بِمَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡكَ وَمَاۤ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ یُرِیدُونَ أَن یَتَحَاكَمُوۤا۟ إِلَى ٱلطَّـٰغُوتِ وَقَدۡ أُمِرُوۤا۟ أَن یَكۡفُرُوا۟ بِهِۦۖ وَیُرِیدُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ أَن یُضِلَّهُمۡ ضَلَـٰلَۢا بَعِیدا، وَإِذَا قِیلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡا۟ إِلَىٰ مَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ رَأَیۡتَ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ یَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودا، فَكَیۡفَ إِذَاۤ أَصَـٰبَتۡهُم مُّصِیبَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَیۡدِیهِمۡ ثُمَّ جَاۤءُوكَ یَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنۡ أَرَدۡنَاۤ إِلَّاۤ إِحۡسَـٰنا وَتَوۡفِیقًا، أُو۟لَائكَ ٱلَّذِینَ یَعۡلَمُ ٱللَّهُ مَا فِی قُلُوبِهِمۡ فَأَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ وَعِظۡهُمۡ وَقُل لَّهُمۡ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ قَوۡلَۢا بَلِیغا، وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِیُطَاعَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَلَوۡ أَنَّهُمۡ إِذ ظَّلَمُوۤا۟ أَنفُسَهُمۡ جَاۤءُوكَ فَٱسۡتَغۡفَرُوا۟ ٱللَّهَ وَٱسۡتَغۡفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُوا۟ ٱللَّهَ تَوَّابا رَّحِیما، فَلَا وَرَبِّكَ لَا یُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ یُحَكِّمُوكَ فِیمَا شَجَرَ بَیۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا یَجِدُوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ حَرَجا مِّمَّا قَضَیۡتَ وَیُسَلِّمُوا۟ تَسۡلِیما}[النساء58-65]…

الناظر في هذا النص السياقي يستظهر الإفادات التالية بيسر وسهولة وتمامية:

1) الإلزام القرآني للمؤمنين عامة ولأولياء الأمور خاصة بوجوب “أداء الأمانات ووجوب “الحكم بالعدل” بين جميع الناس من غير تمييز ديني أو طائفي أو عرقي أو سياسي أو ثقافي، هذان الوجوبان شرطان في تحقيق انتساب “أولي الأمر” لهذه الأمة؛ ذلك وارد صريح في الآية التي تسبق “آية المنازعة”، فإذا أخل الحاكم ولي الأمر بهذين الشرطين -أقصد “أداء الأمانات” و”الحكم بالعدل”- اختلت “شرعية ولايته وإمارته” في “مَحَالِّ الإخلال” بقدر إخلاله، ولا طاعة له في تلك المحال فيما أخل به، إنما الطاعة بالمعروف في المعروف، والناظر في هذين الشرطين يستظهر منهما بيان معنى “المِنِّيَّة” في قوله تعالى: {وأولي الأمر منكم}…

يتبع بعد حين…
آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
7°
19°
السبت
20°
أحد
20°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة